الوثيقة | مشاهدة الموضوع - «فيتو أمريكي» وتلويح بالعقوبات.. تشكيل الحكومة العراقية يدخل نفق المواجهة الدولية يمان الحسناوي
تغيير حجم الخط     

«فيتو أمريكي» وتلويح بالعقوبات.. تشكيل الحكومة العراقية يدخل نفق المواجهة الدولية يمان الحسناوي

مشاركة » الخميس ديسمبر 11, 2025 5:59 am

في ظل تصاعد الجدل حول تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، تبرز مؤشرات متزايدة على تدخلات وضغوط دولية، أبرزها ما يُوصف بـ»الفيتو الأمريكي» ضد القوى السياسية المرتبطة بفصائل مسلحة، وهو ما أعاد فتح ملف النفوذ الخارجي في مسار تشكيل السلطة التنفيذية، وسط انقسام داخلي بين من يرى الأمر تهديدًا للسيادة الوطنية، ومن يقر بضرورة التوازن الدولي لضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
وبحسب نتائج الانتخابات التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة، فإن الكتل السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة تحوز أكثر من 90 مقعدًا في البرلمان، في مقدمتها حركة الصادقون التابعة لعصائب أهل الحق بـ28 مقعدًا، تليها منظمة بدر بنحو 20 مقعدًا، إضافة إلى تكتلات وقوائم أخرى أصغر. هذا الثقل البرلماني يجعل من استبعاد تلك القوى من المناصب التنفيذية تحديًا سياسيًا معقدًا، خاصة في ظل تشظي التوافقات واحتدام الصراع الإقليمي.
الإطار التنسيقي، الذي يُعد المظلة السياسية للقوى الشيعية، يعيش واحدة من أصعب محطات تشكيل الحكومات منذ عام 2003، وسط تزايد التحذيرات الأمريكية من إدخال الفصائل المسلحة إلى مواقع القرار. مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، لا يخفي موقف بلاده، إذ يواصل عبر منصة «إكس» الدعوة إلى «إبعاد السلاح عن السياسة»، مؤكدًا أن بناء مؤسسات قادرة على إنفاذ القانون هو شرط لأي شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع بغداد. هذا الخطاب يعكس قناعة أمريكية بأن الفصل بين الدولة والفصائل شرط ضروري لعودة العراق إلى حالة «الوضع الطبيعي»، بحسب تعبير سافايا.
من جهته، شدد مستشار الرئيس الأمريكي، غابرييل صوما، على أن إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت تنظر إلى ملف الحكومة العراقية باعتباره ساحة مواجهة مباشرة مع إيران.
وأكد صوما أن واشنطن لن تسمح بأي تدخل خارجي في هذا المسار، وتعتبر استقلالية القرار السياسي في بغداد ضرورة لاستمرار التقدم الأمني والاقتصادي، ملوّحًا باستخدام «فيتو أمريكي صريح» ضد أي محاولة لتقويض هذا التوجه.
التقارير الدبلوماسية تشير إلى أن رسائل الإدارة الأمريكية السابقة تضمنت تحذيرات وتهديدات مباشرة ضد قيادات في الحشد الشعبي مرتبطة بإيران، خاصة عقب هجمات استهدفت مصالح أمريكية في المنطقة.
وأضاف صوما أن واشنطن تسعى إلى بناء استراتيجية عراقية مستقلة عن طهران، تنطلق من رؤية تعتبر العراق أولوية بحد ذاته، لا مجرد امتداد لصراع النفوذ مع إيران.
في هذا السياق، تحدثت مصادر سياسية عراقية عن قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الشرعية الدولية لأي حكومة قادمة، مؤكدة أن منح الوزارات السيادية أو رئاسة الوزراء إلى شخصيات من الفصائل قد يجعل الحكومة «غير مرغوب فيها دوليًا».
