ترجمة المدى
أثار صاروخ كروز روسي جديد القلق لدى حلف شمال الأطلسي (ناتو). يتمتع صاروخ «بوريفيستنك» المعروف باسم «بيترل» بمدى يصل إلى 5,500 كم، وبإمكان رأسه الحربي تجهيزُه بأنواع مختلفة من الذخيرة، بضمنها النووية. ويبدو أن الصاروخ الخارق الجديد قد تم الانتهاء من تصنيعه ودخل مرحلة الجهوزية. ويُذكر أن باستطاعة هذا الصاروخ النووي البقاء في الجو لعدة ساعات وتفادي أنظمة الدفاع، مشكّلًا تهديدًا خطيرًا محتمَلًا. ويأتي هذا التحذير كجزء من تقييمات أجرتها تحليلات استخبارية غربية.
لو أصبح بوريفيستنيك جاهزًا للعمل بشكل كامل، فسيُعدّ مشكلة كبيرة لأوروبا. وإذا كانت روسيا بالفعل بصدد نشر هذا النظام، فإن الناتو سيواجه خطرًا جديدًا وشديد الصعوبة في السيطرة عليه، وفقًا لوثيقة سرية للناتو. وتشير الوثيقة إلى أن هذا السلاح الخارق يُعدّ مقلقًا على نحو كبير، مبينةً أنه صاروخ كروز ذو دفعٍ نووي يُدعى «بوريفيستنيك» ويُعرف لدى الناتو باسم «سكاي فول».
الوثيقة صادرة عن إدارة الاستخبارات في الحلف، بحسب صحيفة «دي فيلت» الألمانية، وتَتناول تحديثَ روسيا لترسانتها من الأسلحة النووية الاستراتيجية.
وبحسب الورقة نفسها، يمكن للصاروخ بلوغ سرعات تفوق 900 كيلومتر في الساعة، وهو عالي المناورة، بعيد المدى، ويمكن إطلاقه من منصّات متنقلة. وهذا يسمح له باتخاذ مسارات طويلة وغير مباشرة لتجنب دفاعات الناتو الجوية. ووفقًا للناتو، فإن «التحديات القائمة سوف تتفاقم أكثر بسبب المدى الهائل وقدرة المناورة الكبيرة للصاروخ».
الميزة الأبرز في صاروخ بوريفيستنيك هي مفاعلُه النووي. فخلافًا لصواريخ كروز التقليدية التي تعمل بوقود محدود، يستخدم هذا الصاروخ طاقة نووية تمنحُه نظريًا مدى غير محدود. وبهذا يمكن لبوريفيستنيك الطيران لعشرات الآلاف من الكيلومترات دون إعادة تزوّد بالوقود، مع البقاء في الجو لفترات طويلة وتغيير مساره عدة مرات، مع قدرة على مهاجمة أهداف من أي اتجاه، وتجنّب أنظمة الدفاع الجوي حتى عبر المسارات الجنوبية أو القطبية الضعيفة المراقبة.
لكن بعض الخبراء يشيرون إلى أن الصاروخ لا يبلغ سرعات فرط صوتية، مما يجعله أكثر عرضة للهجوم كلما طالت فترة بقائه في الجو.
اهتمام الناتو أيضًا بصاروخ «أوريشنِك» الجديد
يفحص خبراء الناتو كذلك صاروخًا روسيًا متوسط المدى جديدًا يُسمّى «أوريشنِك»، تم اختباره لأول مرة في أوكرانيا في تشرين الثاني 2024، ولا تتوفر معلومات كافية عن تفاصيله التقنية. وما يثير القلق الغربي بشكل خاص هو مداه الذي يصل إلى 5 آلاف و500 كيلومتر، وإمكانية تزويده برؤوس حربية مختلفة بما فيها النووية.
وجاء في وثيقة الناتو: «إن القدرة على ضرب أهداف في أي مكان في أوروبا، إلى جانب الحركة العالية للمنصة، تضمن معدل بقاء مرتفعًا. كما أن الغموض بشأن طبيعة الرؤوس الحربية المنتشرة يشكّل تحديًا دفاعيًا للناتو». ويُذكر أن بيلاروسيا ستقوم بنشر صاروخ أوريشنِك الروسي متوسط المدى فرط الصوتي في ديسمبر/كانون الأول القادم، والتحضيرات لذلك شارفت على الانتهاء، وفقًا لوكالة «تاس» الروسية، نقلًا عن المتحدثة باسم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
ويقول لوكاشينكو إن النشر جاء ردًا على «تصعيد» من جانب الغرب.
تشير وثيقة الناتو إلى أن غواصات «بوسايدون» الروسية تشكّل أيضًا مصدر قلق، ومن المتوقع أن تكون جاهزة للعمل بحلول عام 2030. وتتميز هذه الغواصات بمدى ضخم للغاية، ومصممة على الأرجح لتدمير القواعد البحرية والموانئ والمدن الساحلية في المحيط الهادئ والساحل الشرقي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، حسب ما جاء في الوثيقة، مشيرةً إلى صعوبة الكشف والهجوم عند عملها في المياه العميقة. ويعترف الناتو بأنه يفتقر إلى طوربيدات مضادة للغواصات ذات السرعة والمدى الكافيين لمواجهة هذه الغواصات. وتشير الوثيقة إلى أن لدى الناتو «نواقص واضحة» في قدرات المدى المتوسط والبعيد، خصوصًا في الأسلحة النووية.
بعض الخبراء يشككون في جدوى صاروخ بوريفيستنيك
لا يتفق جميع الخبراء على أن الصاروخ سيمنح روسيا ميزة كبيرة. ووصف الباحث في مشروع «أوسلو النووي» بجامعة أوسلو، فابيان هوفمان، الصاروخ على منصة «أكس» بأنه «سلاح عديم الفائدة وفائض عن الحاجة».
ويقول مراقبون إن خمسة علماء روس قُتلوا خلال اختبار بوريفيستنيك عام 2019. وقد قُذف عدد من العاملين إلى البحر، وسُجّلت مستويات مرتفعة من الإشعاع لاحقًا في المنطقة. ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان الإشعاع قد تسبب في وفيات.
الولايات المتحدة كانت قد رفضت في خمسينيات القرن الماضي فكرة دمج مفاعل نووي بصاروخ نووي بسبب المخاطر.
ويقول ويليام ألبيرك، الباحث الكبير في منتدى المحيط الهادئ والمدير السابق للحد من التسلح في الناتو، إن الخطر الأكبر يأتي عند الإطلاق، إذ يمكن أنه إذا ضُرب الصاروخ أن تتناثر مواد مشعّة من رأسه النووي على مساحة واسعة، مثل «تشيرنوبيل» صغيرة في السماء.
أما الخبير النووي المستقل، بافيل بودفيغ، فكان أكثر حذرًا، وقال لصحيفة DW الألمانية: «سأكون حذرًا في الادعاء بأن هذا كان تشيرنوبيل طائرة. لو حدث تسرب إشعاعي لكان قد لوحِظ».
وأضاف أن تحطم الصاروخ أثناء الإقلاع أو في الجو سيكون على الأرجح أكثر خطورة.
روسيا هي القوة النووية الأولى في العالم، إذ تملك أكبر مخزون نووي، يتسم بتنوع مكوناته بين الأسلحة النووية الاستراتيجية والأسلحة النووية التكتيكية، الأمر الذي يمنحها إمكانية توظيف هذا السلاح للردع ودعم حملات عسكرية إقليمية محدودة، فضلًا عن التهديد بشن هجمات واسعة عبر منصّات إطلاق استراتيجية بعيدة المدى.
ووفق تقرير لاتحاد العلماء الأميركيين صادر في مايو/أيار 2025، يضم المخزون النووي الإجمالي لروسيا 5,459 رأسًا نوويًا، بما يعادل نحو 44.5% من إجمالي الرؤوس النووية في العالم. وتعمد روسيا إلى الحفاظ على ترسانتها النووية وتوظيفها وسيلة ردع ضد التهديدات النووية والتقليدية، لذلك تواصل تحديث ثالوثها النووي (منصّات برية وبحرية وجوية) بأنظمة جديدة ذات قدرات معززة. ومنذ منتصف العقد الثاني من القرن 21، بدأت موسكو بالكشف عن أسلحة نووية شديدة الفتك، أبرزها طوربيد «بوسيدون» المشهور باسم «سلاح يوم القيامة»، القادر على إغراق مدن بأكملها، بحسب التصريحات الروسية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجيهات بإعداد مقترحات لإجراء تجارب محتملة لأسلحة نووية، بعد توقف دام أكثر من ثلاثة عقود، وذلك ردًا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب استئناف الولايات المتحدة الأميركية تجاربها النووية.
عن صحف ووكالات عالمية