الوثيقة | مشاهدة الموضوع - حسن الجوار ليس شعارا بل سلوك وسياسات : يحيى الكبيسي
تغيير حجم الخط     

حسن الجوار ليس شعارا بل سلوك وسياسات : يحيى الكبيسي

مشاركة » الجمعة مايو 21, 2021 10:02 am

7.jpg
 
ظلت العلاقات العراقية الإيرانية، على مدى تاريخهما كدولتين حديثتين، وعلى مدى تاريخهما في سياق الصراع العثماني الصفوي/ الفارسي، علاقات مضطربة، ولم تنجح الاتفاقيات العديدة التي وقعها الطرفان في بناء علاقة طيبة ومستقرة بينهما.
رسمت الحدود بين البلدين عبر معاهدة عام 1937 ثم أصبحا عضوين فيما سمي بحلف بغداد الذي تشكل عام 1955 والذي ضم آنذاك بريطانيا وتركيا وباكستان، وكان مدعوما بشكل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن عضوا رسميا فيه، والحقيقة أن هذا الحلف كان يمكن أن يشكل مقدمة لبناء علاقات حسن جوار عراقية ـ إيرانية، لكنّ ثورة/ انقلاب تموز 1958 في العراق أدى إلى انسحاب العراق من هذا الحلف، ثم قيام العلاقات الدبلوماسية بين العراق والاتحاد السوفييتي( المحور السوفييتي) وتوطيد العلاقة بينهما، قوّض ذلك، لتعود العلاقات إلى التوتر مرة أخرى، خاصة بعد إعلان شاه إيران في 19 نيسان/ أبريل 1969 انسحاب إيران من معاهدة 1937، ومحاولة فرض حدود جديدة، تحديدا في شط العرب، ثم الدعم العسكري واللوجستي الذي قدمه شاه إيران للمعارضة الكردية العراقية في حربها ضد الدولة بعد فشل مفاوضات الحكم الذاتي بين الطرفين. لتأتي اتفاقية الجزائر التي وقعت بين العراق وإيران في 6 آذار/ مارس 1975 بوساطة من الرئيس الجزائري هواري بومدين، وفيها رسمت الحدود العراقية الإيرانية بناء على بروتوكول القسطنطينية لسنة 1913، ومحاضر لجنة تحديد الحدود لعام 1914، وتحديد خط التالوك ( أي خط وسط المجري الرئيس الصالح للملاحة عند خفض منسوب المياه) حدودا نهرية في شط العرب، وليس الحدود التي رسمتها معاهدة 1937 الموقعة بين البلدين والتي اعطت السيادة شبه الكاملة للعراق على شط العرب، باستثناء مناطق محددة مقابل مدينة المحمرة، وميناء عبادان، والتي أعلنت إيران الغاءها من جانب واحد في العام 1969. فقد تم في 13 حزيران/ يونيو 1975 التوقيع على معاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار بين العراق وإيران، فضلا عن ثلاثة بروتوكولات ملحقة بها خاصة بالحدود البرية والنهرية وأمن الحدود، وقعها وزراء خارجية العراق (سعدون حمادي) وإيران (عباس خلعتبري) والجزائري (عبد العزيز بوتفليقة). وقد أكدت هذه المعاهدة على ان خط الحدود البرية والنهرية بين العراق وإيران المتفق عليه «لا يجوز المساس بها وأنه دائمي ونهائي» (المادة الخامسة). ولكن مرة أخرى لم تنجح هذه الاتفاقية في بناء علاقات حسن جوار حقيقية، لاسيما بعد تلكؤ الجانب الإيراني في الانسحاب من بعض المخافر الحدودية التي يسيطر عليها، والتي كان يجب ان ينسحب منها بموجب هذه الاتفاقية، كما لم تلتزم إيران أيضا بالبروتوكولات الملحقة بالاتفاقية المتعلقة بتقاسم المياه. لتأتي الثورة الإيرانية وتطيح بكل أمل في بناء علاقات حسن جوار بين البلدين، وذلك عبر الرفض الصريح لاتفاقية الجزائر، وعبر التهديدات المباشرة بتصدير الثورة!
بعد حرب الثماني سنوات بين البلدين، استمرت العلاقات متوترة بين البلدين، تحديدا بعد اتهام العراق لإيران بانها كانت فاعلا رئيسيا في حركة التمرد التي تبعت حرب تحرير الكويت في العام 1991.