وتشير تقارير إعلامية إلى رسائل أمريكية غير معلنة تحذّر من أن حكومة تتشكل بهذا الشكل لن تُعامل كشريك كامل، ولن تحظى بدعم مالي دولي، ما سيؤثر على قدرة العراق في الحصول على قروض أو تسهيلات مالية، وقد يعزلها اقتصاديًا.
وفيما يتعلق بالأدوات المتاحة لواشنطن، تبرز ورقة النظام المالي والدولار، إذ عمدت وزارة الخزانة الأمريكية خلال العامين الماضيين إلى فرض عقوبات على مصارف وشركات عراقية مرتبطة بفصائل مقربة من إيران، مثل «شركة المهندس العامة»، كما وسّعت من قائمة البنوك الممنوعة من التعامل بالدولار، مما تسبب بأزمة سيولة داخل السوق العراقية، وفقًا لتقارير اقتصادية.
كما أن استمرار الوجود العسكري الأمريكي يبقى أحد أوراق الضغط الفاعلة، حيث ترى واشنطن أن الهجمات التي تطال مصالحها من قبل الفصائل قد تُبقي ملف الانسحاب العسكري مؤجلاً إلى حين تحقيق تقدم واضح في ملف السلاح خارج الدولة.
وبينما يربط رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إمكانية نزع سلاح الفصائل بإتمام انسحاب التحالف الدولي بحلول 2026، فإن واشنطن تُلوّح بأن تكرار الاعتداءات سيُبقي هذا الملف رهينة للتوتر.
وتُضاف إلى ذلك أدوات ضغط أخرى مثل العقوبات القطاعية والامتيازات الخاصة باستيراد الطاقة من إيران، حيث سبق لواشنطن أن استخدمت ورقة الإعفاءات، إضافة إلى تأثيرها الكبير في جذب أو تعطيل الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في قطاعات النفط والغاز والكهرباء، وهي مفاتيح أساسية للاقتصاد العراقي الذي يعتمد بشكل شبه كلي على العائدات النفطية والدعم المالي الخارجي.
في المقابل، رفضت قوى سياسية عراقية هذه المواقف. فقد صرّح عضو المكتب السياسي لحركة الصادقون، سعد السعدي، بأن ما يُشاع عن «فيتو أمريكي» ضد القوى المسلحة هو محاولة ابتزاز سياسي تمارسها الإدارة الأمريكية.
وقال السعدي أن فصائل المقاومة، ومنها الصادقون، انخرطت في العملية السياسية بعد أن شكّلت العمود الفقري في مواجهة داعش ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، ولا يمكن اليوم تجاهل دورها أو التشكيك في مشروعيتها السياسية.
السعدي شدد على أن القرار بشأن تشكيل الحكومة سيبقى عراقيًا خالصًا، ولن يخضع لأي تدخل أو إملاءات خارجية، مكررًا رفض الحركة القاطع لأي تصريحات أو شروط تمس سيادة البلاد أو تحاول التأثير على خياراته السياسية.
من جانبه، اعتبر الباحث في الشأن السياسي، مجاشع التميمي، أن الحديث عن فيتو أمريكي لا يعدو كونه أداة ضغط سياسي، ولا يستند إلى قرار معلن أو ثابت.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تسعى لربط الاستقرار العراقي بمعايير الحوكمة واحتكار السلاح بيد الدولة، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية.
كما بيّن أن قوى الإطار التنسيقي باتت تعي ضرورة تحقيق حد أدنى من القبول الدولي لتجنب مزيد من الضغوط والعزلة الاقتصادية، مرجحًا أن تتعامل بعض قيادات الإطار ببراغماتية للحفاظ على توازن النظام السياسي الداخلي وعلاقاته الخارجية.
واختتم التميمي بالإشارة إلى أن مصير هذا الملف سيظل مرهونًا بقدرة العراقيين على إنتاج تسوية داخلية توازن بين القرار الوطني المستقل ومتطلبات الاستقرار والانفتاح الدولي، في ظل واقع إقليمي ودولي بالغ التعقيد.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات