الوثيقة | مشاهدة الموضوع - من الزبائنية إلى “الرجل القوي”.. كيف يتصدر الفائزون نتائج الانتخابات العراقية؟
تغيير حجم الخط     

من الزبائنية إلى “الرجل القوي”.. كيف يتصدر الفائزون نتائج الانتخابات العراقية؟

مشاركة » الأحد نوفمبر 16, 2025 12:26 am

قبل 20 عاما، وما أن انتهت أول انتخابات تُجرى في العراق لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان العراقي عام 2005، استقرت رؤية الناخب العراقي بشكل “مثير للاستغراب”، فكل الانتخابات الماضية وصولا إلى الأخيرة شهدت تصدر قوائم رؤساء الحكومات للنتائج، ودائما ما تكون ضمن أول ثلاثة فائزين.

توجه الناخب العراقي نحو قائمة رئيس الحكومة، الذي يصادف وجوده في كل دورة انتخابية، أثار تساؤلات كثيرة، وقد عُزي هذا الأمر لأسباب عديدة منها نفسية تتعلق بـ”الرجل القوي”، فضلا عن غياب البرامج الانتخابية الاقتصادية والاجتماعية عن الأحزاب، ما يدفع الناخب لإعادة انتخاب المسؤول “المجرب”، إضافة إلى خلق قاعدة “جمهور زبائني” من خلال التعيينات والخدمات البلدية.

شهد عام 2005 إجراء أول انتخابات برلمانية في العراق، وفيها جرى الانتخاب بناء على التوجه العقائدي والمناطقي، وروّجت القوائم المرشحة على هذا الأساس، وتدخلت في عملية الترويج مؤسسات دينية كبيرة في البلد لاستمالة الناخبين، وكانت نسبة المشاركة فيها هي الأعلى في تاريخ الانتخابات العراقية بـ 76%.

بعد تلك الانتخابات وتشكيل أول حكومة عراقية عبر البرلمان، بدأت بوصلة الانتخاب تتغير، وفيما يلي استعراض سريع لأبرز قوائم رؤساء الحكومات الفائزة بالانتخابات، باستثناء كل من عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، إذ لم يخوضا أي سباق انتخابي بعد أن أصبحا رؤساء حكومات.

انتخابات عام 2010 شهدت حلول قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة منذ انتخابات 2005، في المركز الثاني بـ 89 مقعدا، فيما تصدرت النتائج القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، الذي شغل أيضا منصب رئيس الحكومة لفترة مؤقتة.

وفي انتخابات 2014، تصدرت قائمة المالكي مجددا الانتخابات بـ 92 مقعدا، وكان في حينها رئيسا للوزراء أيضا بولايته الثانية التي نالها في انتخابات 2010.

وفي انتخابات 2018، حلت قائمة رئيس الحكومة آنذاك، حيدر العبادي، الذي شغل منصبه منذ 2014، في المركز الثالث ضمن أول ثلاثة فائزين بـ 42 مقعدا.

أما انتخابات 2021، فلم تشهد مشاركة رئيس حكومة، إذ كان مصطفى الكاظمي يشغل المنصب ولم يترشح بأي قائمة، وقد تصدرت نتائجها قوائم التيار الصدري بـ 73 مقعدا، وحزب تقدم المرتبط برئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي بـ 37 مقعدا، وائتلاف دولة القانون بـ 33 مقعدا.

وفي انتخابات 2025، التي جرت قبل أيام، فقد تصدر ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، وهو رئيس الحكومة منذ انتخابات 2021، عدد المقاعد بـ 46 مقعدا حسب النتائج الأولية.

جمهور “زبائني”

وحول تصدر قائمة رئيس الحكومة في كل انتخابات، يعلل المحلل السياسي المقيم في واشنطن رمضان البدران هذا الأمر بوجود “شلل” في العلاقة بين المواطن والسلطة التشريعية، ما أدى إلى عدم وجود تفاعل بين الطرفين، على عكس السلطة التنفيذية المتمثلة برئيس مجلس الوزراء.

فالسلطة التنفيذية بات دورها على تماس مباشر مع المواطن، وخاصة في الجانب الخدمي، كما يؤكد البدران.

لكن هذا التماس المباشر حوّل دور السلطة التنفيذية إلى التركيز على الخدمات البلدية، وهذا من وجهة نظر البدران “تشوه في النظام”، لأن رئيس الحكومة ليست مهمته توفير خدمات بلدية، بل مهامه أبعد وأشمل وتتضمن توفير بيئة آمنة وفرص عمل للقطاع الخاص وجلب الاستثمارات وإدارة الدولة.

ويؤكد البدران أن رؤساء الحكومات اتجهوا لتوفير الخدمات والتعيينات، وهذا أسس لجمهور زبائني يعتمد على منح ثقته بناء على ما يحصل عليه من خدمات مباشرة.

وما يجري أدى بالنتيجة إلى ضمور وظائف السلطة وتلاشي دورها، سواء التشريعية أو التنفيذية، كما دفع بالمسؤولين إلى التوجه لمناطق الكثافة السكانية ومراكز المدن لضمان أكبر عدد من الأصوات، مع إهمال كبير للأرياف والقرى، كما يختم البدران حديثه.

البعد النفسي

وحول توجه الناخب لرئيس الحكومة في كل انتخابات، يؤكد الباحث الاجتماعي والنفسي ولي الخفاجي أن الشخصية العراقية تميل إلى السلطة القوية.

ويخوض بشكل مفصل: “شخصية الفرد العراقي نابعة من البيئة الاجتماعية والظروف المحيطة بها، فالثقافة العامة دائما مأخوذة من الظروف التي مر بها العراق، وهي عبارة عن انقلابات سياسية وبطش. فطيلة العقود الماضية لم تنتقل السلطة بشكل سلمي، بل عبر الدماء، لذلك تحولت هذه الشخصية إلى الاعتقاد بأن البطل هو القوي، وهو الذي يحكم البلد من دون مشاركة. وحتى ثقافتنا في الأناشيد وغيرها تتغنى بالقوي وتمجده”.

وعن الانتخابات الأخيرة، فهي حققت هدف الشخصية العراقية، كما يصف الخفاجي، وذلك عبر ذهاب الناخب مع “السلطة القوية”، كما أنه لا ينتخب شخصا لم يجربه، لذلك دائما ما يقول العراقيون إنهم لا يجازفون، وضُربت أمثال بهذا الأمر مثل (الشين التعرفه أحسن من الزين ما تعرفه)، بمعنى أن السيئ الذي تعرفه أفضل من الجيد الذي لا تعرفه.

وبشأن المثل الشعبي أعلاه، يصفه الخفاجي بأنه “خطير”، بمعنى أن العراقيين يرغبون القاسي، ويرون أنه أفضل من شخص مجهول قد يصل إلى المنصب.

ويرجع كل ذلك إلى “عدم الثقة بين الجمهور والسلطة”، مبينا أن “الشعب لا يثق بالحكومة ولكنه ينتخبها، وبناء على ما تقدم فهو يحاول أن يحتمي بهذه القوة رغم عدم ثقته بها”.

غياب البرامج

ولكل ما تقدم، يضيف المحلل السياسي غازي فيصل، وهو دبلوماسي عراقي سابق، أن غياب البرامج الانتخابية ساهم بتوجه الناخب نحو شخص من بيئته، وبناء على المذهب أو العقيدة أو العرق.

وبحسب حديث فيصل، فإن ما يجري تتحمله الأحزاب السياسية التي لم تقدم أي برامج حقيقية، مثل معالجة البطالة والمناخ والاقتصاد وفرص العمل، فهذه كلها مفقودة خلال الحملات الدعائية قبل الانتخابات.

الناخب في ظل غياب البرامج يتجه لانتخاب شخص قريب عليه دينيا أو مذهبيا، فضلا عن أن الناخب العراقي يسعى للمس منجز معين. فمثلا السوداني كان وزيرا مغمورا لا أحد يعرفه، وبعد تسنمه رئاسة الوزراء وترشحه الآن جرى انتخابه لأن المواطن وجد أنه قدم منجزات على أرض الواقع على صعيد الخدمات وافتتح مشاريع، وهذا سببه يعود للنقطة الأولى، وهو غياب البرامج من الأحزاب، ما يدفع المواطن لانتخاب الذي يراه يقدم منجزا، وفقا لفيصل.

ويؤكد أن “الناخب يشاهد أن هذا الشخص أفضل من الآخر بناء على ما قدمه، ويفاضل بينهم، وفي حال عدم وجود منجز فإنه سيتجه للانتخاب على أساس مناطقي ومذهبي وعرقي”.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات