بغداد ـ «القدس العربي»: كشفت وسائل إعلام حكومية، أمس الإثنين، بنود الاتفاقية الأخيرة المُبرمة بين العراق وتركيا، لإدارة ملف المياه واستصلاح الأراضي الزراعية العراقية، نافية في الوقت عينه الأنباء التي تحدثت عن تنازل بغداد لديون بذمة أنقرة مقابل إبرام الاتفاق.
ووفق نص الاتفاقية «سبق وأن تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، آخرها اتفاقية التفاهم في مجال المياه عام 2014 الموقعة بين وزارة الموارد المائية ووزارة الغابات وشؤون المياه التركية والتي دخلت حيز التنفيذ رسمياً في عام 2021، إلا إنها واجهت العديد من التحديات حالت دون تنفيذ معظم بنودها».
تحديات
تلك التحديات «جرى تدارسها ومراجعتها مع الجهات المعنية من الجانب التركي، وتم التوصل إلى توقيع الاتفاق الإطاري للتعاون في مجال المياه بين العراق وتركيا عند زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للعراق ما شكل انعطافة في مسار العلاقات بين البلدين في مختلف القطاعات أهمها ملف المياه».
وارتكز هذا المسار على «التشارك والتكامل في مواجهة الشح المائية في المنطقة والتعاون الجاد في مجال تحسين إدارة المياه في العراق وتحسين نوعيتها واستصلاح الأراضي نتيجة التأثر بالتغيرات المناخية».
ووفق النص المنشور فإن «المناقشات بين الجانبين استمرت لأكثر من سنة للتوصل إلى آلية مناسبة تساعد على تنفيذ الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة بشأن قطاع المياه، وتم توقيع الآلية الخاصة بتنفيذ إطار التعاون في مجال المياه، والتي اشتملت على منهجية عمل لتنفيذ مشاريع استراتيجية مهمة في قطاع المياه ترتكز على المشاريع التي ترشحها الجهات الحكومية (وزارة الموارد المائية، وزارة الإعمار والإسكان والبلديات، المحافظات، أي جهة حكومية أخرى)».
وتشمل المشاريع «تحسين نوعية المياه وإيقاف تلويث مياه الأنهار، وتطوير أساليب الري واستخدام تقنيات الري الحديثة، واستصلاح الأراضي الزراعية، وحوكمة إدارة المياه في العراق وترشيد استخدامها».
ونصّت الاتفاقية على 5 مبادئ أساسية تؤكد على أن «يقوم فريق استشاري من البلدين بتحديد مشاريع المياه المطلوبة وأولويتها، وذلك بناء على طلبات الجهات المعنية في العراق».
كما شددت على أن «تعلن الجهات العراقية المعنية عن المشاريع المطلوب تنفيذها للتنافس بين الشركات التركية ليتم اختيار الشركة المختصة والمؤهلة لتنفيذ أي مشروع، وفقاً للإجراءات الأصولية المتبعة لديها في إحالة المشاريع وبمشاركة الشركات المحلية العراقية المؤهلة، على أن قرار تمويل المشاريع ترفعه لجنة مختصة من وزارة المالية والتخطيط والجهات المعنية ويصادق عليه مجلس الوزراء، وإن اللجنة ذاتها تراقب الأهداف الواردة في الاتفاق الإطاري ومستوى التقدم المحرز، وكذلك ترفع تقريرها لمجموعة التخطيط المشترك في وزارة الخارجية والتي تتابع تنفيذ الاتفاقيات الأخرى».
    بتمويل من عائدات النفط… ونفى التنازل عن ديون بذمة أنقرة
وأشارت إلى أنه «يتم تمويل هذه المشروعات وفقاً لسياقات وزارة المالية العراقية ومن حساب ينشأ من بيع كميات النفط الخام التي تحدد بقرار من مجلس الوزراء، ووفقاً لسعر النشرة العالمية للنفط العراقي المباع للشركة التركية التي يجب أن تكون مقبولة لدى شركة تسويق النفط العراقي، وقد تم تضمين الآلية شرطاً بحيث إذا تمت إعادة بيع النفط العراقي خارج جمهورية تركيا وفي السوق الأوروبية فقط، تكون حصة العراق (65٪) من الفائدة المتحققة من إعادة بيع النفط بأعلى من سعر النشرة العالمية»، على أن «تكون آليات بيع النفط للشركات التركية وفقاً للسياقات المعمول بها لدى شركة تسوق النفط العراقية»، وأن «تكون هذه الآلية سارية المفعول بسريان الاتفاق بشأن المياه».
في مقابل ذلك، انتقد الخبير الاقتصادي، زياد الهاشمي، تفويت الحكومات العراقية المتعاقبة فرصة على العراق لحل أزمة المياه مع تركيا بتكلفة أقل من الصفقة الأخيرة.
وأفاد في إيضاح له بأن «عقدة المياه التي أهملت الحكومات العراقية السابقة حلها مع تركيا باتفاقيات رابحة، عادت اليوم الحكومة العراقية للقبول باتفاقية عالية الكلفة على العراق».
وأضاف: «بين عامي 2009 و2010 تمكنت بعض الأطراف الرسمية العراقية في التوصل لاتفاق مبدئي مع الرئيس التركي لحل مشكلة حصص العراق المائية مقابل بعض الترتيبات الاقتصادية المفيدة للطرفين»، مبيناً أن «مسودة تلك الاتفاقية كانت تقضي بالتزام تركيا بزيادة تدفقات المياه بمعدلات كافية ومستمرة نحو العراق، مقابل ان يدعو العراق الشركات الزراعية التركية للعمل في مناطق وسط وجنوب العراق للمساهمة في استصلاح الأراضي الزراعية والاستفادة من تدفقات المياه في تطوير إدارة المياه وانظمة الري والانتاج الزراعي باستخدام أحدث الطرق».
وأشار إلى أن «فائدة العراق من هذا الاتفاق إضافة لزيادة تدفقات المياه، هي في زيادة المساحات الزراعية وزيادة إنتاج المحاصيل للاستهلاك المحلي والتصدير، وتوظيف آلاف الشباب وتدريبهم على أساليب الزراعة الحديثة، وتحقيق عوائد مالية كبيرة لخزينة الحكومة».
أما فائدة تركيا من هذه الاتفاقية، حسب حديث الهاشمي، فكانت «دعم شركاتها الوطنية في توسيع أعمالها إقليمياً مما يساهم في دعم الاقتصاد التركي بعوائد مالية تنتج من نشاط تلك الشركات».
وذكر أيضاً أنه «من خلال هذا الاتفاقية الرابحة لكلا البلدين، كان يمكن التوصل لحل مستدام لمشكلة المياه، تخلص العراق من الأزمات المائية التي تأثر فيها خلال السنوات الماضية وحتى اليوم، لكن ما حدث في حينها كان صادماً، فقد رفض رئيس الحكومة العراقية في حينها (وبنظرة ضيقة) المضي قدماً بهذه الاتفاقية وأهمل ملف حل مشكلة المياه، ورفض كافة المحاولات من بعض الأطراف للدخول في شراكة استراتيجية مائية/ زراعية مع الأتراك، بحجة ان هذه الاتفاقية ستكون إنجازاً اقتصادياً لأحد الأطراف السياسية يمكن ان يستفيد منها في انتخابات 2010».
وأوضح أن «تلك الحكومة ضيعت على العراق فرصة ذهبية لحل عقدة المياه، لتضطر اليوم حكومة عراقية أخرى، وبعد مضي أكثر من 15 سنة للتوقيع على اتفاقية غير مضمونة وذات كلفة أعلى بكثير من اتفاقية 2010، تم فيها إدخال التجارة والنفط والديون كثمن إضافي لإقناع الاتراك بزيادة تدفقات المياه».
وختم الهاشمي حديثه بالقول إن «قصة المياه في العراق، هي واحدة من عشرات القصص التي لا تنتهي والتي تحكي واقع العراق وتصف بوضوح حالة الحكم وصناعة القرار فيه، وكيف أن ضيق الأفق والعداوة السياسية والمواقف الفردية يمكن أن تقود لقرارات كارثية تضيع الكثير من الفرص والحلول على العراق».
غير أن المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، نفى صحة ما تردد بشأن تنازل العراق عن ديونه مقابل توقيع اتفاقية المياه مع تركيا.
وذكر للمحطّة الحكومية أن «الاتفاقية مع تركيا لا تتضمن أي بنود تتعلق بإسقاط الديون، وإنما تركز على التعاون الفني والاستراتيجي في مجال إدارة الموارد المائية»، مبيناً إن «الاتفاقية تشمل حزمة من المشاريع المشتركة، من بينها إنشاء السدود والبحيرات، إلى جانب إعداد دراسة ومسح شامل لواقع المياه في العراق».
وأشار إلى أن «جميع الجهات المعنية بالمياه في العراق وتركيا ستشكل لجنتين تتولى تقديم مقترحات بالمشاريع التي يمكن تنفيذها ضمن الاتفاقية»، موضحاً أن «اللجان ستعمل على تحديد احتياجات العراق الفعلية من السدود والمشاريع المائية لضمان إدارة أفضل للموارد المتاحة».
ووفق المتحدث الحكومي فإن «ما تم توقيعه هو آلية لتنفيذ اتفاقيتين سابقتين، الأولى اتفاقية تفاهم موقعة عام 2014 في الحكومات السابقة، والثانية الاتفاقية الإطارية التي وقعها الرئيس التركي خلال زيارته إلى بغداد في 22 نيسان (أبريل) 2024»، مشدداً على أن «الاتفاقيات لا ترتبط بالديون أو أي مسائل مالية أخرى».
وأوضح العوادي أن «هذه الاتفاقيات تهدف إلى تنفيذ حزمة كبيرة من المشاريع المشتركة بين العراق وتركيا في مجال المياه، تشمل بناء سدود متوسطة وصغيرة الحجم ومشاريع تبطين الأنهار لمسافات طويلة وإنشاء بحيرات مائية وتحويل مياه الأمطار إلى الأنهار وإدارة فروع الأنهار وفتح جديدة»، مؤكداً، أن «المشروع كبير ويحتاج إلى تخطيط وتمويل دقيق».
وأشار إلى أن «تركيا تمتلك خبرات واسعة وتجارب فريدة في إدارة المياه وبناء السدود العملاقة، وهو ما يجعل التعاون معها ضرورة لضمان تنفيذ المشاريع بكفاءة واستدامة».
وأضاف أن «جميع الجهات المعنية بالمياه في العراق وتركيا ستشارك في إعداد مقترحات المشاريع»، مشيراً إلى أن «هناك مسوحاً دقيقة لواقع المياه في العراق ومسحاً للجانب التركي أيضاً ستستخدم كأساس لتحديد الاحتياجات وتطبيق الحلول المناسبة، بما في ذلك تحديد المناطق التي تحتاج إلى بناء سدود أو تنفيذ مشاريع مائية أخرى لضمان إدارة مستدامة للموارد المائية ومنع تكرار شح المياه كما حصل في السنوات السابقة».
لا تنازلات
وأكد العوادي أن «الاتفاقية الموقعة لا تتضمن أي تنازل عن ديون العراق»، مشدداً على أن «ما تم الاتفاق عليه هو آلية محاسبية وقانونية لآلية تمويل المشاريع المستقبلية»، معتبراً أن «هذه الآلية ستتيح بدء الإجراءات القانونية خلال أسابيع قليلة، ليتم البدء بتنفيذ المشاريع في أقرب وقت ممكن».
كما رأى أن «الاتفاقية تضع إطاراً ملزماً للطرفين، لتنفيذ المشاريع، ولن تكون قابلة للتغيير إلا باتفاق مشترك بين البلدين»، مؤكداً أن «هذه الاتفاقيات تحمل أهمية استراتيجية كبرى للحكومة العراقية في تحسين واقع المياه وإدارة الموارد المائية بشكل مستدام».