الوثيقة | مشاهدة الموضوع - أيران وما يجري في العراق وفي لبنان د. جواد الهنداوي
تغيير حجم الخط     

أيران وما يجري في العراق وفي لبنان د. جواد الهنداوي

مشاركة » السبت يناير 15, 2022 8:53 am

حدثان بارزان ،من بين وقائع و احداث المنطقة، يسترعيان المتابعة والتحليل والاستنتاج، الاول في العراق، والثاني في لبنان.
كلاهما سياسيّان و متزامنان، وكلاهما يهّمان امريكا وحلفاءها في المنطقة، وكذلك ايران.
الحدث الاول انتخابات العراق وما ترّتب عليها من نتائج و اختيار رئيس مجلس النواب ومساعي تشكيل الحكومة. لم يشهد الحدث، حسب علمنا و متابعتنا ، تدخلاً ايرنياً مباشراً او غير مباشراً، من اجل وحدة الكتل والاحزاب الشيعية، وخاصة بين التكتل الصدري و الاطار التنسيقي، وتهنئة السيد قاليباف، رئيس البرلمان الايراني، للسيد الحلبوسي، تعني عدم استياء سياسي ايراني لما حصلْ ، وتأيدياً برلمانياً، وتعني ايضاً رسالة ايرانية ايجابية للخطوات السياسية الدستورية القادمة (اختيار رئيس الجمهورية واختيار رئيس الوزراء).
تهنئة السيد قاليباف هي رسالة لاطراف البيت الشيعي المتخاصمة: عدم استياء او عدم معارضة لما اقدمَ عليه الصديق (السيد مقتدى الصدر)، ودعوة الى الحليف بقبول الامر الواقع ،والتعامل معه، واستخلاص العِبر والنتائج، وان في السياسة كّرٌ وفّر، ومواجهة واحتواء، ومصالح ومبادئ، وخُدعة وذكاء وبصيرة ودهاء.
ثلاثة اسباب تُعلّل ابتعاد ايران عن ارهاصات هذا الحدث ،الذي يخّصُ المكوّن السياسي الشيعي. فما هي؟
– الاتفاق النووي بين ايران و الغرب اهّم بكثير من حدث العراق، واهّم مِنْ ذا الذي سيتولى رئاسة مجلس النواب العراقي او رئاسة الوزراء في العراق. ايران، وبأبتعادها عن حدث العراق ،تُقّدمْ، وبصورة ضمنيّة، تجربة ملموسة، للامريكين و للغرب، بعدم التدخل، ولكنها لاتناقش موضوع نفوذها في المنطقة. التدخل شئ والنفوذ شئ آخر. ويمكن ان يكون عدم التدخل في حدث ما و في وقت ما، عاملاً مساعداً لتوسع النفوذ وليس انحساره، والعكس صحيح.
المكُّون الشيعي والمؤسسات السياسية في العراق هي رافد واحد من روافد النفوذ الايراني في العراق، علاقات ايران مع المكوّنات الاخرى، والحدود المشتركة مع ايران، والعلاقات الدينية والاجتماعية، والعلاقات الرسمية بين العراق وايران في مجال الاقتصاد والجيش والحشد الشعبي والفصائل الاخرى ،جميعها روافد تؤسس لايران نفوذاً في العراق.
– لعل فشل المكوّن الشيعي في التوافق قبل الدخول الى قبّة البرلمان هو اول اثر سياسي على غياب الشهيد قاسم سليماني .الآن ، ليس للقيادة الايرانية في طهران ترف الوقت لاضاعته من اجل حلفاء او اصدقاء عجزوا عن
التوافق فيما بينهم. حال لسان الشارع الايراني يقول “كفانا مع العراق تضحية قاسم سليماني على طريق المطار”، وبغدرٍ مِنْ أصدقاء العراق (امريكا).
وما يهّمُ ايران، في الوقت الحاضر، أنْ لا ينجّر او لا ينزلق العراق نحو اقتتال اهلي، لانّّ جغرافية العراق و استقراره هما جزء من الامن القومي الايراني، وسياسة ايران تتسّمُ بالصبر الاستراتيجي، مثلما قال الرئيس الاسبق للولايات المتحدة الامريكية، السيد اوباما ،خلال حديثه لمجلة دي ادلنتيك قبيل مغادرته البيت الابيض، وتتسّمُ ايضاً بالواقعية، والشاهد هو تعامل و تعاون ايران مع حكومة طالبان في افغانستان.
