بغداد/ تميم الحسن
أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن الانتخابات جرت في "موعدها الدستوري"، فيما بدا وكأنه ردٌّ على تصريحات مثيرة أطلقها رئيس مجلس القضاء فائق زيدان عشية الاقتراع، تناولَت مسألةَ التوقيت الدستوري للانتخابات.
وفي المقابل، جدّد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بالتزامن مع انطلاق الانتخابات العامة للبرلمان، موقفَه بمقاطعة التصويت، قائلاً إن "المجرَّب لا يُجرَّب". وقد نشر أنصاره مقاطع فيديو تُظهر التزامهم بالبقاء في منازلهم استجابةً لدعوته.
أما زعماء الإطار التنسيقي، فبعد الإدلاء بأصواتهم في مركز خاص للشخصيات داخل المنطقة الخضراء في بغداد، أطلقوا تصريحاتٍ تضمّنت تلميحاتٍ وغمزًا حول الولاية الثانية، وتشكيل الحكومة المقبلة، والدور الأميركي المحتمل في المرحلة القادمة.
وكانت مراكز الاقتراع قد فتحت أبوابها، صباح أمس، عند الساعة السابعة، أمام أكثر من 21.4 مليون ناخبٍ مسجَّل لاختيار أعضاء البرلمان السادس بعد عام 2003.
ومن المتوقع إعلان النتائج الأولية خلال 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، وسط منافسة بين أكثر من 7740 مرشحًا، تشكّل النساء نحو الثلث منهم، فيما خُصص 75 مقعدًا للأفراد فقط من أصل 329 مقعدًا لتمثيل أكثر من 46 مليون نسمة.
وقال السوداني، عقب الإدلاء بصوته في فندق الرشيد المخصّص لكبار المسؤولين داخل المنطقة الخضراء، إن "الحكومة أوفت بالتزاماتها بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري المحدّد"، مضيفًا أن "الحكومة أولت اهتمامًا كبيرًا لتعزيز النظام الانتخابي، ونجحت في تنظيم انتخابات مجالس المحافظات، وانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق".
وجاء تصريح السوداني بعد مفاجأةٍ فجرها رئيسُ مجلس القضاء فائق زيدان عشية الاقتراع، أثارت جدلًا واسعًا وهددت بنسف العملية الانتخابية واحتمال إلغاء النتائج.
وتحدث زيدان، في مقالةٍ نُشرت بصحيفة "الشرق الأوسط" يوم السبت الماضي، إن تحديدَ موعدِ الانتخاباتِ تضمَّن "مخالفةً دستوريةً"، مشيرًا إلى أن الاقتراع كان يُفترض أن يُجرى في 24 تشرين الثاني، وليس يوم أمس، على حدّ قوله.
وأدلى زيدان بصوته بعد السوداني في فندق الرشيد أيضًا، حيث لاقى ظهورُه اهتمامًا واسعًا من وسائل الإعلام بسبب تصريحاته المثيرة، في حين خطف رئيسُ الحكومة الأضواء عندما حضر إلى مركز الاقتراع برفقة والدته التي كانت تجلس على كرسيٍّ متحرّك.
وحتى منتصف النهار كان الإقبال ضعيفًا على مراكز الاقتراع، في حين جدّد مقتدى الصدر دعوته للمقاطعة. وقال الصدر في منشور: "تركتُ مِلَّةَ قومٍ لا يؤمنون بالوطن ولا بالإصلاح، وهم له منكرون"، مضيفًا: "المجرَّب لا يُجرَّب، شلع قلع"، وختم بوسم "مقاطعون للفساد والتبعية".
وفي السياق ذاته، نشر أنصارُ التيارِ الصدريِّ مقاطعَ فيديو وهم يقومون بأعمالٍ بيتيّةٍ من طبخٍ وتنظيفٍ، بعد دعوةِ الصدر، الاثنين الماضي، لجمهوره بالبقاء في المنازل كأحدِ أدواتِ التعبير عن مقاطعةِ الانتخابات.
ونشر صالح محمد العراقي، المقرّب من الصدر، ستّ توصياتٍ للمقاطعين للانتخابات، دعاهم فيها إلى البقاء في المنازل وجعل يومَ الاقتراعِ "يومَ عائلةٍ وعبادةٍ وطاعةٍ"، وعدم عرقلة العملية الديمقراطية، مع الاستعداد لأيّ توجيهٍ، وشكرَ اللهَ على "هدايةِ المقاطعةِ" بعد انتهاء التصويت.
وجاءت التوصيات بعد دعوة الصدر السابقة إلى مقاطعة الانتخابات، قائلاً إن "المقاطعة إصلاح"، ومؤكدًا في رسالة لاحقة أن فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين قاطعا الفساد، منتقدًا من يروّج لشعار "ادفعوا الأفسد بالفاسد".
رسائل فندق الرشيد
في مركز تصويت كبار الشخصيات داخل فندق الرشيد في المنطقة الخضراء، وجّه قادةُ الإطارِ التنسيقيِّ وساسةٌ بارزون جملةً من الرسائلِ السياسيةِ تعكس ملامحَ ما بعد الانتخابات.
وقال نوري المالكي، زعيمُ "ائتلافِ دولةِ القانون"، الذي كان أولَ المصوِّتين في الفندق، إن "العملية السياسية في العراق لا يمكن تشكيلها إلا بالتفاهمات والتوافقات"، في تلميحٍ واضح إلى أن مرحلة ما بعد الاقتراع لن تبتعد عن منطق المحاصصة والتسويات. وأضاف أن الانتخابات جرت "رغم العقبات ومحاولات التأجيل"، محذرًا من أن أيَّ تأجيلٍ كان سيؤدي إلى فقدان العملية السياسية شرعيتَها.
ويُقرأ موقف المالكي على أنه رسالةٌ تمهّد لإعادة تثبيت معادلة "التوافق الشيعي" في اختيار رئيس الحكومة المقبلة، وتأكيدٌ للتسريبات السابقة التي تحدثت عن اعتراض زعيم "دولة القانون" على تجديد الولاية لمحمد شياع السوداني.
أما عمار الحكيم، زعيمُ "تيارِ الحكمة"، فحاول إظهارَ موقفٍ يبدو متمايزًا عن رأي نوري المالكي، إذ قال في رده على سؤالٍ للصحفيين بعد الإدلاء بصوته بشأن ما يُتداول عن "فيتو" الإطار على تجديد ولاية السوداني: "ليس لدينا فيتو على أحد، وندعم أيّ شخصيةٍ مناسبةٍ لرئاسة الوزراء".
وتأتي تصريحات الحكيم امتدادًا لمواقفه المخالفة لتوجهات زعيم "دولة القانون" خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل، سواء في ملف تعديل قانون الانتخابات أو في الخلاف حول هوية رئيس الوزراء المقبل.
من جانبه، شدّد هادي العامري، زعيمُ منظمة بدر، في مؤتمرٍ صحفي من داخل الفندق، على أن "التدخلات والوصاية الأجنبية لم ولن تعود، ونريد أن يكون الشعب العراقي هو صاحب القرار"، في خطابٍ يُفهم منه ردٌّ ضمني على المخاوف من تنامي الدور الأميركي المحتمل في العراق بعد تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.
أما رئيسُ مجلس النواب محمد المشهداني، فأكّد على أن "إجراءَ الانتخاباتِ في موعدِها تجاوزَ التحديَ الأولَ"، متوقعًا مشاركةً أوسع من الدورات السابقة.
وعن الحكومة القادمة، شدّد المشهداني على أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى "حكومةٍ كفوءةٍ تربطُ الأمنَ المستقرَّ بالاقتصادِ المزدهرِ".
إلى ذلك، أكّد فادي الشمري، مستشارُ رئيسِ مجلس الوزراء، أن الإطار التنسيقي اتفق على تشكيل الحكومة الجديدة بسرعةٍ ودون تعطيل، في إشارةٍ توحي بأن السوداني سيكون أحد أبرز أطراف المفاوضات المقبلة.
وقال الشمري، في مؤتمرٍ صحفي، إن الانتخابات جسّدت مبدأ التداول السلمي للسلطة، مشيرًا إلى أن الحكومة أنجزت التزاماتها واختتمت عملها بتنظيم هذا الاستحقاق الديمقراطي.
وأضاف أن "القوى السياسية ستباشر حواراتها فور إعلان النتائج الرسمية، وأن الإطار لن ينتظر طويلًا للمضيّ بتشكيل الحكومة وفق الاستحقاقات الدستورية".