الناصرة- “القدس العربي”: رغم تراجع عدد الصواريخ الإيرانية في اليوم الأخير، ما زال ميزان الرعب المتبادل بين إسرائيل وإيران قائماً، وميزان القوى بينهما غير مستقر، وما زال السؤال الأهم: هل تمتلك إيران الصواريخ الكافية، كماً وكيفاً، من أجل ردع رئيس الحكومة الإسرائيلي عن مواصلة الحرب الخطيرة، طمعاً بغايات بعضها صعب المنال؟ فيما قال نتنياهو إن إسرائيل تتجه لـ “النصر المطلق”، وأضاف هدفاً ثالثاً لهدفيها المعلنين: انتزاع المشروع النووي ومشروع الصواريخ الباليستية من يد إيران، والقضاء على محور المقاومة. يواصل مراقبون إسرائيليون التحذير من مخاطر الطمع بتحقيق أهداف عالية غير ممكنة، تؤدي إلى حرب استنزاف خطيرة، ومن دون حيازة خطة للخروج، واستكمال الجهد العسكري باتفاق سياسي.
شيلي يحيموفيتش: شعارات “شعب الأسود” ومدائح المناعة والحصانة الإسرائيلية لا تساعد في النوم بشكل أفضل
تحت عنوان “بعيدون عن الهدف”، يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم الثلاثاء، إنه حتى بعد أربعة أيام من الحرب، تخللتها أضرار فادحة في إيران، مع دمار غير قليل في تل أبيب الكبرى، فإنه ما زال غير ممكن الإعلان أن أهدافها المعلنة أو غير المعلنة تماماً قد تحققت. ويرى هارئيل أن التفجيرات والاغتيالات يُفترض أن تهيئ الأرضية لتدخّل ترامب، على أمل أن يفرض تسوية صارمة أكثر على طهران، لكن موقف واشنطن ما زال ضبابياً، إلى جانب عدم وضوح حول سيناريوهات الإنهاء.
ويضيف: “حالياً، يبدو أن إسرائيل ما زالت تحاول إسقاط النظام، وهذا هدف عالٍ جداً، ومن المشكوك به أنه قابل للتحقيق”، متسائلاً للمرة الثانية: هل وضعت غاية واقعية للحرب على إيران، أم أنها مجرد أمنيات؟
ويذهب زميله في الصحيفة، محرر الشؤون الشرق أوسطية، تسفي بار إيل، إلى حدّ التحذير من تبعات سقوط النظام، بالقول إن نتنياهو ليس وحده الحالم بسقوط النظام، إذ هناك أوساط في إيران أيضاً تشاركه الحلم، بعضها لا يريد ديمقراطية. ويتابع: “لذلك، حتى لو سقط علي خامنئي، فهذا لا يعني إسقاط بقية منظومات الحكم، وربما سيولّد هذا حالة احتراب تفضي إلى نظام أشد اضطهاداً”.
خطر الإجماع المطلق
وتحذّر عضو الكنيست سابقاً، الصحافية المعلّقة شيلي يحيموفيتش، من ثقافة القطيع الإسرائيلية خلال الأزمات. فتقول، ضمن مقال بعنوان “خطر الإجماع المطلق”، نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، إنه بعد حالة النشوة الغامرة يأتي عادة الثمن الباهظ. وتتساءل يحيموفيتش: كيف يمكن ألا يبادر سياسي إسرائيلي واحد لتحدي قرار الحرب على إيران والتحفظ منه، رغم المعرفة التامة بأن إيران قادرة على توجيه ضربات مدمّرة؟ وفي نقدها لغياب الحلول السلمية في الأجندة الإسرائيلية، تقول أيضاً إن شعارات “شعب الأسود” ومدائح المناعة والحصانة الإسرائيلية لا تساعد في النوم بشكل أفضل في الليالي.
في المقابل، يرى زميلها، المعلّق السياسي في “يديعوت أحرونوت”، بن درور يميني، في مقال بعنوان “قانوني وأخلاقي”، أن الحرب على إيران مباركة وحيوية، داعياً إلى اغتيال مرشدها الروحي وقائدها الأعلى علي خامنئي، في حال أصرّ على التمسك بالمشروع النووي، معتبراً الاغتيال “قانونياً وأخلاقياً”. وهذا ما يراه عددٌ كبير من المعلّقين والمراقبين، ما يعكس اختلافات في الرأي حيال الحرب، أهدافها وخاتمتها.
حرب استنزاف
يعتبر القائد السابق لغرفة العمليات في جيش الاحتلال، الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، أن الهجوم على البرنامج النووي الإيراني مصلحة أمنية وطنية مشروعة، ويقول إن التوقيت كان حاسماً لأن إيران اقتربت من “قنبلة موقوتة”، أي أنها فعلياً اتّخذت قراراً بشأن الإسراع في تصنيع قنبلة نووية، على خلفية تدهور وضعها وسقوط مظلات الحماية من حولها، الأمر الذي دفعها إلى التمسك بالحماية الحقيقية التي تمثلها القنبلة، أو أن المراوغة في المفاوضات مع الولايات المتحدة سمحت لها بالمحافظة على قدرة نووية عند العتبة، في وقت بدا كأن واشنطن غير قادرة على دفعها إلى تسوية مُرضية.
ويقول زيف، في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية، إنه لا شك في أن عنصر المفاجأة في الدقائق الأولى من العملية كان مفتاح نجاحها، ففي تلك اللحظات حُسمت نتيجة الهجوم بدرجة كبيرة، مع تصفية القيادة العسكرية، ولا سيما في صفوف “الحرس الثوري”، فضلاً عن اغتيال 13 من علماء الذرة، وهم مركز المعرفة الحيوية في هذا المجال. كما يقول إنه، إلى جانب الإنجازات، يدفع المواطنون الإسرائيليون ثمناً باهظاً؛ هرولة إلى الملاجئ، وقتلى، وجرحى، ودماراً واسعاً. وإلى جانب مواصلة الضربات وتعميق الإنجاز، فإن قدرة إسرائيل على الصمود محدودة، وإيران ليست منظمة “إرهابية”، بل دولة كبيرة.
زيف: لا شك في أن عنصر المفاجأة في الدقائق الأولى من العملية كان مفتاح نجاحها، ففي تلك اللحظات حُسمت نتيجة الهجوم بدرجة كبيرة
وينضم زيف إلى المراقبين المحذّرين من فقدان رؤية للخروج: “على إسرائيل أن تقرر الآن ما هو الهدف من هذا “النجاح”، والأهم ما هي الإستراتيجية المثلى للخروج. عليها أن تدرك، منذ الآن، أن بعد بلوغ العملية القمة، لا يكون أمامها سوى الهبوط، وإذا وجدت إسرائيل نفسها في حرب استنزاف طويلة أمام إيران، فإن الإنجاز الكبير سيتحوّل إلى تآكل، وربما حتى إلى خسارة”.
مفتاح الحفاظ على الإنجازات في إيران
ويمضي في تحذيراته بالقول إن مفتاح مواصلة المعركة في إيران هو الولايات المتحدة. فالإنجازات كلها التي تحققت ضد البرنامج النووي الإيراني من خلال الهجوم، وبافتراض أن هناك هجمات أخرى ستعمّق الضرر، هي إنجازات محدودة زمنياً. ويتابع: “أكثر من ذلك؛ إن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي جيد، فإن إيران ستضاعف جهودها، وربما تضاعفها ثلاث مرات، وستصل إلى امتلاك سلاح نووي في وقت أقرب مما توقّعه الجميع.
هناك سبيل واحد فقط لضمان الحفاظ على هذا الإنجاز: التوصل إلى تنسيق محكم مع الولايات المتحدة. من الآن فصاعداً، يجب ألّا تحدد التصريحات المتعجرفة والتهديدات التي يطلقها وزير الدفاع يسرائيل كاتس مسار العمل، بل يجب أن يكون هناك تناغم كامل مع القيادة الأمريكية من أجل التوصل إلى اتفاق”.
إستراتيجية خروج
ويرى هو الآخر أن إسرائيل لا تملك أي إستراتيجية خروج سوى عبر الولايات المتحدة. والآن، تكمن الحكمة الأمريكية في توجيه الاتفاق بطريقة تعظّم نتائج الهجوم الإسرائيلي، بل قد تفضي إلى اتفاق أفضل مما طُرح سابقاً.
ويخلص زيف إلى القول إن على إسرائيل أن تتعلم من حرب لبنان الثانية، ويؤكد أن حرب صواريخ طويلة ضدها ستشكّل السردية الإدراكية المركزية لنجاح أو فشل المواجهة مع إيران، لأن ما يراه كل مواطن ويشعر به هو الدمار هنا، والضحايا في صفوفنا. وإذا استمر الوضع في فرض حصار جوي على الدولة، وتوقّف اقتصادي شامل، فلن يكون لأي تبرير وزن، أو قبول لدى الجمهور.
ويضيف: “لا تستطيع إسرائيل، ولا يناسبها، الدخول في حرب استنزاف طويلة. إن اتخاذ قرار بشأن مهاجمة إيران هو قرار شجاع، لكن اتخاذ قرار بشأن إنهاء الحرب بشكل صحيح هو قرار أشجع وأكثر توازناً”.