الوثيقة | مشاهدة الموضوع - سلاح المقاومة… أمانة الأمة لا أداة مساومة : نجاح محمد علي
تغيير حجم الخط     

سلاح المقاومة… أمانة الأمة لا أداة مساومة : نجاح محمد علي

مشاركة » الاثنين يوليو 07, 2025 4:19 am

في لبنان، يبرز مجددًا الحديث عن سلاح المقاومة كمحور للنقاش السياسي، لكن هذه المرة بثوب جديد يحمل عناوين براقة مثل “تنظيم العلاقة بين الجيش والمقاومة” أو “تعزيز سيادة الدولة”. هذه الدعوات، التي تُروَّج تحت مظلة السيادة الوطنية، تخفي في طياتها محاولات لتصفية آخر عناصر القوة التي حمت لبنان من مشاريع الهيمنة الصهيونية والغربية. إنها دعوات تُريد للبنان أن يُزجَّ في لعبة الأمم كجائزة ترضية لكيان الاحتلال، الذي عجز عسكريًا في غزة رغم نجاحه الاستخباري في استهداف قادة المقاومة. فما الذي يعنيه نزع سلاح المقاومة في هذا التوقيت؟ وهل هو فعلاً في مصلحة لبنان، أم أنه استسلام مقنّع للعدو؟

هل يكون قد استسلم من يسلم سلاحه لوطنه وجيشه وأهله؟!

هذا السؤال، الذي يبدو بريئًا في ظاهره، يحمل في باطنه محاولة خطيرة لإعادة صياغة المعادلة السياسية والعسكرية في لبنان. إن تسليم سلاح المقاومة في هذا السياق ليس مجرد عملية إدارية أو تنظيمية، بل هو محاولة لإلغاء المقاومة كقوة ردع حقيقية، وهي القوة الوحيدة التي استطاعت مواجهة المشروع الصهيوني على مدى أكثر من أربعة عقود. لقد كانت المقاومة، بسلاحها وتضحياتها، الدرع الذي حمى لبنان من الاحتلال، وأسهمت في تحرير الجنوب عام 2000، وأحبطت المخططات التكفيرية التي هددت المنطقة بأسرها.

الجواب على هذا السؤال واضح: من يسلم سلاحه اليوم، في ظل الظروف الراهنة، لا يسلمه لوطنه أو لجيشه، بل يسلمه فعليًا للعدو. فلبنان ليس محايدًا في هذا الصراع، بل هو مستهدف بشكل مباشر من قبل كيان الاحتلال، الذي يسعى لفرض هيمنته على المنطقة. إن أي محاولة لتفكيك سلاح المقاومة هي بمثابة تسليم غير مشروط للكيان الصهيوني، وليست خدمة للشعب اللبناني أو لمؤسسات الدولة التي تعاني من الضعف والتفكك.

◼️ السياق الإقليمي والدولي: أجندات تستهدف المقاومة

لا يمكن فهم الدعوات لنزع سلاح المقاومة بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي. ففي ظل العجز العسكري الإسرائيلي في غزة، والضغوط المتزايدة على كيان الاحتلال لتحقيق أي إنجاز ميداني، تبرز محاولات لتحقيق انتصارات سياسية على حساب لبنان. هذه المحاولات تأتي في سياق مقترحات مثل ورقة إيهود باراك، التي دعت صراحة إلى “حل نهائي” في لبنان يتمثل في نزع سلاح حزب الله مقابل وعود اقتصادية وسياسية. هذه الورقة، التي وصفها حزب الله بـ”الاستسلامية”، لا تهدف إلى تعزيز الأمن اللبناني، بل إلى تحويل الجيش اللبناني إلى أداة لخدمة أمن الكيان الصهيوني، بدلاً من حماية لبنان وسيادته.

إن هذه الدعوات تأتي في وقت تعاني فيه الدولة اللبنانية من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة، تجعلها غير قادرة على تحمل مسؤولية الدفاع عن نفسها في مواجهة تهديدات خارجية. فكيف يمكن لدولة عاجزة عن تأمين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والخبز أن تتحمل مسؤولية مواجهة عدو مدجج بأحدث الأسلحة، ومدعوم من القوى الغربية؟

موقف عون وصواريخ المقاومة: دعوة في غير زمانها

في هذا السياق، جاءت تصريحات الرئيس جوزيف عون، التي دعت إلى تسليم صواريخ حزب الله إلى الجيش اللبناني، لتثير جدلاً واسعًا. هذه الدعوة، التي قد تبدو “تنظيمية” في ظاهرها، تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتزايد الضغوط الدولية على لبنان للالتزام بأجندات خارجية. إن طرح هذه الفكرة دون وجود ضمانات حقيقية تحمي لبنان من أي عدوان صهيوني محتمل، أو دون توافق داخلي شامل حول “عقيدة الدفاع الوطني”، يجعلها دعوة غير واقعية، بل وخطيرة. فكيف يمكن تسليم السلاح إلى دولة تعاني من التفكك المؤسساتي، وتعتمد في قراراتها على توجيهات السفارات الأجنبية؟

إن هذا الطرح يتجاهل الواقع الميداني والسياسي، حيث يفتقر الجيش اللبناني إلى القدرات التسليحية والعقائدية الكافية لمواجهة التهديدات الصهيونية. كما أن الدعوة إلى تسليم السلاح تتجاهل حقيقة أن المقاومة ليست مجرد سلاح، بل هي منظومة متكاملة من الوعي والإرادة والتضحية، التي أثبتت فعاليتها في حماية لبنان من الاحتلال والمخططات الخارجية.

