الوثيقة | مشاهدة الموضوع - لماذا انفَجرت المُظاهرات في ايران على أرضيّة ارتِفاع أسعار البنزين؟ هل اتّخذ الرئيس روحاني القرار الصّحيح في الوقتِ الخطأ تحت عُنوان مُساعدات الفُقراء؟ وما هِي العلاقة بين الاحتِجاجات الإيرانيّة ونظيراتها في العِراق ولبنان؟ هل السّبب واحِد.. أم المُعلّم و
تغيير حجم الخط     

لماذا انفَجرت المُظاهرات في ايران على أرضيّة ارتِفاع أسعار البنزين؟ هل اتّخذ الرئيس روحاني القرار الصّحيح في الوقتِ الخطأ تحت عُنوان مُساعدات الفُقراء؟ وما هِي العلاقة بين الاحتِجاجات الإيرانيّة ونظيراتها في العِراق ولبنان؟ هل السّبب واحِد.. أم المُعلّم و

مشاركة » السبت نوفمبر 16, 2019 9:48 pm

45.jpg
 
الأمر المُؤكّد أنّ الرئيس الإيرانيّ “الإصلاحيّ” حسن روحاني اتّخذ القرار الصحيح في الوقتِ الخطأ عندما أقدم على خطوة زيادة أسعار البنزين بأكثَر من 50 بالمِئة اعتبارًا من ليلة أمس الجمعة، الأمر الذي أدّى إلى انفجار الاحتِجاجات في مُختلف المُدن الإيرانيّة.
نشرح أكثر ونقول إنّ الرئيس روحاني يُعاني اقتصاد بلاده من مُشاكلٍ مُتفاقمةٍ بسبب شِدّة العُقوبات الاقتصاديّة التي فرَضتها الإدارة الأمريكيّة الحاليّة لإجبار بلاده إلى العودة راكعة إلى مائِدة المُفاوضات والقُبول بالتّعديلات الأمريكيّة الإسرائيليّة التي تَنُص على إلغاء البرامج الصاروخيّة والنوويّة بشَكلٍ نِهائيٍّ، وبسبب هذه المُعاناة قرّر رفع الدّعم جُزئيًّا عن المَحروقات من أجل توفير بعض الدّخل لمُساعدة الأُسَر الفقيرة المُحتاجة التي تُشكِّل 75 بالمِئة من الشّعب الإيراني (هُناك حواليّ 18 مليون أسرة تحت خط الفقر) وستتلقّى هذه الأُسَر أموال دعم إضافيّة نَقدًا من جرّاء هذه الزّيادة.
خطّة الحُكومة الجديدة التي فجّرت هذه المُظاهرات تنُص على أنّه مسموحٌ لكُل صاحِب سيّارة شراء 60 ليترًا من البنزين في الشّهر بسعرٍ مدعومٍ مِقداره 13 سِنتًا، أيّ ما يُعادل 15 ألف ريال من العُملة المحليّة، وإذا أراد شِراء كميّات أكبر من هذ الحصّة، فإنّ عليه أن يدفع 26 سِنتًا، أو 30 ألف ريال لكُل لِيتر إضافي.
وتُعتبر أسعار البنزين في إيران هي واحدة من بين الأرخص عالميًّا، بسبب الدّعم الحُكومي، الأمر الذي أدّى إلى زيادة الاستهلاك إلى نحو 90 مليون لِيتر في اليوم (عدد سكّان إيران 80 مليون)، وزيادة كميّات التّهريب إلى دول الجِوار من قبل عِصابات مُتخصّصة لانخِفاض السّعر، وزيادة نِسبة التضخّم التي وصَلت إلى 40 بالمِئة.
من المُفارقة أنّ الرئيس روحاني عارَض نظام السِّعرين للبنزين الذي طبّقته حُكومة الرئيس أحمدي نجاد، وأقدم على إلغائه فور انتخابه لأنّه يُؤدّي إلى زيادة الفساد حسب قوله، كما حاول رفع أسعار البنزين ورفع الدّعم عنها جُزئيًّا في شهر كانون أوّل (ديسمبر) الماضي، ولكن مجلس الشورى الإيراني عارَض هذه الخطوة تَجنُّبًا لحُصول مُظاهرات.
عندما نقول إنّ السيّد روحاني اختار التّوقيت الأسوَأ للإقدام على خطوة رفع أسعار البنزين هذه التي أشعلت فتيل المُظاهرات، فإنّنا نقصِد أنّ إيران وحُلفاءها ونُفوذها في دول جِوار مُهمّة مِثل العِراق ولبنان يُواجِه استِهدافًا غير مَسبوق، حيث تنفجر مُظاهرات احتجاجيّة، يستغل بعض المُتظاهرين فيهما للمُطالبة بإنهاء التّحالف مع إيران، ونزع سلاح أذرعها العسكريّة، وخاصّةً حزب الله في لبنان.
فإذا كان مجلس الشورى نجَح في تأجيل خطوة رفع أسعار البنزين قبل عام تَجنُّبًا للمُظاهرات وكان مُصيبًا في ذلك، فلماذا يُوافق عليها الآن، وهو يعرِف وكذلك الرئيس روحاني، أنّ الولايات المتحدة وحُلفاءها في المِنطقة يُريدون، بل يُخطّطون، لتفجير مُظاهرات احتجاجيّة تُزعزِع استقرار إيران، وتُضعِف النّظام، وتُساعد على إسقاطه.
لا نعرِف كم ستطول هذه المُظاهرات التي أسعدت الولايات المتحدة وحُلفاءها العرب، ولكن ما نعرفه، أنّ الطّبقة الوسطى والغنيّة لن تتأثّر كثيرًا بهذهِ الزّيادة، لأنّ أسعار البنزين ستَظل الأرخص عالميًّا، أمّا فُقراء إيران، فالأغلبيّة السّاحقة منهم لا تملك السيّارات، وتستخدم المُواصلات العامّة، وإذا جرى استِخدام أموال تقنين المحروقات، ورفع أسعارها، لتَخفيف مُعاناتها تحت الحِصار الأمريكي، فإنّها ستَقِف في خندق النّظام، وليس في خندق الاحتِجاجات.
قَتل أحد المُتظاهرين فأل سيّئ بالنّسبة للرئيس روحاني وحُكومته، وإذا تكرّرت أعمال القتل هذه، ومن غير المُعتقد ذلك، بالنّظر إلى تجارب احتجاجات أُخرى مُماثلة في طِهران، فإنّ هذه المُظاهرات قد تتوسّع ويطول أمَدها، خاصّةً أنّ هُناك مُتربّصين يُريدون هذه النّتيجة، ويَصبّون الزّيت على نارِها.
علينا أن نتذكّر أن حُكومات في دول نفطيّة مُجاورة مِثل السعوديّة والإمارات رفعت أسعار البنزين بأكثر من مِئة في المِئة، ورفعت الدّعم عن العديد من السّلع والخدمات مِثل الماء والكهرباء، ولم تَحدُث أيّ مُظاهرات احتجاجيّة، ربّما لأنّ عدد السكّان أقل مثلما هو حال الإمارات، أو لأنّ الحُكومة تستخدم القبضة الحديديّة في مُواجهة أيّ اعتراض على خطواتها في هذا الصّدد، والأهم من كُل ذلك أنّ أمريكا لا تفرض عُقوبات اقتصاديّة على هذه الدول لأنّها لا تُريد تغيير الأنظِمة فيها في الوقتِ الرّاهن على الأقل، ولعلّ أدَق توصيف للحال الإيرانيّة هو المَثل العِراقي الذي يقول “مكروهة وجابت بنت”، مع عدم قُبولنا بمُحتواه.
بغض النّظر عن توقّف المُظاهرات أو اتّساع رُقعتها مَكانيًّا وزمانيًّا، فإنّ قرار الحُكومة الإيرانيّة، وفي مِثل هذا التّوقيت، يظَل خطأ في ظِل وجود فساد ومُعدّلات بِطالة مُرتفعة، ومُعاناة تتفاقم بفِعل الحِصار، وهذا لا يعني عدم الالتِفاف الى مُعاناة الأغلبيّة السّاحقة من الإيرانيين الذين يَعيشون تحت خط الفقر، وإنّما البحث عن طُرق ووسائل أُخرى لا تُوَفِّر الذّرائع لمَن يُريدون زعزعة استقرار البِلاد وأمنها.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى اراء

cron