– مثلما جزِعت المملكة العربية السعودية من حلفائها و اصدقائها في لبنان، ها هي ايران ايضاً تصل، على ما اعتقد، الى ذات الشعور ازاء اصدقاءها وحلفائها في العراق. صبر ايران، على ما اعتقد، لم يعد يطيق، اخطاء و تقصير وفساد جهات واحزاب، وشخصيات، وفي نظر الشارع العراقي، محسوبين عليها سياسياً و مذهبياً. ايران ستتركُ الحلفاء و الاصدقاء في العراق يتنافسون في التصريحات، ويختلفون ويتوافقون في المواقف، ويحتكمون للقضاء او لتدخل المرجعية، ولا تخشى على نفوذها في العراق، فليس لدولة عربية او اقليمية او دولية نفوذ في العراق يوازي النفوذ الايراني، للآخرين اداور مهمة ولكنها مؤقتة وعابرة.
و تاريخ نفوذ ايران في العراق لم يبدأ عام ٢٠٠٣ ،عام سقوط النظام السياسي الصدامي ،وانما سادَ سلباً و ايجاباً بحروب او بسلام وبوئام منذ خمسينيات القرن الماضي .
اكتبُ الآن عن الحدث الثاني الذي شهدهُ لبنان ،يوم ٢٠٢٢/١/١٢ ، بانعقاد مؤتمر او تجمّع المعارضة في الجزيرة العربية ، في الضاحية الجنوبية في بيروت ، وبرعاية حزب الله اللبناني .
جاء انعقاد المؤتمر تكريساً لخطاب السيد حسن نصر الله ،الذي القاه يوم ٢٠٢٢/١/١٠ ، والذي انتقد فيه المملكة العربية السعودية ، و وصفها بالداعم و الممّول للارهاب في العراق وفي سوريا وفي لبنان ، و الاعتداء على اليمن .
لم يكترث السيد حسن نصر الله ،في خطابه تجاه السعودية ،لا في اجواء النوايا الايرانية الايجابية تجاه العلاقة مع المملكة ، ولا في حرص رئيس الوزراء اللبناني السيد نجيب ميقاتي على عدم ازعاج المملكة .
موقف حزب الله تجاه المملكة ، والذي جاء رداً على وصفها له بالارهاب ، يدّلُ على تحرر الحزب من ايّة املاءات تتعارض مع مصلحته و كرامته ومصلحة لبنان ؛ سواء كانت هذه الاملاءات من حليف كأيران او من جهات سياسيةً ورسمية لبنانية .
ارادَ الحزب بتبنيه مؤتمر للمعارضة السعودية ،ان يوجّه رسالة لداخل لبنان ولخارج لبنان ،مفادها بأنَّ سوء الحال الاقتصادي و النقدي للبنان لن يُثنْ الحزب عن التشابك الاعلامي و السياسي مع ايّة جهة عربية او دولية تنالُ من سمعة و كرامة و مواقف الحزب .
وجدَ الحزب فرصة لجعل الاشتباك الاعلامي والسياسي بين الحزب و المملكة ، بين خطاب للملك سلمان بن عبد العزيز و خطاب للسيد حسن نصر الله ، وليس بين المملكة ولبنان ، وليس بين صحيفة الشرق الاوسط السعودية وصحيفة الاخبار اللبنانية .
كيف تعامل الامريكان مع الحدثيّن في العراق و في لبنان ؟
كان تدخل امريكا في ما حدثَ في العراق تدخلاً غير مباشر ،ومن خلال حلفاء امريكا وخاصة الامارات و تركيا ، وكان دور هاتيّن الدولتيّن محدوداً على توحيد وتوجيه المكوّن السني . لم تكْ امريكا بحاجة الى مزيد من الجهد والمال لتوجيه البوصلة لضمان مصالحها، وتعزيز دور حلفائها في العراق ،لانها حققّت المُراد قبل الانتخابات باسقاط حكومة السيد عادل عبد المهدي و بزعزعة الصف الشيعي سياسياً و اجتماعياً .
لا لامريكا و لا لحلفائها حول او قوّة على حزب الله في لبنان ، لذا تجدُ لبنان ،دولةً وشعباً عرضة للرهان وللابتزاز في خبزه و وقوده و دواءه ، ومن خلال عقوبات على الشعب و الضعفاء وحماية امريكية للفاسديّن والمتواطئين في تجويع الشعب ونهب امواله .
سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل .
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron