بذور 7 أكتوبر التالي لإسرائيل زرعت هذا الأسبوع – من السعودية، عبر غزة وحتى قرية الجبعة في عصيون. بقيت حكومة الكارثة مخلصة لإرث إخفاقها، وشاهدت القوى الأخرى التي تصمم المنطقة ومستقبلنا: الرئيس ترامب، ولي العهد السعودي، وأمير قطر، و”رعاع التلال” [المستوطنون الإرهابيون].
لكنها ليست بالكارثة التي ستقع صباح غد. هذا الأسبوع، رأينا بداية سياقات تدحر إسرائيل عن المصاف الأول للدول المؤثرة في المنطقة وتصادر منها القدرة على إدارة شؤونها الأمنية بنفسها. حكومة اليمين مليء – مليء خاصتنا، والتي فقدت الحكومة منذ زمن، وتنازلت هذا الأسبوع عن القدرة على إدارة الحرب ضد حماس بنفسها، وتخلت عن التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي على جيراننا، وفقدت مكانتها كحليف أول للولايات المتحدة في المنطقة.
إن بيع F35 للسعودية لا يبشر بنهاية التفوق النوعي. فهذا الأسبوع، لم يكن إلا الإعلان، وبعده مسيرة طويلة من الإقرار في الكونغرس (غير مضمون)، وإقرار في البنتاغون ووزارة الخارجية، وصياغة الاتفاق والدخول إلى الطابور في خط الإنتاج. حتى لو سار كل شيء بسرعة قصوى، فلن تصل الطائرات إلى السعودية قبل العقد القادم. ما يقلق الإعلان عن الصفقة هذا الأسبوع هو أن إسرائيل لم تكن شريكاً في القرار، وحتى الآن، لا مقابل مضموناً لها أيضاً.
لا أدري إذا كان رئيس الوزراء أبلغ بالصفقة مسبقاً وربما حتى أعطى موافقته دون أن يتشاور مع جهاز الأمن أو يطلعه. إذا كان نعم، فلن تكون المرة الأولى. فعندما قرر ترامب بيع طائرات F35 للإمارات كان نتنياهو قد أعطى موافقته سراً.
في حينه، عشية اتفاقات إبراهيم، بعث برئيس هيئة الأمن القومي مئير بن شباط، لإجراء مكالمة هاتفية مفاجئة مع قائد سلاح الجو عميكام نوركين. ودون الكشف عن الاتفاق المتبلور، أنزل بن شبات على نوركين سؤالاً بريئاً لا صلة له بموقف سلاح الجو من بيع F35 في المنطقة. فأجاب نوركين بأن سلاح الجو يعارض ذلك. أما نتنياهو فسمع وتجاهل. في النهاية، ماطلت إدارة ترامب بهذه الصفقة ولم تخرج إلى حيز التنفيذ. الصفقة الحالية مع السعودية أعلنت فيما لا يزال لترامب أكثر من ثلاث سنوات ولاية في البيت الأبيض، ويمكنه أن يتأكد من تحققها.
فتاة هوى ترامب
لم تنجح إسرائيل قط في الحفاظ على حصرية استخدام طائرة قتالية أمريكية في المنطقة. فقبل نحو خمسين سنة كانت إسرائيل الدولة الأولى خارج الولايات المتحدة التي تلقت طائرة F15. بعد بضع سنوات، ورغم احتجاجات إسرائيلية، قررت الولايات المتحدة أن تبيعها للسعودية أيضاً التي تشغل اليوم عدداً أكبر من طائرات F15 بل وأكثر تطوراً من تلك التي لدى سلاح الجو الإسرائيلي. حتى لو أقر كل شيء، فإن الطائرات التي ستحصل عليها السعودية ستكون مختلفة عن تلك التي لدى سلاح الجو. فقد أجرت إسرائيل تكليفات مميزة على طائرات F35 لديها. والتجربة العملياتية الهائلة التي راكمتها “أدير” تضمن ألا تكون F35 السعودية قريبة في قدراتها من F35 الإسرائيلية.
المشكلة أن هذا لن يتوقف عند السعودية. قطر وتركيا، حبيبتا ترامب الجديدتان، ستكونان التاليتين في الطابور. وها نحن في سباق تسلح إقليمي. أضيفوا إلى هذا، المفاعل النووي الذي ستحصل عليه السعودية من الولايات المتحدة. صحيح أن هذا سيكون بلا قدرات تخصيب لليورانيوم على الأرض السعودية، لكنه لن يبقى في نطاق مملكة آل سعود. الدولتان السُنيتان الكبريان، مصر وتركيا، سيصعب عليهما البقاء بغير اكتراث أمام قدرة نووية سعودية. ولا، لا حاجة للسعودية للنووي كي تنتج الطاقة. لا ينقصها مقدرات طاقة أخرى.
كل هذا الخير يتلقاه السعوديون دون أن يتعهدوا باتفاق مع إسرائيل. من الصعب التقليل من أهمية علاقات علنية مع السعودية بالنسبة لإسرائيل. فاتفاق سلام معها سيثبت إسرائيل في المنطقة من جديد، ويحسن مكانتنا السياسية والاقتصادية دراماتيكياً. إسرائيل ترى في السعودية تعد حجر الدومينو الأول؛ إذا ما سقط فسيفتح لنا كل العالم العربي والإسلامي. ليت مثل هذا الاتفاق ينسج سراً من خلف الكواليس، لكن كما بدا الحديث هذا الأسبوع، فإنه لا ترامب ولا محمد بن سلمان يسارعان إلى ضم ضلع ثالث لقصة غرامهما.
وعلى المستوى الشخصي والحاسم، يمكن لاتفاق مع السعودية أن يصلح بعضاً من إرث نتنياهو بصفته رئيس وزراء الكارثة. فأنا على قناعة بأنه يسعى إلى مثل هذا الاتفاق، لكن يصعب أن نرى كيف يمكن ليد واحدة أن توقع على سلام مع السعودية فيما تسمح اليد الثانية ليمنيين القيام بأعمال الشغب ضد الفلسطينيين. مع العصبة التي جمعها حوله كائتلاف، والتي تحظر عليه أن يقول كلمة فلسطينيين، أصبح نتنياهو فتاة هوى ترامب. قد يلتقي بها لكن ليس في احتفال الساحة الجنوبية للبيت الأبيض.
في هذه الأثناء يطأطئ الرأس ويهنئ بالإنكليزية (على أمل ربما ألا يكون شركاؤه الائتلافيون يتكلمون اللغة) بقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة 2803، الذي هو أحد القرارات الأصعب على إسرائيل في تاريخ النزاع مع الفلسطينيين. القرار ينقل لأول مرة في تاريخنا إدارة النزاع إلى أياد دولية. فهو يسمح بمرابطة قوة دولية في قطاع غزة، لن نقرر نحن تشكيلتها، وتتطلع ألا تواصل حماس السيطرة في غزة. لكنها تعد باستمرار تمويلاً متواصلاً لحماس عبر “المساعدات الإنسانية” التي ستتدفق إلى أيديها.
إذا ما استيقظنا بعد سنة لنجد حماس قوية في غزة فيما يمنعنا جنود أتراك وقطريون من العمل ضدها، فسيكون صعباً اتهام المستشارة القانونية بذلك، بل “حكومة اليمين الكامل”.
ألون بن دافيد
معاريف 21/11/2025