الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هل أصبحت الحرب الأمريكية – الإسرائيلية الجديدة ضد إيران وشيكة؟ الدكتور جلال جراغي
تغيير حجم الخط     

هل أصبحت الحرب الأمريكية – الإسرائيلية الجديدة ضد إيران وشيكة؟ الدكتور جلال جراغي

مشاركة » الاثنين ديسمبر 22, 2025 10:40 am

لا شكّ أن كلّ زيارة يقوم بها بنيامين نتنياهو إلى واشنطن تخلّف كارثة ما في المنطقة، بسبب الاعتداءات التي ينفّذها الكيان الإسرائيلي في ظلّ التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة، ولا سيّما في هذه المرحلة التي يبدو فيها أنّ نتنياهو يبتزّ دونالد ترامب بملفّ فضيحة إبستین التي يُتَّهَم ترامب بالتورّط فيها. من هنا، تبدو المنطقة أمام احتمال عدوان جديد، سواء في لبنان أو اليمن أو إيران، لأن هذا الرجل لا يستطيع الاستمرار في السلطة من دون حرب، إذ إنّ بقاءه السياسي مرهون بإشعال المواجهات.
أفادت شبكة «إن بي سی نیوز» بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتزم زيارة واشنطن خلال الايام القليلة القادمة، وسيحاول إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقيام بعمل عاجل ضدّ الصواريخ الباليستية الإيرانية. نتنياهو الذي أرهقه «الكابوس النووي» الإيراني يحاول اليوم اختراع ذريعة جديدة لإشعال حرب أخرى ضدّ إيران، والسعي لنقل اهتمام الرأي العام الدولي والأمريكي من الملف النووي الإيراني إلى ملفّ الصواريخ، في إطار سياسة جديدة لا تقوم على اعتبارات الأمن بقدر ما تقوم على الحاجة إلى حالة مواجهة دائمة.


حتى الآن لم ينجح نتنياهو في تحقيق إنجاز ملموس على الساحة، لذلك يحاول استعادة الدعم الأمريكي لإبقاء حالة الحرب والمواجهة مشتعلة، لأن استمرار الحرب بالنسبة للحكومة الإسرائيلية الحالية ليس خياراً استراتيجياً فحسب، بل ضرورة ملحّة للبقاء السياسي. فرغم الادعاءات المتكرّرة بتحقيق الانتصارات، لم تتمكن إسرائيل من بلوغ أهدافها الأساسية: المنشآت النووية الإيرانية ما زالت قائمة، وقوى المقاومة في المنطقة لا تزال فاعلة. ولهذا فإن سعي نتنياهو لتوسيع دائرة الحرب نحو لبنان وإيران لا يُعدّ علامة قوة، بل اعترافاً ضمنياً بالفشل، لأن وقف الحرب سيكشف هذا الفشل بوضوح أكبر، ولذلك يصرّ على دفع الأمور نحو انفجار جديد.
مع ذلك، تبدو الظروف غير مؤاتية لواشنطن للدخول في حرب جديدة ضد إيران؛ فإيران ستردّ بقوة، وستستهدف المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة، كما تدرك الولايات المتحدة جيداً أن أي حرب على إيران تصبّ في مصلحة الصين وروسيا، تماماً كما أن تورّطها في مستنقع فنزويلا يخدم موسكو وبكين. هاتان الدولتان تحلمان برؤية واشنطن غارقة في المستنقع الإيراني أو الفنزويلي، في حين أن إيران بدورها لا تريد أن تتحوّل إلى ورقة بيد روسيا والصين.
الحرب المقبلة – إن وقعت – ستكون مختلفة عن حرب الأيام الإثني عشر الماضية؛ فإيران اليوم تمتلك أحدث أنواع الأسلحة والصواريخ، وأي مواجهة جديدة ستكون «أمّ الحروب» وقد تنتهي بتدمير الكيان الإسرائيلي نهائياً. في الحرب الأخيرة، كانت لدى إيران فسحة أمل بالتفاوض، أمّا في أي حرب قادمة فلن يكون هناك ما يقيّد ردّها أو يحدّ من خياراتها.


إن مشكلة الحرب بين إيران والكيان الإسرائيلي ليست في إيران بحدّ ذاتها، بل في طبيعة المشروع الإسرائيلي في المنطقة؛ فإسرائيل تنظر إلى إيران بوصفها نداً وقوة إقليمية كبرى قادرة على منعها من التوسع. المشروع الإسرائيلي يقوم على السيطرة الكاملة على المنطقة، وقد حقق بالفعل نفوذاً واسعاً؛ فـ«إسرائيل الكبرى» لا تعني بالضرورة احتلال أراضي الدول، بل السيطرة على أجوائها وفضائها الأمني. اليوم تهيمن إسرائيل عملياً على أجواء معظم دول المنطقة باستثناء إيران وتركيا، علماً بأن تركيا عضو في الناتو، فتظلّ إيران العائق الأبرز أمام هذا المشروع. في هذا السياق، تسعى إيران إلى تجهيز نفسها للدفاع عن سيادتها، لا لشنّ حرب هجومية على إسرائيل.
لسنا هنا أمام قراءة عاطفية، بل أمام سجلّ تاريخي يثبت أن هذا الكيان كلما أُتيحت له الفرصة اعتدى على الدول، ضارباً عرض الحائط كلّ القوانين والأعراف الدولية والاتفاقيات الثنائية ومتعدّدة الأطراف. كل هذه المواثيق لا تساوي شيئاً في حساباته. ونعرف أن إسرائيل لا تَقبل وقف الحرب إلا حين تشعر بأنها تخسرها. إسرائيل لم تكن تتوقع شدّة الرد الإيراني، ولذلك بعد اليوم الخامس من المواجهة سارعت إلى طلب وقف إطلاق النار لأنها لم تستطع تحمّل الضربات الإيرانية حتى لخمسة أيام متتالية.
نكرّر دائماً أن إسرائيل لا تحتاج إلى ذريعة جاهزة لشنّ الحرب، بل تختلق الذرائع اختلاقاً، وهذه قاعدة راسخة منذ نحو ثمانية عقود على قيام هذه «الغدّة السرطانية» في المنطقة، حيث لم تخرج يوماً من منطق الحروب والاعتداءات. في غزو العراق، اختلقت الولايات المتحدة كذبة أسلحة الدمار الشامل، وادّعى وزير خارجيتها كولین پاول أن صدام حسين يمتلك ترسانة كيميائية وبيولوجية، ثم تبيّن لاحقاً زيف تلك الادعاءات.
واليوم، هل ترفع فنزويلا شعار «الموت لأمريكا» أو تهدّد المصالح الأمريكية كي يلوّح ترامب بمهاجمتها تحت ذريعة «تهريب المخدرات»، من دون تقديم أدلة حقيقية؟ وما الذي جرى في ليبيا مثال آخر على هذا النمط من الحروب المختلقة. ووفقاً لتصريحات ترامب وبعض المسؤولين الأمريكيين، فإن واشنطن وضعت خططاً للهجوم على إيران منذ عام 1990، أي إن فكرة العدوان حاضرة في الاستراتيجية الأمريكية منذ أكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً.
بعد الحرب على أفغانستان، كان الدور التالي – بحسب تلك الرؤية – من المفترض أن يكون لحزب الله ثم لإيران، لكن هذه المخططات تعثّرت ولم تتحقق. ومع ذلك، يبقى شبح الحرب حاضراً ما دامت العقلية نفسها تحكم دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب.
أكاديمي وباحث سياسي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات