الوثيقة | مشاهدة الموضوع - شهادة تاريخية عن أحداث قاعة الخلد 1979 و اعدام صدام أبرز أعضاء القيادة : د. مناف حسن العلي
تغيير حجم الخط     

شهادة تاريخية عن أحداث قاعة الخلد 1979 و اعدام صدام أبرز أعضاء القيادة : د. مناف حسن العلي

مشاركة » الجمعة أغسطس 01, 2025 1:29 am

7.jpg
 
أحداث قاعة الخلد وانتهاء دور حزب البعث في العراق

طالما لا زلنا في شهر تموز، وجواره، شهر الانقلابات والاضطرابات في العراق، وددت أن أكتب بعض الشيء عما جرى في قاعة الخلد يوم ٢٢ تموز ١٩٧٩. فالذي عايش تلك الأحداث ليس كمن راقبها من الخارج عبر الفيديو الذي نشر فيما بعد.

في اليوم ١٦/٧/١٩٧٩ كنا جميع أعضاء قيادة شعبة الكرخ المركزفي مقر الشعبة الكائن بالقرب من ساحة الشهداء والمطل على نهر دجلة نتهيأ للأحتفال في اليوم التالي بالذكرى الحادية عشر لإنطلاق (ثورة ١٧ تموز) حسب توصيف الحزب لها. كان المرحوم غاري العبيدي عضو فرع بغداد مسؤول شعبتنا قد أوكلت إليه مهمة الأشراف على قيادة المسيرة التي ستنطلق في جانب الكرخ واختارني الى جانبه ضمن اللجنة المشرفة، وكنا نقوم بخط اللافتات والشعارات الحزبية التي زُودنا بها.

فوجئنا قبل حلول المساء بمكالمة من القيادة القطرية بالتوقف عن كتابة الشعارات السابقة حيث أنَّ هناك تغييراً قد حصل وسنزودكم بشعارات جديدة. مساء أطلَّ علينا أحمد حسن البكر على شاشات التلفاز ليعلن لنا تنحيه عن رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس قيادة الثورة وأمانة سر الحزب والقائد العام للقوات المسلحة لأسباب مرضية وتكلبف الرفيق صدام حسين بجميع هذه المناصب.

غيرنا الشعارات القديمة بالجديدة وتهيأنا لحقبة جديدة دون أن نعرف حقيقة ما جرى في ذلك اليوم.

أنطلقت المسيرات في اليوم التالي وتجمعت قرب ساحة حلب وكان هناك سرادق للرئيس لإلقاء خطابه بهذه المناسبة. مما أتذكره في ذ لك الخطاب ولم تمحهِ طول السنين أنه قال: سأكون فارساً بين الفرسان وليس الفارس الأوحد وسأكون راية بين الرايات وليست الراية الوحيدة. ولكن ما حصل العكس فقد أصبح الفارس الأوحد والراية الوحيدة والويل كل الويل لمن يفكر في منافسته.

بعد ستة أيام فقط وفي يوم ٢٢ تموز ١٩٧٩ دُعي الكادر المتقدم في الحزب لإجتماع في قاعة الخلد صباحاً. الكادرالمتقدم يضم أعضاء قيادات الشعب والفروع والمكاتب الحزبية وهي مكتب الطلبة والشباب، مكتب الفلاحين، مكتب العمال، المكتب المهني، والمكتب العسكري.

ليس في الأمر غرابة فقد أعتادت القيادة القطرية على دعوة الكادر المتقدم كلما استجَّد شيءٌ ما، ولكن الغريب في الأمر أنَّ القاعة كانت محاطة بالدبابات والمدرعات ولأول مرة، كذلك ولأول مرة نرى جهاز في المدخل لفحص الأسلحة عن طريق الأشعة. تيقنت أن الأمر غير طبيعي وربما هناك مفاجئات قد تحدث في هذا الاجتماع.

كان أفراد الحماية والمخابرات يحيطون بنا من كل جانب . أُغلقت الأبواب ومُنع الخروج لأي أحد. أرتقى صدام حسين الى منصة القاعة وبدأ بترديد شعار الحزب ورددنا جميعاً خلفه وهذا أيضاً على غير العادة، حيث غالباً ما يُكلف عضو قيادة قطرية لإدارة الأجتماع ثم يتحدث صدام بعد ذلك أو البكر إن كان موجوداً.

بعد ذلك وعلى غير العادة أيضاً طُلب من كل عضو قيادة فرع ومكتب أن يُبلغ عن أسماء الغائبين من تنظيمه ولم يسبق أن سُجل أسماء الغائبين في الندوات السابقة ما عدا المؤتمرات الحزبية التي يكون في نهايتها انتخابات حزبية.

بعد الانتهاء من تلك الإجراءات تحدث عن إكتشاف مؤامرة يقودها أعضاء في القيادة القطرية بالتواطئ مع الرئيس السوري حافظ الأسد للإطاحة بصدام حسين وتسليم العراق الى حافظ أسد. ثم أمر بإحضارمحي عبدالحسين وطلب منه التحدث للحضور كما تحدثت لنا في القيادة ، وترك المنصة لمحي عبد الحسين وجلس جانباً على كرسي وطاولة أُعدت له يُدخن سيكاره. بدأ محي يروي ما يتذكرمن أحداث حول هذه المؤمراة واصفاً كل من يتذكر اسمه بالمجرم أي أنه يحكم عليه بالإجرام مسبقاً قبل التحقيق والتأكد مما يدعيه. قاطعه صدام بعصبية قائلاً كل من يُذكر اسمه يردد الشعار ويغادر القاعة فوراً ومن كان يتردد بالخروج ليُدافع عن نفسه ، كان صدام يصرخ به للخروج ورجال المخابرات يسحبونه بالقوة.

نجا الصديق العزيزمحمد جاسم دبدب بإعجوبة عندما ذكرمحي أنَّ ماجد السامرائي كُلَّف بمفاتحته ولكنه لم يتمكن من ذلك. وبمناسبة ذكر الاخ محمد دبدب فقد التقته إحدى الفضائيات بعد الإحتلال وذكر في اللقاء بأن صدام حسين قتل من البعثيين أكثر مما قتل من أعداء الحزب. ذُكر ذلك لصدام في إحدى فترات الإنتظار أثناء محاكمته، فعلَّق قائلاً: كيف نجت رقبة محمد من القطع؟

كان كل من في القاعة ينتابه نوع من الشعور بالخوف من أن يذكر محي عبدالحسين اسمه ضمن المتآمرين لكونه عضو قيادة ويعرف معظم أعضاء الكادر الحزبي فربما يسعى لإرباك القيادة بذكر أسماء ليست لها علاقة بالتكتل. كما أنه لم يكن طبيعياً في تصرفه، حيث كان يُتمتم في كلامه ويرفع بصره تارةً الى الأعلى وتارةً ينظر الى صدام وأخرى بإتجاه الحاضرين يصمت قليلاً محاولاً أن يستذكر الحوادث والأسماء وكأنه مغيب أو ملقن سلفاً بما سيقوله.

شخصياً تذكرت زيارة محي عبدالحسين لي قبل عام فقط حينما كنت أشغل وظيفة المستشار الثقافي في لندن وكان هو في زيارة الى لندن، ولبث في مكتبي قرابة الساعة يسألني عن مشاكل الطلبة وما هي المعوقات التي نعاني منها كدائرة ثقافية لتقديم احسن المساعدات للطلبة لكي ينقلها الى القيادة. تذكرت ذلك اللقاء معه وقلت في نفسي ربما يدَّعي انه فاتحني في ذلك اللقاء، ولله الحمد لم يحدث ذلك.

بعد مدة أُجلس محي على كرسي ونزل صدام من المنصة وجلس مع أعضاء القيادة مستمعاً معنا لإعترافات محي عبد الحسين.

في هذه الأثناء ولكي يظهر وفاءه للبكر سأل صدام المسؤول عن القاعة أين ذهبت صورة البكر التي كانت موجودة على يمين المنصة بينما كانت صورته على يسارها. عنَّف صدام الذي رفعها وتحدث عن الوفاء للأب القائد وما قدمه للحزب وأن القيادة اتخذت قراراً برفع صورة الأب القائد الى جانب صدام حسين فصفق الحضور. بعد ذلك بدأ صدام بقراءة أسماء المتآمرين الذين لم يذكرهم محي ويأمرهم بمغادرة القاعة .

بعد إبعاد المتآمرين المزعومين من القاعة، وقف ابن عمه علي حسن المجيد مطالباً بإعدام عبدالخالق السامرائي لإنهاء التآمر داخل الحزب، ووعده صدام بذلك قائلاً: خذها من هذا الشارب ممسكاً بشاربه. كما تعهد بإستعمال السيف من الآن فصاعداً مع كل المتآمرين.

أنهى صدام كلامه بالقول هذا نصيب الخونة وهذا نصيب الحزب مشيرا الى جميع الحاضرين، وهنأهم من أجل ولائهم للحزب في الماضي والمستقبل، فضجت القاعة بالتصفيق والهتاف بحياته فرحاً بعدم وجود أسماء أخرى وبأنهم أبرياء من التآمر ومن سيف صدام.

في نهاية الإجتماع تلا طارق عزيز بياناً باسم المجتمعين يخول القيادة بطرد أعضاء القيادة الخمسة وكل عضو يثبت علاقته معهم.

ذكر السيد تايه عبدالكريم عضو القيادة القطرية آنذاك في إحدى اللقاءات الاعلامية بأن صدام حسين استدعى أعضاء القيادة المتهمين بالتآمرقبل هذه الندوة، وقال لهم والله لأسوي رؤوسكم نفاضات سجائر وأيد ذلك السيد طاهر توفيق عضو القيادة أيضاً.

بحلول ١ آب أعدم بطريقة وحشية ٢٢ عضواً من أعضاء الحزب حيث كُلف الجهاز الحزبي بتنفيذ عملية الاعدام فأرسلت كل فرقة حزبية مجموعة من الأعضاء لتنفيذ المهمة وأشرف على التنفيذ برزان إبراهيم وسمير الشيخلي. وحُكم الآخرون بالسجن لمدد تترواح بين ٥ سنوات و ١٥ سنة.

أصدرت بعد ذلك القيادة القطرية قراراً يقضي بالفصل من الحزب لأقارب المحكومين حتى الدرجة الخامسة وإبعادهم عن المراكز القيادية وبذلك خسر الحزب جيشاً من البعثيين من دون سبب سوى صلة القرابة مع أحد المحكومين.

كان هذا التطهيرلحظة فاصلة في حياة الحزب أصبح فيها صدام قائداً مطلقاً للحزب وللعراق.

ذكر لي من أثق به أن صدام حسين في لقاء مع المكتب العسكري والفروع العسكرية وكان هذا الشخص عضو فرع قال لهم صدام أنَّ حافظ الأسد ليست لديه مشكلة في دولة الوحدة بين العراق وسوريا فإذا أخذ العراق رئاسة الدولة فسيأخذ الأسد قيادة الحزب وإذا أخذ العراق قيادة الحزب فسيأخذ الأسد رئاسة الدولة. ثم أردف قائلاً المشكلة لدينا في العراق حيث لدينا ثلاثة أشخاص يجب أن يستلموا مناصب في دولة الوحدة وهم ميشيل عفلق وأحمد حسن البكر وصدام حسين وهذا يعني أن صدام حسين ليس له موقعاً في دولة الوحدة.

بهذه المؤمراة المزعومة ضرب صدام عدة عصافير بحجر واحد فأزاح البكر وتخلص من دعاة الوحدة في داخل الحزب وأنهى ميثاق الوحدة وقطع الطريق على الأسد في الدخول الى الحزب في العراق بالرغم من نواياه وأخرس جميع البعثيين من التفكير في انتقاده أو الأعتراض على أي قرار يتخذه.

وهكذا ضاعت الفرصة على حزب البعث في توحيد نفسه وبناء دولة واحدة تمتد من الخليج العربي الى البحر الابيض المتوسط تمتلك من الموارد والخيرات ومصادرالقوة ما لا يُعد ولا يُحصى وتشكل خطراً وجودياً حقيقياً لإسرائيل. كل ذلك كان بسبب شخصية قائد الضرورة النرجسيه والسادية والسايكوباثية.
العناوين الاكثر قراءة






 

العودة إلى المقالات