إذا أرادت إيران تغيير هذه الصورة، عليها العمل على الضغط على حلفائها من الفاعلين السياسيين الشيعة المهيمنين على القرار السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي في العراق، من أجل استعادة ثقة المجتمع السني بالدولة العراقية

و بعد سقوط نظام البعث كان يفترض أن تأخذ العلاقات العراقية الإيرانية منحى جديدا مع هيمنة الفاعل السياسي الشيعي الحليف لإيران على السلطة في العراق، سواء من خلال الاعتراف بالعراق كدولة لها سيادتها، أو من خلال محاولة حل المشكلات العالقة بين البلدين، لكن شيئا من هذا لم يحدث، بل على العكس من ذلك؛ فقد بدت الدعاوى الإيرانية المتعلقة بترسيم الحدود في شط العرب أكثر حدّة مما كانت عليه في زمن الشاه، من خلال محاولتها تغيير خط التالوك/ القعر ليكون أقرب إلى الأراضي العراقية، وبالتالي السيطرة ليس على مساحة أوسع من شط العرب، بل السيطرة على أراض عراقية من بينها ميناء العمية! ومن خلال عدم التزامها المطلق بالبروتوكولات الثلاثة التي وقعت عليها ضمن معاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار بينها وبين العراق في 13 حزيران/ يونيو 1975، فقد قامت إيران ببناء سدود، وتغيير مسارات أنهار، وبالتالي حرمان العراق من حصته المائية بخلاف ما نصت عليه هذه البروتوكولات.
إن بناء علاقات عراقية ـ إيرانية طبيعية وغير قابلة للتقويض، مبنية على أساس تحقيق المصلحة الحقيقية للبلدين، يتطلب من الإيرانيين أن يعوا أنهم في حاجة لتغيير سلوكهم وسياساتهم تجاه العراق، وأن يتخلوا عن الحلم الامبراطوري بالسيطرة على المنطقة (الحلم الذي كان حاضرا دائما من بداية الدولة الصفوية حتى اللحظة بتمظهرات مختلفة). وأن تكون لهم علاقات جيدة مع كل مكونات المجتمع العراقي الرئيسية، وأن تعويلهم على علاقتهم بالفاعل السياسي الشيعي حصرا، وبطرف كردي دون آخر، لا يمكن أن تنتج علاقات صلدة، ومستدامة مع العراقيين، لأنه سيدخلهم، عمليا، في سياق الصراعات العراقية الداخلية، وسينظر إليهم على أنهم حليف لفئة شيعية دون أخرى ( إن احتجاجات تشرين وما بعدها، كشفت الهوة العميقة بين إيران وفئات عديدة من المجتمع الشيعي في العراق) ولمكون على مصلحة مكون آخر، وبالتالي سيواجهون رفضا واسعا، وهو ما يقوض أية إمكانية لبناء علاقات استراتيجية تحظى بدعم جماعي في العراق.
ويجب على الإيرانيين أيضا أن يعوا جيدا أن المجتمع السني في العراق ينظر إليهم بريبة، وعدم ثقة، ليس لأسباب طائفية كما يحاول البعض أن يسوق، بل لأسباب سياسية بحت؛ فهو يعتقد أن إيران تدعم السياسات الطائفية التي تحكم العراق، وتدعم احتكار الفاعل السياسي الشيعي للسلطة، بل إن البعض يذهب إلى أن ما يتبناه الفاعلون السياسيون الشيعة في العراق هو استراتيجية إيرانية أصلا.
وبالتالي إذا أرادت إيران تغيير هذه الصورة، عليها العمل على الضغط على حلفائها من الفاعلين السياسيين الشيعة المهيمنين على القرار السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي في العراق، من أجل استعادة ثقة المجتمع السني بالدولة العراقية (حكومة، وقوات عسكرية وأمنية، وقضاء، وإدارة). وهذا يتطلب إعادة النظر في كل السياسيات التمييزية والإقصائية المنهجية التي يتعرض لها المجتمع السني وعلى جميع المستويات. وأن يعي الفاعلون السياسيون الشيعة أن العراق دولة تعددية، وبالتالي لا يمكن أن يُحكم إلا على أساس الشراكة في السلطة Power – Sharing، وهو ما يفرض عليهم إعادة النظر في هذه السياسات. وأن يعوا أيضا أن الأزمات الأمنية المتتالية التي حدثت، ولا تزال تحدث بما فيها ظاهرة داعش نفسها، هي نتاج مباشر وحتمي لهذه السياسات.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron