ترجمة حامد أحمد
أشار تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أنه رغم فوز محمد شياع السوداني بنتائج الانتخابات بحصوله على 46 مقعدًا، فإنه سيواجه تحديات كبيرة في تشكيل حكومة، مرجحًا قيام ائتلاف الإطار التنسيقي بتشكيل أكبر كتلة قد تكون كافية لتشكيل حكومة دون السوداني، مما قد يعيد تشكيل المشهد السياسي باتجاه مختلف تمامًا عن نتائج صناديق الاقتراع، مبينًا أن عملية تشكيل الحكومة ستكون بطيئة، وقد تستغرق من 8 إلى 11 شهرًا كما حصل سابقًا.
كانت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 نوفمبر مشجعة، بما في ذلك بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الكتلة التي جاءت في المرتبة الأولى — تحالف الإعمار والتنمية بقيادة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني — حصلت على 15% فقط من مقاعد البرلمان (46 مقعدًا من أصل 329). ونتيجة لذلك، من المرجح أن يمر العراق بفترة طويلة ومملة من المساومات السياسية قبل تشكيل حكومة جديدة، على غرار التأخيرات التي حدثت بعد الانتخابات السابقة (ثمانية أشهر عام 2010، وأحد عشر شهرًا بين 2021–2022).
الفائز الأكبر الأسبوع الماضي كان السوداني، إذ حصل تحالفه على 1.3 مليون صوت من أصل ما يقرب من 11 مليون صوت، متقدمًا على ائتلاف دولة القانون بفارق 370 ألف صوت. اختلفت استراتيجية السوداني اختلافًا كبيرًا عن انتخابات 2021، عندما حصلت قائمته على مقعدين فقط، لكن تمت ترقيته في النهاية إلى منصب رئيس الوزراء بدعم من الإطار التنسيقي. أما هذا العام، فقد خاض السوداني حملته على أساس إنجازاته الداخلية، من دون دعم واضح من طهران أو وكلائها.
ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من نجاح السوداني، فإن الإطار التنسيقي قد يسيطر على أكبر كتلة في البرلمان، وهي تكاد تكون كافية لتشكيل حكومة.
لماذا حقق السوداني أداءً جيدًا رغم الانتقادات؟
عندما بدأ السوداني ولايته الأولى، اعتقد العديد من العراقيين الذين ضاقوا ذرعًا بالفساد وغياب الخدمات أنه لن يقدر على تقديم شيء للشعب. ومع ذلك، يبدو أن أداءه خلال الفترة الماضية وجد صدى إيجابيًا لدى الجمهور، خصوصًا لدى الناخبين السنّة الذين شاركوا بكثافة في يوم الاقتراع. ويبدو أن ذلك، إلى جانب ضعف المشاركة الشيعية، ساعده في تحقيق مكاسب في صناديق الاقتراع. أظهرت استطلاعات ما قبل الانتخابات أن 58% من العرب السنّة والشيعة يثقون بالسوداني، وهو أعلى معدل لأي مرشح. (أما الصدر فقد حصل على 62% لكنه اختار عدم المشاركة). كما أعطى السنّة حكومة السوداني درجات مرتفعة نسبيًا في مجال تقديم الخدمات.
أما أبرز إنجازاته فكانت مشاريع البنية التحتية في بغداد. فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أن حكومته ارتبطت أكثر شيء بـ”الطرق والمباني”، بينما وصفت مجلة الإيكونوميست العاصمة مؤخرًا بأنها “مدينة مزدهرة”.
كما تحسن موقع العراق الإقليمي في عهد السوداني. فبعد تعهده بالعمل مع أنقرة على إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK)، أعادت بغداد فتح خط أنبوب النفط جيهان المتوقف منذ فترة طويلة بين إقليم كردستان وتركيا، ووقعت اتفاقية تعاون مائي غير مسبوقة مع أنقرة. كما عزز السوداني جهود استقلال العراق في قطاع الطاقة، وحسن العلاقات مع الجيران العرب ومع واشنطن، بما في ذلك حضوره الشهر الماضي مراسم وقف إطلاق النار في غزة بشرم الشيخ.
لكن منتقدي السوداني يشيرون إلى أنه لم يفعل شيئًا تقريبًا لمواجهة الفساد المستشري، بل عزز نظام المحاصصة الطائفية الذي يقوم على تقاسم الغنائم السياسية والاقتصادية على أساس الهوية وليس الكفاءة. وفي الوقت نفسه، ولتمويل الطفرة العمرانية في بغداد، ورد أنه خفّض تمويل العديد من المحافظات بشكل كبير، بينما كانت طريقته المفضلة لمكافحة البطالة — التي بقيت مرتفعة — هي توظيف ما يقرب من مليون موظف حكومي جديد، مما تسبب في عجز كبير في الميزانية. كما تعرض لانتقادات شديدة لإقرار قانون يخفض سن الزواج القانوني إلى تسع سنوات.
الخطوات التالية في تشكيل الحكومة
خلال عملية تشكيل الحكومة المعقدة في العراق، تبقى الحكومة القديمة في وضع تصريف الأعمال مع صلاحيات محدودة للغاية. هذا الانتقال المختل — الذي يمكن أن يستمر لمدة عام كامل — هو جزئيًا نتيجة طبيعية للأنظمة البرلمانية متعددة الأحزاب التي تتطلب تشكيل ائتلافات (كما في ألمانيا وفرنسا). ولكنه أيضًا ناتج عن بنود محددة في الدستور العراقي وطريقة تعامل السياسيين مع الحكم. تبدو العملية الرسمية بسيطة للوهلة الأولى. فبعد المصادقة على النتائج، يدعو الرئيس البرلمان الجديد للانعقاد خلال 15 يومًا. وفي الجلسة الأولى، يتوجب انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه بالأغلبية، وبعد ذلك يمكن للبرلمان اختيار رئيس جديد (بأغلبية الثلثين) أو تمديد ولاية الرئيس الحالي. ثم تأتي الخطوة الأكثر حساسية. فخلال 15 يومًا من اختياره، يجب على الرئيس تكليف الكتلة الأكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة، ويرجح أن يكون مرشحها هذا العام هو السوداني، رغم أن مناورات سابقة أطاحت بالمرشح الأوفر حظًا.
النظام السياسي العراقي يعتمد على إشراك أكبر عدد من الأحزاب في الحكومة — بدلًا من نموذج حكومة أغلبية ومعارضة واضحة. فالشيعة منقسمون إلى كتل عديدة تتنافس على رئاسة الوزراء، ما يجبر المرشحين على استمالة الأكراد والعرب السنّة. نتيجة لذلك، تصبح عملية تشكيل الحكومة لعبة “لن يُتخذ قرار نهائي حتى تُحسم كل التفاصيل”، حتى مناصب الوزراء، ما يؤخر الخطوات الدستورية لأشهر كما حدث في حكومة 2010 وحكومة 2022.
ويختم التقرير بخلاصة تفيد بأنه على الرغم من أداء السوداني القوي في الانتخابات، فإنه سيواجه صعوبة كبيرة في تشكيل ائتلاف يمكنه ضمان ولاية ثانية. فبعد دعمه عام 2021، يشعر الإطار التنسيقي اليوم بالندم ولن يدعم عودته.