يتزامن تصاعد غير مسبوق في أساليب الإغراءات والرشا للتأثير على إرادة وخيارات الناخبين من قبل أحزاب السلطة في العراق، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية الشهر الحالي، وسط مشاعر إحباط شعبية واسعة لضياع حرية المواطنين في خياراتهم الانتخابية، ما يجدد احتمالات تكرار المقاطعة الواسعة لها.
ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، يتابع العراقيون بغضب واستنكار، المحاولات المحمومة التي تقوم بها الأحزاب المتنفذة، لشراء أصوات الناخبين وكسب ولاءاتهم، بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية، من أجل تحريف إرادة الشارع والإبقاء على هيمنة تلك الأحزاب على السلطة والاستئثار بخيرات البلد.
انتقادات لدعاية ومغريات الانتخابات
قوبلت مساعي أحزاب السلطة للتأثير على إرادة وخيارات الناخبين، بحملة رفض واستنكار من قبل العديد من القوى السياسية والشعبية.
فقد حذّر ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، من تصاعد ظاهرة الدعاية الطائفية واستغلال المال السياسي وموارد الدولة في الحملات الانتخابية، معتبراً أن هذه الممارسات تمثل «أبرز وأخطر التحديات» التي تواجه نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقال المتحدث باسم الائتلاف عقيل الرديني لوسائل الإعلام، إن «هناك تفاوتا كبيرا بين المرشحين، إذ لا توجد معايير موحدة أو امكانيات متكافئة للجميع، فبعض الأحزاب تدعم مرشحيها بقوة المال والنفوذ، فيما يفتقر آخرون إلى أبسط وسائل الدعم، حتى بات استخدام المال السياسي والدعاية الطائفية يتم بشكل بشع وواضح في بعض الحملات».
وأوضح أن «هناك مرشحين لا يمتلكون مناصب حكومية ولا يستخدمون المال العام، في حين أن آخرين يوظفون امكانيات الدولة ومواقعهم الرسمية لخدمة حملاتهم، ما يفقد العملية الانتخابية توازنها وعدالتها».
وأضاف أن «ائتلاف النصر قرر سحب مرشحيه اعتراضاً على الأداء السياسي للكتل المشاركة، بعد ملاحظات عديدة تتعلق بالاستخدام المفرط للمال العام خلال الحملات الانتخابية، فضلاً عن غياب العدالة في إدارة العملية الانتخابية».
ودعا الرديني، الحكومة ومفوضية الانتخابات، لمراقبة جميع الجهات التي تستخدم أموال الدولة أو مواردها أو الخطابات الطائفية في الانتخابات، لما يمثل ذلك من مخالفة صريحة للقانون ويقوض ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها.
ويذكر أن ائتلاف النصر أعلن عدم مشاركته بالانتخابات النيابية الحالية، معتبرا ان الانتخابات تقوم على المال السياسي وتفتقد إلى الحزم بفرض الضوابط القانونية المانعة من التلاعب وشراء الأصوات.
أما حميد الياسري ـ آمر لواء أنصار المرجعية في الحشد الشعبي، فقد أعلن في حديث صحافي، «لا يمكن للشعب أن يسكت على ما يجري، فأموال العراق تنهب وتحول إلى الخارج، والمليارات التي تصرف على المرشح الواحد من أين جاؤوا بها؟ من أين تجبى؟».
وشدد الياسري «لدي حساسية وطنية من أي تدخل خارجي في شؤون العراق، وأقف مع أي جمهور وأي شريحة وطنية، تعارض التدخلات الخارجية»، وتساءل «مَن هو السياسي على مستوى الشيعة والسنة والكرد، يترك 74 مقعداً في مجلس النواب من أجل أن لا يشارك في الفساد؟» في إشارة إلى مقاطعة التيار الصدري، المشاركة في الحكومة الحالية رغم فوزه بعدد كبير من المقاعد.
وكشف الياسري ان «أحد السياسيين الكبار قال لي إنهم التقوا في يوم من الأيام لترتيب قانون بحيث يحرم التيار الصدري من الفوز، ونفس الشخص أخبرني لاحقا بأنهم اجتمعوا للتفكير في قانون جديد بحيث لا يحصل السوداني على مقاعد، فأين التنافس الشريف وحرية المواطن بالاختيار؟».
فيما أشار النائب والوزير السابق عامر عبد الجبار في تغريدة على موقعه «من ينتخب المرشح صاحب الدعاية المليارية، فاعلم انك تنتخب لصا فاسدا». وأوضح أن «مصاريف الدعاية للانتخابات تفوق راتب النائب لأربع سنوات التي تبلغ نحو 120 مليون دينار، فكيف سيعوض النائب المليارات التي صرفها على الدعاية؟».
رفض التلاعب بإرادة الناخبين
السياسي والناشط البارز جاسم الحلفي، تحدث إلى «القدس العربي»، عن ظاهرة استخدام المال السياسي والمغريات للتلاعب بإرادة وحرية الناخبين باختيار المرشحين للانتخابات.
وأكد الحلفي أن «عمليات الإغراء المادي التي تقدَّم إلى الناخبين يمكن تلخيصها بأنها شراء للضمير وتشويه للوعي وإفساد متعمد للعملية الانتخابية. لكن ما يميّز المشهد اليوم هو حجم الإنفاق الهائل الذي تجاوز كل حدود المعقول، حتى غدت المنافسة لا تُقاس بعمق البرنامج أو صدق الالتزام، بل بقدرة المرشح على البذخ والصرف وتقديم المزيد من المغريات. حتى صار السؤال: من يمنح أكثر؟ من يبذخ أكثر؟ لا من يخدم أكثر».
وأشار إلى أبرز مظاهر هذه الممارسات مثل توزيع الأموال والهبات وإقامة الولائم وتقديم الوعود الزائفة، حتى بلغ الأمر ببعض المرشحين الجرأة على شراء البطاقات الانتخابية صراحة، والالتفاف على نظام وكلاء الكيانات السياسية عبر دفع مبالغ مالية لقاء التصويت.
وأضاف «من يراقب الحملات الانتخابية والدعايات، سواء في وسائل الإعلام أو في الشوارع، وما يُتداول عن المبالغ التي تُمنح للمرشحين أو تُدفع لشراء البطاقات الانتخابية، يلمس واقعاً مثقلاً بالبذخ غير المسبوق. فالأموال تُنفق بسخاء يفوق الخيال، وكأنّ المنافسة تحوّلت من سباقٍ لخدمة الناس إلى سباقٍ في شراء النفوذ. تتكشّف من خلالها بنية مشوّهة للعملية الانتخابية، حيث يُقاس الحصول على مقعد نيابي المفترض ان يكون تمثيلا للشعب، لا بالكفاءة والبرنامج، بل بحجم الإنفاق والقدرة على تمويل الدعاية، في مشهد يختزل الديمقراطية إلى معادلة المال والولاء لا إلى الإرادة الشعبية».
وعن إجراءات مفوضية الانتخابات إزاء تزايد المغريات المادية في الانتخابات، قال «للأسف لم نلحظ أي إجراءات من مفوضية الانتخابات إزاء تزايد المغريات المادية، والانتهاكات الفاضحة والمخزية التي تشكّل تشويهاً صارخاً للعملية السياسية وتزييفاً متعمداً للإرادة الشعبية. فهي لا تختلف عن التزوير في يوم الاقتراع إطلاقاً، بل تمثل تمهيداً له، بل هي تزوير مسبق بوسائل ناعمة. ومع ذلك، لم نرَ أي إجراءات حقيقية للحد منها، رغم أن الأجدر كان تطبيق قانون الأحزاب الذي يحدد السقف المالي للإنفاق الانتخابي. إنّ هذه المنافسة غير المتكافئة بين من يملك المليارات وبين القوى الوطنية النزيهة التي لا تملك المال، تؤسس عملياً لبيئة انتخابية ظالمة، وتكرّس مبدأ اللاعدالة في جوهر الممارسة الديمقراطية».
وأكد الحلفي، «أن لجوء الأحزاب إلى تقديم المغريات والوعود، يعكس تشويهاً عميقاً للعملية الانتخابية، ويعبّر عن تأثيرٍ مباشرٍ على إرادة الناخبين، وعن إفسادٍ ممنهجٍ للمسار الديمقراطي. إنه دليل على غياب البرامج والرؤى الحقيقية لدى كثير من المرشحين، وعلى الإصرار في إعادة إنتاج السلطة ذاتها وتمكين من لا يمتلك مشروعاً جاداً أو استعداداً فعلياً لخدمة الناس. في الجوهر، ويعكس هذا الواقع رغبة في إبقاء الأمور على ما هي عليه، وتكريس نظام سياسي عاجز عن التغيير وعن تمثيل الإرادة الشعبية بصدق».
