واشنطن- “القدس العربي”: في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل تنفيذ عملياتها العسكرية المدمّرة في قطاع غزة وتمضي في توسيع سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، يظهر أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم تصريحاتها العلنية، لا تزال توفر الغطاء السياسي والدبلوماسي لمشروع الضمّ الإسرائيلي.
فبحسب تحليل للكاتب جوزيف مسعد نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، فإن ما يبدو على السطح خلافًا بين واشنطن وتل أبيب بشأن خطوات الضمّ لا يتجاوز مسألة التوقيت والأسلوب، بينما الهدف الاستراتيجي المشترك بين الطرفين يبقى ثابتًا: توسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وترسيخ الاحتلال.
    مسعد: الخلاف بين واشنطن وتل أبيب بشأن خطوات الضم لا يتجاوز مسألة التوقيت والأسلوب
ويشير مسعد إلى أن إدارة ترامب، التي أعادت في ولايته الأولى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادتها على الجولان السوري المحتل، تلعب اليوم الدور ذاته في تمهيد الطريق لضمّ الضفة الغربية، وإن حاولت تأجيل الإعلان عنه حفاظًا على مصالحها مع الأنظمة العربية الحليفة.
وعود لطمأنة العرب
خلال الأسابيع الماضية، وعد ترامب حلفاءه العرب بأنه لن يسمح لإسرائيل بالمضي قدمًا في الضمّ مقابل دعمهم لوقف إطلاق النار في غزة، الذي بدأ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول. لكن البرلمان الإسرائيلي أقر لاحقًا مشروعين تمهيديين لضمّ الضفة الغربية، ما أظهر هشاشة تلك الوعود.
نائب الرئيس الأمريكي جيه. دي فانس وصف تلك الخطوة الإسرائيلية بأنها “مناورة سياسية غبية”، إلا أن الكاتب يرى أن تصريحات فانس لا تعبّر عن رفض حقيقي، بل عن تحفظ مؤقت على التوقيت فقط.
أما وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، فانتقد تصويت الكنيست قائلًا: “لا يمكننا دعم هذا الآن”، في إشارة واضحة إلى أن الدعم الأمريكي قد يأتي في وقت لاحق “أنسب سياسيًا”.
وفي مقابلة مع مجلة تايم، كرر ترامب المعنى نفسه بقوله: “لن يحدث الضمّ الآن… أعطيت كلمتي للدول العربية”، مؤكدًا أن الخلاف مع إسرائيل “مرتبط بالتوقيت لا بالمبدأ”.
مشروع الضمّ في صلب “صفقة القرن”
يذكّر مسعد بأن خطة ترامب السابقة المسمّاة “السلام مقابل الازدهار”، التي صاغها صهره جاريد كوشنر، تضمّنت نصًّا صريحًا يجيز لإسرائيل ضمّ 30% من الضفة الغربية.
وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها عزمه على ضمّ غور الأردن والمستوطنات فورًا، مع وعد بتجميد محدود لبناء مستوطنات جديدة في مناطق أخرى لأربع سنوات فقط.
السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان أكد آنذاك أن واشنطن منحت الضوء الأخضر للضمّ الفوري، قائلًا إن “إسرائيل لا تحتاج إلى الانتظار وسنعترف بذلك فورًا”، بينما وصف ترامب نفسه تلك الخطوة بأنها “مبررة لأن إسرائيل دولة صغيرة المساحة”.
العرب يتظاهرون بالرفض
ويرى مسعد أن الأنظمة العربية لا تصدّق وعود ترامب فعليًا، لكنها تسايره من باب الحفاظ على صورتها الداخلية، مشيرًا إلى أن هذه الأنظمة اعترفت عمليًا أو قانونيًا بمراحل سابقة من التوسع الإسرائيلي منذ عام 1948، من خلال اتفاقات السلام والتطبيع.
    مسعد: الأنظمة العربية لا تصدّق وعود ترامب فعليًا، لكنها تسايره من باب الحفاظ على صورتها الداخلية
ويضيف أن “إسرائيل تتعامل اليوم مع الضفة الغربية كأمر واقع، مثلما فعلت في القدس والجولان”، مشيرًا إلى أن نتنياهو أعلن مؤخرًا أنه في “مهمة تاريخية وروحية” لتحقيق رؤية “إسرائيل الكبرى”، التي تمتد – وفق خطابه – لتشمل الأردن وأجزاء من سوريا ولبنان ومصر والعراق.
شرعنة دولية متكررة
ويستعرض المقال التاريخ الطويل لاعتراف القوى الدولية بعمليات الضمّ الإسرائيلية منذ عام 1948، حينما اعترف مجلس الأمن وبريطانيا بحدود إسرائيل الموسعة رغم مخالفتها لخطة التقسيم الأممية.
ويشير إلى أن القبول الدولي الضمني بالضمّ استمر لعقود، وتجلّى في زيارات رسمية إلى القدس الغربية من قادة عرب، مثل الرئيس المصري الراحل أنور السادات والملك الأردني الراحل حسين بن طلال.
إرث من الغزو والاحتلال
يؤكد مسعد أن أطماع إسرائيل في التوسع ليست ظاهرة جديدة، بل هي جزء من عقيدتها السياسية منذ تأسيسها. ويستشهد بتصريحات ديفيد بن غوريون عقب غزو سيناء وغزة عام 1956، حين وصف ذلك الغزو بأنه “أعظم انتصارات الشعب اليهودي”، مشيدًا بـ”استعادة إرث الملك سليمان من تيران إلى لبنان”.
ويضيف أن إسرائيل أعادت احتلال الأراضي ذاتها عام 1967، ثم ضمّت الجولان رسميًا في 1981. واليوم، بحسب التقرير، تشهد الحدود السورية واللبنانية محاولات استيطان جديدة بغطاء أمني وديني، من خلال إنشاء مستوطنة “نفي حباشان” في الأراضي السورية قرب جبل الشيخ.
الضمّ يتواصل بدعم دولي
يخلص الكاتب إلى أن الضمّ الإسرائيلي لم يتوقف يومًا، بل أخذ أشكالًا متعددة، مثل بناء جدار الفصل العنصري داخل الضفة عام 2002 الذي ضمّ فعليًا نحو 10% من أراضيها، أو خطة ترامب لعام 2020 التي منحت إسرائيل الضوء الأخضر لضمّ غور الأردن.
ويشير إلى أن القبول الأمريكي والأوروبي، وأحيانًا العربي، لهذه الخطوات لا يختلف عن دعمهم لخطة غزة الأخيرة، التي تسمح لإسرائيل بالسيطرة الدائمة على أكثر من نصف مساحة القطاع.
وفي ختام مقاله، يحذّر جوزيف مسعد من أن المجتمع الدولي سيتظاهر مجددًا بالدهشة عند مقاومة الفلسطينيين لهذه السياسات، بينما يشارك فعليًا في استمرار الاحتلال والإبادة. ويؤكد أن الأنظمة العربية، باستثناء الأردن لأسباب أمنية، ستكون في طليعة المشرّعين للضمّ القادم، “تحت لافتة الدفاع عن حق إسرائيل في حماية نفسها”.
			
		 
 
 

