الوثيقة | مشاهدة الموضوع - اتفاق عراقي–تركي يثير الجدل: مشاريع مياه بتمويل نفطي وسط أسوأ موجة جفاف منذ عقدين
تغيير حجم الخط     

اتفاق عراقي–تركي يثير الجدل: مشاريع مياه بتمويل نفطي وسط أسوأ موجة جفاف منذ عقدين

مشاركة » الثلاثاء نوفمبر 04, 2025 12:30 pm

وقّع العراق وتركيا اتفاقاً جديداً لإدارة ملف المياه، يمنح أنقرة إشرافاً واسعاً على مشاريع الري والسدود داخل الأراضي العراقية مقابل تمويل هذه المشاريع من عائدات النفط العراقي المصدَّر إلى تركيا، في وقت حذّر فيه خبراء ومراكز حقوقية من تفاقم الجفاف الذي يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
وكشفت وكالة «رويترز» الدولية، أمس الاثنين عن تفاصيل الاتفاق الذي وُقع في بغداد بين الحكومة العراقية ووزارة الخارجية التركية، مبينة أن الاتفاق يقضي بمنح الشركات التركية حق تنفيذ مشاريع البنى التحتية المائية داخل الأراضي العراقية، على أن تُموَّل من عائدات النفط الذي يبيعه العراق إلى تركيا.
وذكرت الوكالة أن الاتفاق يأتي ضمن مساعٍ لمعالجة أزمة الجفاف وتراجع مناسيب المياه الناتجة عن تقليص الإطلاقات المائية من الجانب التركي خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى أن الشركات التركية ستتولى إنشاء مشاريع مائية وسدود داخل العراق، فيما ستتولى لجنة عراقية مختصة بالبنى التحتية المائية دعوة تلك الشركات لتقديم العروض الخاصة بالمشاريع بشكل حصري.
وأوضحت «رويترز» أن المرحلة الأولى من الاستثمارات ستشمل إنشاء سد جديد لحفظ المياه وثلاث مبادرات لاستصلاح الأراضي الزراعية في مناطق متضررة من الجفاف، مؤكدة أن خريطة الطريق الأولية للاتفاق تم وضعها خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد العام الماضي.
ورعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الأحد (2 تشرين الثاني 2025)، مراسم توقيع الآلية التنفيذية الخاصة باتفاقية التعاون الإطارية بين البلدين في مجال المياه، بين وزير الخارجية فؤاد حسين ونظيره التركي هاكان فيدان.
وقال السوداني، وفق بيان لمكتبه الإعلامي، إن الاتفاق «سيكون أحد الحلول المستدامة لأزمة المياه في العراق، من خلال حزم المشاريع الكبيرة المشتركة التي ستُنفذ في قطاع المياه لمواجهة شحّ الموارد المائية». وأضاف أن «اتفاق آلية التمويل سيعزز العلاقات الثنائية مع تركيا ويسهم في تناميها بمختلف المجالات، وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين».
إلا أن الاتفاق أثار موجة من الانتقادات، إذ وصفه خبراء بأنه صفقة عالية الكلفة على العراق. وقال الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، في منشور على منصة «إكس»، إن «الحكومات العراقية السابقة فوّتت على البلاد فرصة تاريخية لعقد اتفاق رابح مع تركيا بين عامي 2009 و2010 لحل أزمة المياه بكلفة أقل».
وأوضح الهاشمي أن «المفاوضات السابقة تضمنت التزام تركيا بزيادة تدفقات المياه نحو العراق مقابل السماح لشركاتها الزراعية بالعمل في وسط وجنوب البلاد لاستصلاح الأراضي وتحديث أنظمة الري والزراعة»، مشيراً إلى أن هذا الاتفاق كان من شأنه زيادة الإنتاج الزراعي وتشغيل آلاف الشباب وتطوير قطاع المياه، لكنه أُلغي لأسباب سياسية داخلية.
وبيّن أن «الحكومة العراقية الحالية عادت بعد 15 عاماً لتوقيع اتفاقية غير مضمونة وذات كلفة أعلى بكثير، جرى فيها إدخال ملفات التجارة والنفط والديون كثمن إضافي لإقناع الأتراك بزيادة الإطلاقات المائية». وأوضح أن «الاتفاق الجديد يمنح تركيا إشرافاً على الإطلاقات المائية والبنى التحتية (سدود وتوزيع المياه) لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، قبل أن تُعاد إدارتها إلى العراق».
في موازاة ذلك، حذّر المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان من أن العراق يواجه أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من عشرين عاماً، ما يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وأشار في بيان، الأحد، إلى أن «معدلات الأمطار انخفضت بأكثر من 60% عن مستوياتها المعتادة، وتراجعت واردات نهري دجلة والفرات بأكثر من 50% مقارنة بالأعوام السابقة».
وعزا المركز أسباب الأزمة إلى التغيرات المناخية العالمية وسياسات دول المنبع التي قلّصت حصة العراق المائية وضعف البنية التحتية المحلية. وأوضح أن «القطاع الزراعي هو الأكثر تضرراً، إذ تراجعت المساحات المزروعة بأكثر من 70% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما أدى إلى انخفاض إنتاج القمح والشعير بنسبة 60%».
كما سجلت المحافظات الجنوبية نفوق أكثر من 30% من المواشي، وانخفض إنتاج الثروة السمكية بأكثر من 50% نتيجة جفاف الأهوار التي لم يتبقَّ منها سوى أقل من 30% من مساحتها الأصلية، ما تسبب في فقدان أكثر من 15 ألف صياد لمصدر رزقهم.
وذكر المركز أن نحو 130 ألف شخص نزحوا من محافظات الجنوب والوسط خلال العامين الماضيين بسبب الجفاف، محذراً من تحولات ديموغرافية خطيرة وزيادة الضغط على المدن الكبرى. كما بيّن أن «العواصف الترابية ارتفعت إلى 250 يوماً في السنة، ما ضاعف الأمراض التنفسية والتلوث البيئي».
ودعا المركز الحكومة إلى تبني «رؤية وطنية شاملة لإدارة الموارد المائية قائمة على العدالة والاستدامة»، تتضمن تعزيز المفاوضات مع دول الجوار، وتطوير مشاريع تحلية المياه، واعتماد الزراعة الذكية، وتفعيل برامج دعم وتعويض المزارعين ومربي الثروة الحيوانية والسمكية، مؤكداً أن مواجهة القحط تتطلب «تكاتفاً وطنياً شاملاً وجهوداً مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص».
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron