كشف التصعيد الأميركي هشاشة النظام الإيراني وأعاد رسم مشهد الانتشار النووي، لكنه افتقر إلى استراتيجية طويلة الأمد وأضعف فرص إحياء الاتفاق النووي
ضربات ترمب لإيران كانت تكتيكية وغير منسجمة مع استراتيجية بعيدة المدى، وجاءت نتيجة رضوخ لأجندة نتنياهو بدل أن تُبنى على حسابات أميركية مستقلة. وبدلاً من ردع إيران، قد تدفعها هذه الضربات إلى تسريع مساعيها لامتلاك السلاح النووي، في ظل انهيار الثقة بالنظام العالمي لمنع الانتشار.
حين شنت قاذفات "بي 2" B-2 الأميركية ضربات جوية على منشآت نووية إيرانية ليلة السبت، اتضح كثير مما لم نكن نعرفه عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فهو، كما يقول وزير الخارجية البريطاني السابق ويليام هيغ في مقاله بصحيفة "تايمز"، لا يتردد في استخدام القوة العسكرية ضد دول أضعف، ويجيد الحفاظ على السرية حين يريد، لكنه يتخذ أيضاً قرارات كبرى من دون اكتراث يذكر برأي حلفائه أو حتى تقديرات أجهزته الاستخباراتية، التي سبق أن أعلنت أنه لا دليل على أن إيران تطور سلاحاً نووياً.
ويضيف هيغ أن قرار ترمب لم يكن جزءاً من استراتيجية شاملة للتعامل مع الانتشار النووي في الشرق الأوسط، بل جاء كنتيجة مباشرة لانجراره وراء أجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقد كان بوسع ترمب أن يؤخر التدخل، ويمنح المفاوضات مزيداً من الوقت، لكنه اختار خلاف ذلك، فباتت الضربات الجوية مجرد قرار تكتيكي يخدم استراتيجية نتنياهو أكثر من كونه نابعاً من حسابات ترمب الخاصة.
وعلى رغم ما حققته الضربات من "فوائد عسكرية"، بحسب وصف هيغ، كعرض للقوة الأميركية، وتوجيه رسالة ردع لأعداء آخرين، واستغلال ضعف نظام قمعي مكروه، وربما إلحاق ضرر فعلي بالقدرات النووية الإيرانية، فإنها لم تكن جزءاً من رؤية استراتيجية طويلة المدى، بل إنها تفتح الباب أمام تداعيات غير مقصودة، وهو أمر كثيراً ما ميز تدخلات الغرب في الشرق الأوسط.
النظام الإيراني اليوم في أضعف حالاته، كما يرى الكاتب. فبعد مقتل كبار قادته العسكريين والاستخباراتيين، وغياب المرشد علي خامنئي عن المشهد العام، تبدو المؤسسة الحاكمة بطيئة وعاجزة عن اتخاذ قرارات سريعة، ولم تكن قادرة حتى على تمييز اقتراب الضربات أو تعديل موقفها التفاوضي في الوقت المناسب.
وعلى رغم أن الرد الإيراني المنطقي يجب أن يقتصر على قصف إسرائيل من دون توسيع نطاق الحرب مع الولايات المتحدة، فإن نظاماً مأزوماً كهذا قد يرتكب أخطاء كارثية. ويخشى هيغ من أن تتوسع المواجهة عبر ميليشيات موالية لإيران في العراق، أو الحوثيين في اليمن، أو حتى من خلال تحركات مباشرة في مضيق هرمز.
لكن السيناريو الأرجح، حسب المقال، أن تتراجع القيادة الإيرانية إلى الداخل وتركز على البقاء، بينما ترفض عقد أي اتفاق نووي جديد. ويذكر هيغ بأن مجرد الحديث الخارجي عن "تغيير النظام" يضر بالمعارضة الإيرانية في الداخل، إذ يجعل أي صوت إصلاحي متهماً بأنه دمية في يد واشنطن.
النتيجة الأخطر لهذه الأزمة، بحسب هيغ، ليست الحرب المباشرة، بل إنها على المدى البعيد قد تجعل امتلاك إيران السلاح النووي أكثر احتمالاً من ذي قبل. فالاتفاق النووي الذي أبرم قبل 10 أعوام لم يكن ضعيفاً، بل ضرورياً، وكان الأجدر تحديثه لا نسفه. ولا أحد يعرف حالياً ما مصير 400 كغ من اليورانيوم المخصب لدى إيران، لكن من المؤكد، بحسب هيغ، أن أي قيادة إيرانية مستقبلية ستخرج باستنتاج واحد: ضرورة امتلاك القنبلة النووية لضمان البقاء.
ويحذر هيغ من أن الهجوم على إيران زعزع أيضاً أسس نظام منع الانتشار النووي العالمي. فالثقة في التزامات الولايات المتحدة باتت محل شك، وهو ما قد يدفع دولاً مثل كوريا الجنوبية للتفكير في امتلاك ترسانتها الخاصة. كذلك فإن مشروع "القبة الذهبية" الدفاعية الأميركية سيدفع دولاً أخرى إلى الإسراع بتطوير وسائل لاختراقه.
ويختتم ويليام هيغ مقاله بالتأكيد أن الضربات الأخيرة على إيران تمثل فصلاً جديداً في سلسلة التدخلات الغربية في الشرق الأوسط التي تؤدي إلى "عواقب غير مقصودة"، والتي تفضي إلى نتائج سلبية لم تكن محسوبة، مثل تقويض الاستقرار وتسريع انتشار السلاح النووي، بدلاً من تحقيق الردع أو الأمن، وبأن ما يبدو نجاحاً عسكرياً سريعاً، فإن الأرجح أن نستيقظ بعد 10 أو 20 عاماً لنكتشف أن إيران أصبحت قوة نووية بالفعل كنتيجة مباشرة للقرارات التي تتخذ الآن من دون استراتيجية طويلة الأمد.