مزارع شبعا: المقاومة تحمي الأرض والسيادة

في سياق آخر، يبرز ملف مزارع شبعا كجزء من الضغوط التي تُمارس على المقاومة. رفض حزب الله إدراج هذا الملف في أي مفاوضات مع سوريا أو الجهات الدولية، مؤكدًا أن المزارع لبنانية بكل وضوح. هذا الموقف لا ينبع من العناد، بل من إدراك عميق لخطورة تسليم هذا الملف إلى وساطات دولية قد تُستغل للتفريط بالأراضي اللبنانية المحتلة. لقد أثبتت التجربة التاريخية أن قرارات مجلس الأمن، التي يُروَّج لها كحلول دبلوماسية، لم تحرر شبرًا واحدًا من الأراضي المحتلة، سواء في فلسطين أو في لبنان. لذلك، تُصر المقاومة على أن تحرير الأرض يجب أن يكون بيد أبنائها، وليس عبر صفقات سياسية تخدم مصالح العدو.

رفض الصفقات الدولية: استقلالية المقاومة

إن أي حديث عن ترسيم الحدود أو “تنظيم العلاقة” مع سوريا بوساطة أميركية، في ظل وجود قوات احتلال أميركية في سوريا نفسها، هو محض وهم. حزب الله يدرك أن هذه الملفات تُستخدم كأدوات للضغط عليه، بهدف نزع شرعيته وإضعافه تدريجيًا. لذلك، كان رفضه قاطعًا لأي نقاش في هذا الإطار مع المبعوثين الأميركيين، لأن أي صيغة يُراد فرضها اليوم لن تكون في مصلحة لبنان، بل ستخدم أجندات العدو الصهيوني والقوى الغربية التي تدعمه.

المقاومة: الضمانة الوحيدة للسيادة والأمن

سلاح المقاومة ليس ملكًا لحزب أو لطائفة، بل هو أمانة في يد رجال ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن لبنان وعن الأمة بأسرها. هذا السلاح هو الذي حرر الجنوب عام 2000، وأفشل المشروع التكفيري الذي هدد المنطقة، وهو اليوم يقف سدًا منيعًا في وجه العدوان الصهيوني الأميركي. إن المقاومة، بسلاحها وإرادتها، هي الضمانة الوحيدة التي تحمي لبنان من الهيمنة الخارجية، في وقت تعجز فيه الدولة عن توفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة لشعبها.

من يطالب بتسليم هذا السلاح، عليه أن يقدم ضمانات حقيقية بأن الجيش اللبناني قادر على ملء الفراغ الذي سيتركه غياب المقاومة، سواء من الناحية التسليحية أو العقائدية أو السياسية. لكن الواقع يؤكد أن الدولة، في ظل تفككها الحالي، لا تملك القدرة ولا الإرادة لتحمل هذه المسؤولية. إن تسليم السلاح في هذه الظروف لن يعزز السيادة الوطنية، بل سيفتح الباب أمام استسلام لبنان لمطالب العدو.

من يسلم سلاحه اليوم، يُسلم غدًا بيته وعِرضه

إن كل سلاح يُسحب من يد المقاومة لن يذهب إلى الشعب اللبناني، بل إلى خزائن أجهزة الاستخبارات الصهيونية والأميركية. المطلوب اليوم ليس نزع سلاح حزب الله، بل تحصينه وتطويره، ليبقى رأس حربة في مواجهة المشروع الصهيوني الغربي. أي تراجع عن هذا الخيار هو خيانة لدماء الشهداء، وخذلان لفلسطين، وتمكين للعدو في معركة كسر الإرادة.

إن المقاومة ماعادت فقط بندقية في كتف رجل، فقد أثبتت أنها هي وعي أمة، وإرادة شعب، وتضحيات أجيال. فإذا خذلت الأمة بندقيتها اليوم، فلن تجد غدًا من يحمل عنها راية التحرير.

سلاح المقاومة ليس محل تفاوض، بل هو خط أحمر بحبر الدم، لا يُمحيه توقيع ولا يلغيه بيان. إنه أمانة الأمة، وصوتها في وجه الظلم، وضمانة بقائها في زمن التحديات الكبرى.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron