بغداد/ تميم الحسن
مرّت أكثر من 48 ساعة على هجمات “المفاعلات الإيرانية”، ولم ترد طهران على الولايات المتحدة، كما لم تتحرك “الفصائل” العراقية مثلما كانت تتوعّد.
وأمس، حذّر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، من التصعيد في المنطقة، وأدان خرق الأجواء العراقية.
وجاء ذلك خلال مباحثات هاتفية مع رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين، تناولت بحث آخر تطوّرات الأوضاع الإقليمية والدولية، بحسب بيان لمكتب السوداني.
وأشار السوداني، بحسب البيان، إلى “رفض العراق الواضح للعدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتصعيد الخطير المتمثل بالقصف الأمريكي للمنشآت النووية، بالإضافة إلى استنكار العراق لخرق أجوائه من قبل الطائرات الأمريكية والصهيونية”.
من جانبه، شدد بوتين خلال الاتصال على “أهمية إنهاء التصعيد، مؤكدًا لرئيس الوزراء قيامه بجهود خاصة في هذا الإطار”، مشيدًا في ذات الوقت “بجهود الحكومة العراقية التي تعمل على عدم اتساع الحرب، وعبّر عن رفضه للمساس بأجواء العراق وسيادته”.
وكانت بغداد قد أدانت استهداف المنشآت النووية الإيرانية بهجوم أمريكي فجر الأحد الماضي، ودعت إلى “التهدئة”.
وهددت طهران بإغلاق مضيق هرمز ردًا على الهجمات الأمريكية، واعتبرت كل مواطن يحمل الجنسية الأمريكية والمصالح الأمريكية هدفًا مشروعًا.
ووسط ذلك، كانت الأنظار في العراق تتجه صوب “الفصائل” التي تُطلق على نفسها “المقاومة العراقية”، بانتظار الرد كما توعّدت سابقًا، لكنها صامتة حتى الآن.
تأجيل الصدام
ووفق معلومات، فإن ما يُعرف بـ”غرفة عمليات المقاومة” في العراق لم تعلن حتى الآن “ساعة الصفر”.
وكان مقرّبون من تلك الفصائل قد أعلنوا قبل أسبوع، أن “غرفة العمليات” رسمت خطة الرد في حال تدخلت الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران.
وبحسب المعلومات، فإن “الفصائل ترى أن الضربة الأمريكية ليست تدخلًا مباشرًا في الحرب، وأنها سترد إذا أعلنت واشنطن رسميًا الوقوف مع إسرائيل”.
وحتى الآن، لم يعلن أي من “جماعات المقاومة” بشكل رسمي موقفه من الضربة الأمريكية الأخيرة على المفاعلات الثلاثة.
“إيران لا تحتاجنا”
لكن، بحسب عضو في المكتب السياسي لحركة عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، فإن طهران ليست بحاجة الآن إلى الدعم العسكري من “الفصائل”.
ويقول فلاح الجزائري، عضو الحركة، في مقابلة تلفزيونية ردًا على عدم تحرك الجماعات المسلحة في العراق، إن “إيران ليست بحاجة إلى فصائل المقاومة الآن، لأن الحرب تكنولوجية”.
ويؤكد الجزائري أن الفصائل لا تريد الانجرار وراء إسرائيل، “فهي تريد حربًا شاملة بمشاركة الجميع”، مشددًا في الوقت نفسه على أن “الفصائل مستعدة وتنتظر إشارة المرشد الإيراني”.
وكانت “العصائب” قد هددت في وقت سابق، الولايات المتحدة الأمريكية من المشاركة في أي “عدوان” إلى جانب إسرائيل ضد إيران، أو استهداف المرشد الأعلى علي خامنئي.
بانتظار المرشد
في المقابل، قال قيادي في حركة “النجباء” إن رد “الفصائل” على إيران يحتاج إلى “حسابات دقيقة وليست عاطفية”.
وقال القيادي في الحركة، مهدي الكعبي، إن “الضغط الكبير على الجمهورية الإسلامية وحلفائها من الغول الأميركي لا يعني أن نستسلم، فنحن حلفاء لإيران سابقًا ولاحقًا وسنبقى”.
وعن تحرك الفصائل، قال الكعبي في لقاء تلفزيوني، إنه “يجب أن تكون الحسابات دقيقة وغير عاطفية، لأن الحفاظ على الجمهورية الإسلامية واجب شرعي، وهناك مصالح عليا للعراق يجب الحفاظ عليها”.
وكشف الكعبي أن الرد على أمريكا “يعود إلى القيادة الإيرانية، سواءً كان في عين الأسد أو حرير أو قواعد الأردن والخليج، فكلها في مرمى الصواريخ الإيرانية، والأميركان يشعرون بالخوف داخل الكونغرس، ويقولون إن ثمة 40 ألف أسير أمريكي تحت رحمة نيران الإيرانيين”.
وبدأت واشنطن، يوم الأحد الماضي، إجلاء عدد إضافي من موظفيها في العراق، عقب الهجوم على “المفاعلات الثلاثة”.
وقال متحدث باسم السفارة الأمريكية في تصريحات صحفية، إن “موظفين إضافيين غادروا العراق، على أثر تصاعد التوترات الإقليمية”.
وأضاف أن وزارة الخارجية الأمريكية تُواصل مراقبة الوضع الأمني في العراق، مؤكدًا أن السفارة الأمريكية والقنصلية العامة مفتوحتان وتعملان كالمعتاد.
وتوقّع مراقبون وتقارير صحفية غربية، أن تهاجم إيران القواعد العسكرية في العراق والخليج، ردًا على الضربة الأمريكية الأخيرة.
فرصة للدبلوماسية
من جهته، يرى إحسان الشمري، أستاذ السياسات الإستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، أن إيران لا تزال تنتظر “الحلول الدبلوماسية”، وأن “حسابات سياسية” تقف وراء تأخر “الفصائل” عن الرد.
ويقول الشمري: “أتوقع عدم الرد الإيراني على أمريكا، لأنها ما زالت تعوّل على هامش من الدبلوماسية تقوده الترويكا الأوروبية والثلاثي الخليجي (السعودية، قطر، عُمان)، في أن يتم التوصل إلى تسوية أو صفقة يمكن من خلالها ألا تخسر إيران نظامها السياسي، وأن تحافظ -على أقل تقدير- على جزء من عناصر القوة”.
وأضاف: “إذا ما وصلت إيران إلى تسوية مع أمريكا في الملفات المتبقية، على اعتبار أن الملف النووي الإيراني تم تحييده، يمكن لإسرائيل، وهي حليفة واشنطن، أن تنهي حالة الحرب الحالية”.
وأمس، تساءل دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، عن إمكانية تغيير النظام في إيران بعد هجمات المفاعلات الأخيرة.
وقال ترامب في منشور له على منصته (تروث سوشيال): “إن لم يكن النظام الإيراني الحالي قادرًا على جعل إيران عظيمة مرة أخرى، فلم لا يكون هناك تغيير للنظام؟”.
استفزاز أمريكا
من جانب آخر، يقول الشمري، وهو يرأس أيضًا مركز التفكير السياسي، إن “ما يدفع الفصائل العراقية إلى عدم التحرك ضد الولايات المتحدة هو الخوف من استفزاز أمريكا، لأنه سيؤدي إلى ضربة مدمّرة لإيران، وفق أهداف موضوعة مسبقًا من جانب واشنطن”.
كذلك يرى رئيس المركز أن هذه الفصائل، فيما يبدو، بدأت تنظر إلى هذه الحرب بـ”حسابات سياسية أكثر مما هي حسابات ميدانية وعقائدية”، لأنها تدرك أن الانخراط في مواجهة أو استهداف لأمريكا سيكلفها ثقلها السياسي وخسارة المعادلة السياسية بالكامل.
ولذلك، وبحسب الشمري، بدأت الفصائل تنظر إلى الاستهداف الأمريكي على أنه “أشبه بالانتحار أو الذهاب إلى مواجهة مصيرية، ليس فقط على مستوى الميدان، وإنما على مستوى الثقل والوجود السياسي”.
ويُفترض أن هذه “الفصائل”، والتي يُشار دائمًا إلى أن عددها بين 3 أو 4 جماعات مسلحة، منخرطة في اتفاق “تهدئة” منذ أكثر من 7 أشهر، فيما أعلنت الحكومة، قبل أشهر، عن حوارات سياسية مع تلك الفصائل لم تُعلن نتائجها حتى الآن.
ويقول الشمري: “تحرك الفصائل ليس مرتبطًا بالحكومة، وإنما بالحاكمية الشيعية السياسية التي يمثلها الإطار التنسيقي، والإطار الآن توصل إلى اتفاق بضرورة ألا تنخرط الفصائل في الرد الإيراني على إسرائيل أو أمريكا، لأن في ذلك نهاية لمعادلتهم السياسية”.
وتابع: “الحكومة، بما لا يقبل الشك، هي ضمن البيئة السياسية للإطار التنسيقي، وتدرك حجم المخاطر التي قد تحدثها مشاركة هذه الفصائل، وتداعياتها على الوضع السياسي والأمني وحتى الاقتصادي، ولهذا انخرطت في حوارات، لكن أتصور أن القرار يعود للإطار بالتحديد”.
“السيناريوهات الحرجة”
ورغم ذلك، يتحدث الشمري عن سيناريوهات أخرى يمكن أن تدخل فيها الفصائل الحرب، ويقول: “إذا ما تصاعدت هذه الحرب، ووصل الأمر إلى التخطيط لاستهداف الرموز الدينية المتمثلة بالمرشد الإيراني، وإسقاط النظام الإيراني، عند ذلك أتصور أن الفصائل ستنخرط في هذه الحرب. هذه هي اللحظة الحرجة، ولذلك سيكون العراق أمام لحظة مفصلية ولحظة تحول كبير”.
كذلك يتوقع الباحث في الشأن السياسي أن “قرارًا أحاديًا من أحد الفصائل المسلحة باستهداف الوجود الأمريكي – على اعتبار أنهم أصدروا بيانات أشاروا فيها إلى أنهم سينخرطون في هذه الحرب إذا اشتركت أمريكا – فإن هذا القرار الانفرادي يمثل حالة حرجة ونهاية الاتفاق الهش بين الفصائل والإطار”.
وأمر آخر أشار إليه الشمري ضمن “السيناريوهات الحرجة”، هو أن “إسرائيل قد تذهب إلى استهداف الفصائل، رغم أنها الآن لا تتحرك، لكن السردية الإسرائيلية لا تزال تضع العراق ضمن دوائر الاستهداف لأذرع إيران، وستكون لذلك تداعيات”.