الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هل تَصِل الصّحوة “الداعشيّة” إلى طرابلس اللبنانيّة التي تشهد صِدامات دمويّة؟ وهل هذا ما قصده سعد الحريري عندما قال إنّه لن يسمح بتحويلها إلى “قندهار” أُخرى؟ ولماذا لا نَستبعِد صِراعًا إقليميًّا سَعوديًّا تُركيًّا بأدوات سنيّة لبنانيّة تتزايد إرهاصاته على
تغيير حجم الخط     

هل تَصِل الصّحوة “الداعشيّة” إلى طرابلس اللبنانيّة التي تشهد صِدامات دمويّة؟ وهل هذا ما قصده سعد الحريري عندما قال إنّه لن يسمح بتحويلها إلى “قندهار” أُخرى؟ ولماذا لا نَستبعِد صِراعًا إقليميًّا سَعوديًّا تُركيًّا بأدوات سنيّة لبنانيّة تتزايد إرهاصاته على

مشاركة » السبت يناير 30, 2021 6:00 pm

8.jpg
 
تشهد مدينة طرابلس التي تُعَد من أفقرِ المناطق في لبنان احتجاجات شعبيّة غاضبة نتيجة استِفحال الفقر والجُوع، وتفاقم مُعدّلات البِطالة، وغِياب شِبه كامِل للدّولة اللبنانيّة، وغرق النّخب السياسيّة في معارك النّفوذ التي تخوضها مُنذ سنوات، وفوق هذا وذاك انتِشارٌ سَريعٌ لفيروس كورونا القاتل.
الحِراك الشّعبي الذي كان “عود ثقابه” قرار الحُكومة بفرض الإغلاق الكامل لمُواجهة هذا الانتِشار السّريع، وغير المسبوق، لفيروس الكورونا، كان مشروعًا لأنّ هذا الإغلاق يعني البِطالة والموت جُوعًا بدلًا من الموت بالفيروس، في ظِل غِياب كُلِّي لأيّ مُساعدات من الدّولة، ولكن إطالة أمده هيّأ البيئة المُلائمة لتَسَلُّل المُندسّين للاصطِياد في الماءِ العَكِر وتوظيف الاحتِجاجات لخدمة أهدافهم ومن يَقِفون خلفهم، وما أكثرهم في لبنان هذه الأيّام.
بداية الاحتِجاجات كانت سلميّةً، ولكنّ الفصل الأخير والأحدث، الذي تمثّل في إحراق مبنى البلديّة وسيّاراتها، والصّدام مع قِوى الأمن والجيش اللّذين تدخّلا لفَرضِ الأمن ووقف أعمال التّخريب، ممّا أدّى إلى مقتلِ شاب وإصابة 400 آخَرين بعضهم من رجال الشّرطة والجيش، هذا التطوّر يَعكِس دُخول عناصر خارجيّة تُريد استِغلال حالة الغضب الشّعبي لنشر الفوضى، وتفجير الصّدامات في كُل لبنان، وليسَ في طرابلس فقط.
مدينة طرابلس يُمكن وصفها بأنّها باتت هذه الأيّام مدينة التّناقضات، والصّراعات المحليّة الظّاهرة، والإقليميّة الخفيّة، فتحت سقفها وحاراتها العتيقة، وهندستها المعماريّة العثمانيّة، يعيش الفقر المُدقِع مع الثّراء الفاحش جنبًا إلى جنبٍ، ويُحاول أصحاب المِليارات فيها وما يُسمّى بوجوهها السياسيّة، توظيف الحِراك والأزَمة لتعزيز حصصهم، ومكانتهم في السّلطة والنّسيج السّياسي والاجتِماعي اللّبناني، وزيادة أرصدتهم المُتضخّمة بالمِليارات في البُنوك المحليّة والعالميّة، مِثل أقرانهم في المُدن والجُيوب اللبنانيّة الأُخرى.
فعلى الصّعيد المحلّي تتصارع النّخب الطرابلسيّة والعائلات الكُبرى الثريّة فيما بينها على زعامة المدينة، وعلى الصّعيد الخارجي تتصارع دول كُبرى مِثل السعوديّة وتركيا على الزّعامة السنيّة، وتُوَظِّف أدواتها المحليّة في هذا المِضمار، والمُواطن الطّرابلسي المغلوب على أمره الضحيّة في جميع الحالات.
من المُفارقة أنّ الانقِسام العائلي “الحريري” وصِراعاته على زعامة الطّائفة، انتقل من بيروت وصيدا إلى المدينة الشماليّة السنيّة (طرابلس)، فها هو السيّد بهاء الحريري الوافد الجديد إلى الحلبة يَضُخ الملايين لتأسيس قاعدة نُفوذ سياسي، وشِراء الولاءات وتأسيس امبراطوريّة إعلاميّة، نيابةً عن المملكة العربيّة السعوديّة لإفشال مَهمّة شقيقه سعد المُكلّف بتشكيل الوِزارة الجديدة والمغضوب عليه سَعوديًّا، ويُشَكِّل، أيّ الشيخ بهاء” تحالفات مع خُصوم شقيقه من زعامات الطّائفة السنيّة، أمّا الأخير، أي شقيقه “الشيخ” سعد، فقد ذهب إلى أنقرة بحثًا عن الدّعم قبل أسبوعين لعلّه يَجِد في أنقرة البديل الدّاعم في وجه الرّياض التي تخلّت عنه، وتعمل على إفشاله في السِّر والعلَن.
الشيخ سعد الحريري أصدر بيانًا أمس انتقد فيه تلكّؤ الجيش وقوّات الأمن في التدخّل بطَريقةٍ فاعِلَةٍ للسّيطرة على الموقف، وقال لن نسمح للتطرّف بأن يُسيطِر على طرابلس وتحويلها إلى “قندهار” أُخرى، وينسى الشيخ سعد أنّ حُلفاءه القُدامى، أو الجُدد، هُم الخُبراء في تحويل مُدن إلى “قندهارات” جديدة، ولعلّ ما يجري في أراضي الجار السّوري حاليًّا هو أحد الأدلّة في هذا المِضمار.
لا نَعرِف ما إذا كانت هناك صلة بين حالة “التَّمدُّد” و”الصّحوة” الجديدة لتنظيم “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” التي نرى إرهاصاتها في الشّرق السّوري والعِراق، وأحداث طرابلس الحاليّة، ولكنّ هُناك مُؤشّرات على وجود جِهات تُريد خلق الحاضنة للتّنظيم في المدينة، وإشعال فتيل الفِتنة الطائفيّة في الشّمال اللّبناني، وإحياء العداوات “المُجمّدة” بين السنّة والعلويين الذين يتمركزون على بُعد بضعة كيلومترات في جبل محسن، والسّلاح مُتوَفِّرٌ بكَثرةٍ، والجِهات التي “تَحتِرف” إيصاله جاهزة.
خِتامًا نقول إنّ أحداث مدينة طرابلس الحاليّة التي تتّجه للتوسّع والصّدامات الدمويّة، قد تنتقل عدواها إلى كُل المُدن اللبنانيّة، لتشابه الظّروف المعيشيّة الصّعبة، وارتِفاع منسوب الاحتِقان الشّعبي في ظِل وجود أكثر من ثلاثة ملايين لُبناني، في قُعر خطّ الفقر، إن لم يَكُن أعمَق.
طرابلس، باختصارٍ شديد تدفع ثمن الإهمال والتّهميش وعُمق الهوّة الطبقيّة، وفساد النّخبة السياسيّة، ومُؤامرات الأصابع الخفيّة التي تُريد نسف ما تبقّى من قيم التّعايش فيها، وفي كُل لبنان وإغراقه في صِراعات طائفيّة واجتماعيّة، وهُنا يَكْمُن الخطر الحقيقي.
“رأي اليوم”
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى اراء

cron