قانون الحوافز الانتخابية
ونتيجة لعزوف الشارع عن المشاركة في الانتخابات السابقة بسبب الفساد والمغريات، فقد قدم بعض أعضاء مجلس النواب مشروع قانون الحوافز الانتخابية، ما أثار ردود أفعال اعتراضية كثيرة.
ويقترح القانون تقديم حوافز مادية ومعنوية لتشجيع الناس للمشاركة في الانتخابات، عبر شراء ذمم وتقديم مكافآت للناخبين المشاركين في الانتخابات، وفي المقابل يقترح القانون فرض عقوبات على الممتنعين عن المشاركة في الانتخابات.
وقد فشلت محاولة تمرير ذلك القانون بسبب الاعتراضات الشعبية والسياسية الواسعة حيث المفروض وضع قانون انتخابات يكسب ثقة الناخب بدل رشوته أو تهديده.
وفي هذا السياق، أبرزت مواقع التواصل الاجتماعي، الكثير من الأفلام عن الوعود الانتخابية الكاذبة ومحاولات رشوة الناخبين، ومنها ما تم تداوله عن قيام منظمة بدر وميليشيا العصائب، بخداع الشباب لجلبهم في تجمعات انتخابية، تحت غطاء وجود فرص للتعيين في وظائف حكومية. وأظهرت الأفلام، الشباب المتجمع وهو يعبر عن اعتراضه على هذا الأسلوب في الخداع ورددوا شعارات ترفض الفساد ومحاولات التأثير على آراء الشباب إزاء العملية الانتخابية الفاشلة.
محاولات ضبط العملية الانتخابية
ونظرا لتصاعد المطالبات من القوى السياسية والشعبية، للحكومة ومفوضية الانتخابات، بضرورة التحرك للحد من التلاعب والمغريات في العملية الانتخابية، فقد بادرت إلى بعض الإجراءات لتحقيق ذلك. ومنها قيام المفوضية بالإعلان عن «اعتماد إجراءات رقابية مشددة لضمان شفافية العملية الانتخابية ومصداقيتها أمام الرأي العام المحلي والدولي». إلا أن المستشار القانوني للمفوضية، حسن سلمان، ذكر في تصريح، «يحق للحزب أو التحالف المتنافس أو المرشح الفرد محاولة التأثير في الناخب قدر الإمكان لاستمالته وكسب صوته، بشرط أن تكون الأمور قانونية وموضوعية».
كما أصدرت هيئة النزاهة (حكومية) لائحة السلوك لموظفي الدولة، لمنع استخدام ممتلكات الدولة في الانتخابات، ولتشجيع المقاطعين للاشتراك في الانتخابات، بعد أن قدر بعض الخبراء نسبة مقاطعة الانتخابات الأخيرة بنحو 80 في المئة.
وكان مكتب المرجع الأعلى للشيعة علي السيستاني، أفتى الأربعاء 3 أيلول/سبتمبر 2025، بشأن بيع الناخبين لبطاقاتهم الانتخابية. فقد ردّ المكتب على سؤالين وردا إليه من «جمع من المواطنين»، جاء فيهما: «مع قرب إجراء انتخابات مجلس النواب العراقي يرجى إعلامنا بفتوى المرجع في الحالتين: أولاً: يقوم بعض المواطنين ببيع بطاقته الإلكترونية لحاجته إلى المال أو لعدم رغبته في المشاركة في الانتخابات فهل يجوز ذلك أم لا؟ ثانياً: يقوم بعض المرشحين بتوزيع بعض الهدايا على المواطنين أو تقديم بعض الخدمات لهم مشترطاً عليهم التصويت له في الانتخابات فهل يجوز للمواطن أن يقبل منه ذلك؟» وكان ردّ المكتب، «هذا غير جائز».
ورغم الموقف المعلن للمرجعية الشيعية، فإن التلاعب ببطاقات الاقتراع وصل إلى القوات المسلحة والحشد الشعبي.
إذ كشفت فرقة العباس القتالية المنضوية ضمن الحشد الشعبي، عن ممارسات مشبوهة تتعلق بالتلاعب بالبطاقات الانتخابية لمنتسبي الحشد الشعبي. وذكرت الفرقة في بيان في أيلول/سبتمبر الماضي، «وردتنا مناشدات وشكاوى عديدة من إخوتنا المجاهدين وأبناء الحشد المبارك بشأن ممارسات مشبوهة تتعلق بالتلاعب بالبطاقات الانتخابية، ونؤكد أن هذه الممارسات تُعد فسادا صريحا وحراما شرعا، ونستشهد في ذلك باستفتاء المرجعية الدينية العليا الصادر عام 1435هـ (2014م)، والذي نصّ بوضوح على حرمة بيع البطاقة الانتخابية أو إجبار أي شخص على التنازل عنها». ودعا البيان الجميع، إلى «الوقوف بحزمٍ في وجه هذه التجاوزات، ورفض جميع أشكال الضغوط التي يمارسها الفاسدون مهما كانت مناصبهم أو مواقعهم».
ويذكر أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، دعا أتباعه إلى مقاطعة الانتخابات التي وصفها بالفاسدة التي تمكن الفاسدين من السيطرة على الحكومة. إلا أن بعض المراجع الشيعية أفتوا بإمكانية أخذ الرشوة المالية من المرشحين للانتخابات مع عدم الالتزام بالوعود للمرشحين.
شراء البطاقات الانتخابية
وبعد انتشار الحديث عن تصاعد واسع في عملية شراء بعض الأحزاب والمرشحين البطاقات الانتخابية من المواطنين لاستثمارها في تعزيز رصيدها من الأصوات، تحرك القضاء العراقي لملاحقة المتورطين بتلك العمليات للحد من تزوير الانتخابات.
فقد أعلن القضاء العراقي، عدة قرارات بحبس أشخاص أدينوا بجريمة «شراء بطاقات انتخابية»، في العاصمة بغداد والمحافظات. ومن ذلك ما ذكره إعلام القضاء في بيان، في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، أن «محكمة جنح الأعظمية أصدرت حكماً بالحبس لمدة ستة أشهر بحق أربعة مدانين عن جريمة شراء بطاقات انتخابية».
وأضاف أنه «صدر الحكم بحق المدانين وفقاً لأحكام المادة 32/ ثانياً من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 9 لسنة 2020، وبدلالة مواد الاشتراك 47 و48 و49 من قانون العقوبات واستدلالاً بأحكام المادة 131 منه».
وترتفع أسعار بيع البطاقات الانتخابية كلما اقترب موعد الانتخابات، حيث بدأت الأسعار ترتفع حتى الآن إلى نحو 300 ألف دينار (أكثر من 200 دولار). وتتم عملية البيع عندما يظهر الناخب بطاقته الانتخابية للمرشح أو من ينوب عنه، ويستلم مبلغا من المال مقابل أن يقسم الناخب، بأغلظ الايمان بانه سينتخب مرشحا محددا.
استغلال المنصب الوظيفي
لابتزاز الناخبين
ويعد استغلال المناصب الحكومية وموارد الدولة، لزيادة حظوظ بعض الأحزاب في الانتخابات، من أبرز مظاهر الانتخابات في العراق.
وتصاعدت هذه الأيام اتهامات متبادلة بين أغلب أحزاب السلطة، باستغلال موارد الدولة، في الانتخابات القريبة.
وفي هذا السياق، وجهت كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، اتَهامات إلى رئيس الحكومة محمد السوداني باستغلال موارد الدولة في حملته الانتخابية، إضافة إلى اتهام بعض الأحزاب، مرشحي أحزاب أخرى باستغلال سيطرتهم على بعض المحافظات للترويج الانتخابي، من خلال وعود بتعيينات في الوظائف أو تقديم مشاريع خدمية للمناطق التي تعاني من نقض الخدمات كتبليط الشوارع وإيصال الكهرباء والماء وغيرها، مقابل الحصول على تأييد السكان المحليين لمرشحين محددين.
وفي السياق ذاته، كشف القيادي في تحالف «العزم» بشير الخزرجي، عن قيام أحزاب سياسية، لم يسمها، باستغلال مناصبها التنفيذية لتهديد موظفين حكوميين ومنتسبي وزارتي الداخلية والدفاع، بنقلهم إلى دوائر أو قطاعات أخرى في حال عدم تصويتهم لجهات أو مرشحين محددين.
وقال الخزرجي، إن «الأحزاب السياسية استغلت مواقعها ومناصبها التنفيذية لأغراض انتخابية، ووصل الأمر إلى تهديد الموظفين بالنقل إلى دوائر وتشكيلات أخرى»، مبيناً أن «الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ تعرض بعض المنتسبين الأمنيين في وزارتي الداخلية والدفاع إلى تهديدات بالنقل إلى قطعات عسكرية أخرى في حال لم ينتخبوا جهة سياسية أو مرشحاً معينا».
البذخ على الدعاية الانتخابية
وفي شأن ذو صلة، استغرب العراقيون من حجم الأموال الهائلة التي تقوم الأحزاب بانفاقها على الدعاية لمرشحيها عبر لوحات الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة.
وذكر مختصون بالانتخابات، أن الدعاية الانتخابية في الشوارع وشبكات التواصل الاجتماعي، تكلف آلاف الدولارات، حيث حدد محمود العزاوي، صاحب مطبعة في بغداد، ان سعر طباعة المتر الواحد من الفلكس مع تكلفة تركيب كل متر على الأرض يبلغ نحو 11 دولاراً، وتنتشر الآن مئات الآلاف من تلك الإعلانات في شوارع ومدن العراق، حيث تعلَّق على أعمدة الكهرباء والأشجار وفي جوانب الشوارع والبنايات.
فيما تعد شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة سهلة للوصول إلى جميع الناخبين، لكونها أرخص وتصل إلى غالبية المواطنين من مستخدمي هذه الشبكات. ويشتري المرشحون مليون رسالة واتساب مقابل 30 ألف دولار، حسب بعض خبراء الإنترنت.
وحسب بيانات شركة ميتا، التي تمتلك شبكات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، تم انفاق مليون و424 ألفاً و963 دولاراً في جميع أنحاء العراق في الفترة من 24 أيلول/سبتمبر إلى 23 تشرين الأول/اكتوبر 2025 على الدعاية الانتخابية.
وعلى مستوى العراق، شهدت مدينة بغداد أعلى إنفاق على الترويج للدعاية الانتخابية خلال 30 يوماً، بينما سجلت حلبجة أقل إنفاق. أما على مستوى إقليم كردستان، فقد جاءت محافظة السليمانية في المرتبة الأولى حيث جرى تمويل منشورات سياسية بمبلغ 81 ألفاً و458 دولاراً، تلتها محافظة أربيل بمبلغ 72 ألفاً و570 دولاراً للمنشورات السياسية الممولة، وفي دهوك أُنفِقَ 32 ألفاً و827 دولاراً، وفي حلبجة أُنفِقت 3 آلاف و961 دولاراً على المنشورات السياسية المروَّجة.
وتفيد بيانات شركة ميتا للفترة من 24 أيلول/سبتمبر إلى 23 تشرين الأول/اكتوبر 2025، أن صفحة حركة «حقوق» (التابعة لكتائب حزب الله – العراق) هي الأكثر إنفاقاً على ترويج المنشورات السياسية على مستوى العراق، حيث بلغ المبلغ 13 ألفاً و590 دولاراً.
ورغم تحديد السقف القانوني بـ 250 ديناراً لنفقات الناخب الواحد، فإن الواقع كشف فجوة كبيرة بين النص والتطبيق. فالتقارير الميدانية تُظهر أن الإنفاق الدعائي لبعض المرشحين بلغ نحو مليار دينار، وبناء على عدد المرشحين البالغ 7.926 مرشح، فالمتوقع ان يبلغ إجمالي الإنفاق الانتخابي وتكاليف إجراء العملية الانتخابية من قبل مفوضية الانتخابات، مبالغ هائلة من دون فائدة تذكر. وبهذا الحجم من النفقات، أصبحت الانتخابات، متقدمة على قطاعات خدمية رئيسية مثل الإسكان والصحة والتربية، في مؤشر يعكس تضخم المال السياسي وتحوله إلى اقتصاد موازٍ للمال العام.
فيما يرى غالبية العراقيين أن المبالغ المنفقة على الدعاية الانتخابية يمكن أن تموّل مشاريع تنموية هائلة مثل بناء المدارس والمستشفيات وإنشاء الطرق والخدمات مثل الماء والكهرباء.
ولا يختلف المراقبون على أن المغريات والرشا المالية إقرار من أحزاب الفساد والفشل بفقدانها القاعدة الجماهيرية، كما تعكس تنامي الفساد وانتشاره في كل أرجاء المجتمع. ولذا لم يعد مستغربا عزوف غالبية العراقيين عن المشاركة في الانتخابات نتيجة للاحباط من أداء أحزاب السلطة والقناعة بالتلاعب بالعملية الانتخابية، إضافة إلى الثغرات الكبيرة في قانون الانتخابات الذي يكرس بقاء نفس الوجوه في السلطة رغم الفساد والفشل في إدارة الدولة، كما يفقد إرادة الشعب وحريته في اختيار ممثليه الحقيقيين في مجلس النواب وتقرير مصيره.