عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
حتّى الآن، سحبت السلطات الكويتية أو أسقطت الجنسية عن عشرات الآلاف من الأشخاص، لأسباب مُختلفة، حيث بدأت حملة “جدلية” غير مسبوقة، قبل أكثر من عام، وتُدرج السلطات أسباب السّحب أكثرها بالحُصول عليها بطريق التبعية، أو من قدّموا “أعمالًا جليلة” للبلاد، أو تحت عناوين التزوير.
اللّافت أنّ الكويت بقرارها إسقاط الجنسية، لم تُميّز بين مشاهير، ومواطنين عاديين، وعصفت بقرارها هذا بالجميع، في سياسة يقول مُنتقدون إنها لم تراع القانون الدولي، ونقلت البلاد إلى اتّجاه سلطوي، بعد أن كانت الدولة الخليجية الأكثر ديمقراطية.
ad
وأعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن “قلق بالغ” بشأن عمليات سحب الجنسية بشكل جماعي التي تشهدها دولة الكويت منذ أشهر، معتبرة ذلك “إجراءً تعسّفيًا”.
ad
وفي عهد الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، بغُضون ستّة أشهر فقط جُرّد حوالي 42 ألف كويتي من جنسيتهم، ويتولّى الأمير مشعل السّلطة مُنذ نهاية العام 2023، وهو الذي رفع شعار رفضه للديمقراطية التي تسمح بتدمير الدولة، إلى جانب قراره تعليق عمل البرلمان في 10 يونيو/حزيران 2024، ومراجعة الدستور لوضع حد لسلسلة التعطيل التي بنظره، تشل البلد لعقود.
ولم تسلم زوجات الكويتيين من هذه الإجراءات، فبعد أن أصبحن كويتيات، وجدن أنفسهن اليوم بدون جنسية ولم يعد لديهن الحق في الوصول إلى الرعاية الطبية المجانية في المستشفيات، وفي تسجيل أطفالهن في المدارس الرسمية.
وتستخدم السلطات الكويتية خطابًا حادًّا في سياق تبريرها أو تفسيرها لإسقاط الجنسيات، حيث سبق وأن قال وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد اليوسف لقناة الرأي الكويتية في آذار/مارس: “الكويت كانت مُختطفة من قبل جنسيات مختلفة لن أذكرها، لكن كانت هناك جنسيات دخيلة على مجتمع الكويت، في حياتها الاجتماعية، في لغتها وفي طبعها، وهذا أدّى إلى خلط في الأنساب، ومُستمر منذ 40 أو 50 سنة”.
ويبدو أن السلطات الكويتية أرادت تسليط الأضواء أكثر على حملة إسقاطها الجنسية، فقرّرت سحب الجنسية أخيرًا من الإعلامي “الكويتي” شعيب راشد، ولافت أنه جرى اتهام والده بالحُصول عليها بالتزوير.
وأقر شعيب عبر حسابه في “إكس” أن قرار سحب جنسيته صحيح، وقال إن القرار صدر بحق والده، وبالتالي سُحبت منه الجنسية بالتبعية.
وذكر شعيب راشد أن والده حصل على الجنسية في العام 1968، بعد قدومه من العراق، قائلا “أبي حصل عليها في عام 1968 (عمره 27) بعد أن ادعى أنه ابن صديقه الكويتي سالم الهاجري (رحمة الله عليه)، وفي الحقيقة أبي شمّري أتى إلى الكويت قادمًا من العراق حيث ترجع أصولنا”.
ودافع شعيب عن والده بالقول أن أمر تسجيل والده لاسم غير اسمه بهدف الحصول على الجنسية لم يكن سرًّا، مضيفا أنه عندما تم تقديم شكوى بحقه عام 1971، قررت القيادة السياسية حينها إغلاق هذا الملف.
وذكّر شعيب أن أمير البلاد السابق الشيخ سعد العبد الله الصباح، قال حينها (كان وزيرا للداخلية ووزيرا للدفاع): “كلهم كويتيين”.
وانتقد الإعلامي “الكويتي سابقًا” الطريقة التي عولج بها ملف سحب الجنسيات قائلًا: “كان بالإمكان حل هذا الملف بطلب تصحيح الأسماء كما فعلت معظم دول الخليج، دون الحاجة لسحب الجنسية الذي يؤدي لسحب البيوت والممتلكات والحجز على حساباتك البنكية وطرد الموظفين من وظائفهم وفصل أبنائك من المدارس، واضطرار بعضنا إلى الهجرة واللجوء”.
وإلى جانب انتقاده، أكّد شعيب امتنانه للكويت، قائلًا: “لا ننكر فضل الكويت علينا، ومن ينكره جاحد، ويكفيني منها سقف حريتها في بداياتي الإعلامية الذي كان كفيلاً بأن يُساهم بعد الله بنجاحي”.
وختم الإعلامي شعيب راشد رسالته بحزن وتأثّر: “صحيح نُزعت مني جنسيتي، ويا ليت لو نُزعت معها ذكرياتي، لكن للأسف هذا لن يحدث… تبقى ذكريات الطفولة في (الفردوس) والغزو وأيام الجوع، ومراهقة مدرسة المباركية، وانتخابات جامعة الكويت، وأول وظيفة في (جريدة الجريدة) وأول شركة (أوو ميديا) وزواجي وولادة ابني عبدالعزيز كلها مختومة ومطبوعة على أرض الكويت.. وطني”.
ويبدو أن سحب الجنسية الكويتية من أمثال شعيب، وغيره من الفنانين، والإعلاميين، لن يخضع للمُراجعة من قبل السلطات الكويتية، حيث علّق وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد اليوسف قائلًا: “ماذا قدّموا للكويت؟”، لافتًا إلى أن مُعظمهم لديهم جنسيات أخرى، وهو ما يخالف الدستور الكويتي الذي يمنع ازدواجية الجنسية.
وتنشر الحكومة الكويتية كُل أسبوع ومُنذ عدّة أشهر، قائمة بأسماء الأشخاص الذين سُحبت منهم الجنسية، حيث يقوم الكويتيون وبترقّب مُطالعتها بحثًا عن أسمائهم، أصدقائهم أو أفراد عائلتهم.
وتُشجّع السلطات الكويتية شعبها على دعم حملتها، فأنشأت الحكومة “خطًّا ساخنًا” للإبلاغ عن الأشخاص الذين حصلوا على جوازاتهم بطُرُق الاحتيال.
وخسر آخرون جنسيّتهم بعدما حصلوا عليها نظرًا للخدمات التي قدّموها للبلد، ومنهم الممثل المعروف داوود حسين ونوال الكويتية، مع أن اسمها يحمل اسم الكويت.
ومن غير المُرجّح أن يلقى قرار السلطات بسحب الجنسيات مُقاومة سياسية تُذكر في ظل تعطيل عمل مجلس الأمّة في البلاد، فيما تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” قال إنّ “التحرّك (سحب الجنسيات) هو آخر خطوة في التراجع الذي تشهده الكويت، التي كانت تزعم أنها الدولة الوحيدة التي تتمتّع بمظهر من مظاهر الديمقراطية في منطقة الخليج التي تحكمها أنظمة ملكية مُطلقة”!