في عمق هذه الحادثة، تبرز الأسئلة الاستراتيجية: من أرسل القصاصة؟ هل كانت تعليمات من كتل سياسية كبرى أم قادة فصائل مسلحة تسيطر على المؤسسات الأمنية؟ وكيف يمكن لنظام انتخابي يدعي الديمقراطية أن يتحمل مثل هذه التبعية الخفية؟ الرأي العام، الذي يتابع هذه الأحداث عبر الشاشات، يواجه الآن دليلاً مادياً على غياب السيادة الحقيقية، مما يعزز الشكوك حول مدى شفافية ونزاهة الانتخابات المقبلة. لان مثل هذه الحوادث وغيرها قد تؤدي إلى انخفاض مشاركة الناخبين أو تصعيد التوترات في الشارع وكما حدث ويحدث في محافظة البصرة قبل أيام حيث خرجت مظاهرات في منطقتي التميمية والحيانية، بعدما تفاجأ السكان بتلوث مياه الشرب داخل منازلهم بالمياه المالحة، مشددين على ضرورة إصلاحات جذرية في آليات الشفافية والرقابة على الجهات غير المنتخبة. هذه “القصاصة” ليست نهاية القصة التي تروى قبل النوم ، بل أصبحت معها بداية نقاش وحوار أوسع حول إعادة بناء دولة حقيقية بعيداً عن أطياف أشباح “الدولة العميقة” لأن في زمن الانتخابات، يصبح على الإعلام والمجتمع المدني واجب الكشف عن هذه الأشباح ليس فقط بالقراءة عليها بل باصطيادها ، وقبل أن تبتلع المزيد من الآمال المستقبل , شخصية السيد “علاوي”، المعروف عنه بأنه شخصية هادئ ومسالم ومتسامح إلى حد اللامعقول، وبناءً على متابعتي له منذ توليه وزارة الاتصالات . حيث كتبت في حينها عدة مقالات تسانده في صراعه مع الدولة العميقة ولاني اعرفه ليس بصفة شخصية ولكن عن طريق طرف ثالث كان معه منذ أيام المعارضة في العاصمة البريطانية /لندن ولكن هذا السلوك يثبت لنا عكس ذلك لأنه ليس مجرد كبوة، بل دليل قاطع على عدم صلاحيته للدخول في سباق السبعة المرشحين لرئاسة الوزراء، بغض النظر عن نتائج الانتخابات أو مقاعد الكتل . ومما يعمق وجهة نظرنا ـ هو حالة التردد الواضحة لدى السيد “علاوي”، التي انكشفت في لحظة القصاصة: تردد يعكس عدم يقيناً عميقاً، شكاً في الذات، وصعوبة اتخاذ قرارات حاسمة. هذه الحالة –التي غالباً ما ترتبط بالخوف من النتائج السلبية، والقلق المفرط– تظهر في التأجيل المستمر، التحليل المفرط للخيارات، الاعتماد على الآخرين، والشلل التام في اتخاذ القرارات الحاسمة اللحظية أمام الضغوط الخفية . وفي سياق سياسي معقد كالعراق، يصبح التردد هذا قنبلة موقوتة: يمنعه من مواجهة الأسئلة المهنية، ويجعله عرضة للتلاعب، مما يفقده القدرة على قيادة حكومة تواجه تحديات حقيقية مثل الفساد المالي والاداري والأمن المفقود والاغتيالات المرشحين والسياسيين كما حدث قبل ساعات من اغتيال المرشح “صفاء المشهداني” عضو محافظة بغداد بعبوة ناسفة ومن حيث يتجمد الفرد أمام الخيارات، مما يؤدي إلى خسائر استراتيجية فورية –كما حدث في الانسحاب– وفقدان دعم الناخبين الذين يبحثون عن قائد حاسم لا تابعاً متردداً . في اجتهادي الشخصي –وإن أخطأت فله أجر واحد، كما في الحديث النبوي– فإن السيد “علاوي” غير صالح لرئاسة الوزراء؛ شخصيته الهادئة الخجولة المفرطة في التسامح، مقترنة بالتردد، ستجعله فريسة سهلة في غابة ضباع السياسة العراقية، وإنه يؤكد وجود “غرفة عمليات خلفية” تتحكم في أدق تفاصيل المشهد العام، وتوجه اللاعبين السياسيين ويبقى السؤال الاستباقي الجوهري هنا : إذا كان هذا هو حجم الضغط العلني مرشح محتمل لرئاسة الوزراء، فما مصير رئيس وزراء فعلي يجلس على كرسي الحكم؟ الإجابة واضحة: سيكون في خضم صراع ولعبة أكبر، تُدار منه الوزارات والمؤسسات عبر “قصاصات ورق” تُحدد التعيينات والمشاريع والسياسات. والرسالة الموجهة للناخب وأن كانت غير مرئية للجميع ولكن المتابع عن كثب سوف يفسرها بانها كانت مدوية وبمعنى آخر أكثر تفصيلا يقصد بها: “اصرفوا نظركم عن الشعارات، فالقرار الفعلي لا يتخذ في صناديق الاقتراع، ولا في الأستوديوهات والبرامج الحوارية ، بل في تلك الغرف المغلقة التي تدار من قبل الدولة العميقة “. مما يفسر لنا وبصورة ادق واوسع , بان هذه الحادثة يستبعد معها أي احتمال لقيام حكومة تكنوقراط كفؤة ومستقلة ونزيهة وشفافة وحيادية، ولكنه بالتأكيد سوف يؤسس معه وبصورة مستمرة لا لبس فيها أو تأويل للاستمرار بنهج ونموذج المحاصصة الطائفية والحزبية والمنافع الشخصية وعلى حساب المصلحة العامة للمجتمع الذي أصبح بالدرك الأسفل في سلم اهتمامات “الدولة العميقة” وهذه الحالة ليست ضعفًا شخصيًا لأي سياسي أو وزير أو برلماني ، بل هي نتاج طبيعي وانعكاس الصورة الحقيقية للعمل بين السلطة الظاهرية والسلطة الفعلية داخل نظام سياسي مزدوج يتمثل بحالتين لا ثالث لهما : نظام ظاهري دستوري برلماني تعددي ، ونظام باطني تحكمه الدولة العميقة التي تتميز بالولاءات والتبعيات الداخلية والخارجية .
وهذا لا يعكس فقط مفاجأته بمحتواها، بل يؤكد حالة التردد الهيكلية التي يعيشها. إنه تردد نابع من الازدواجية بين الصورة التي يريد تقديمها (السياسي المستقل الهادئ) والواقع الذي يفرضه عليه المنظومة التابع المنفذ ” الدولة العميقة” . هذه الحالة ليست ضعفًا شخصيًا لأي سياسي أو وزير أو برلماني ، بل هي نتاج طبيعي وانعكاس الصورة الحقيقية للعمل بين السلطة الظاهرية والسلطة الفعلية داخل نظام سياسي مزدوج يتمثل بحالتين لا ثالث لهما : نظام ظاهري دستوري برلماني تعددي ، ونظام باطني عصبوي تحكمه الدولة العميقة التي تتميز بالولاءات والتبعيات الداخلية والخارجية . إن الاستشراف المستقبلي لسيناريو عن كيفية تحكم “حكومة القصاصات الورقية ” وبناءً على هذه الواقعة، يمكن استشراف سيناريو كارثي في حال تسنم شخصية ذات نفسية مماثلة – أو أضعف – لمنصب رئيس الوزراء العراقي وعلى سبيل المثال وليس الحصر :
السيطرة الكاملة على المؤسسات السيادية: ستكون “قصاصات” قادة الكتل والفصائل المسلحة هي التي تحدد وزراء الدفاع والداخلية والمالية، مما يعني تحويل المؤسسة العسكرية والأمنية إلى ميليشيات حزبية طائفية، وإدارة الاقتصاد لخدمة مشاريع الفساد الكبرى.
شلل صنع القرار: أي قرار إستراتيجي، من الموازنة العامة إلى العلاقات الدولية، سيرهَن لموافقة تلك “الجهات العليا”. ستتحول رئاسة الوزراء إلى ديكور فاخر لإضفاء الشرعية على قرارات تُتخذ خارجها.
تفجير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية: في ظل “حكومة القصاصات”، ستُخصخص الدولة لصالح مشاريع المحاصصة، وسيتم تجويف الخدمات وتفكيك البنى التحتية لتمويل ميليشيات الفساد، مما سيدفع بالشارع إلى حافة الانفجار الذي لن تستطيع أي قوة أمنية – هي نفسها جزء من المشكلة – احتوائه.
في حادثة السيد “علاوي” ليست عن شخصية “علاوي” نفسه، بل هي في حقيقة الأمر كانت تشريح عميق لطبيعة وفهم الدولة العراقية. لأنها قد كشف لنا الستار عن أن “اللعبة الانتخابية السياسية” مزورة من أساسها. ولقد أظهرت بمنتهى الوضوح والقسوة ولذلك، فإن قولنا بعدم أهليته لرئاسة الوزراء ليس انتقادًا له أو لشخصه الكريم، بل هو في الأساس إدانة للنظام السياسي والذي يرضخ بالتبعية لجهات خارجية وداخلية ينتج مثل هذه النماذج ويقدمها كبدائل وهمية. الناخب العراقي الذي شاهد المشهد لم يعد يسأل عن برنامج السيد “علاوي” الانتخابي، بل أصبح يسأل عن هوية من همسوا في أذنه، وعن مصير دولة يُختزل مستقبلها في “قصاصة ورق”. وفي أعقاب هذا المشهد المثير للجدل الذي شاهده ملايين المواطنين العراقيين عبر شاشات برنامج “9 إلا 10″، وبمعنى آخر أكثر وضوحا فلم يعد الناخب الواعي يهتم بتفاصيل برنامج قائمة “المنقذون” الانتخابي المعلن. وبدلاً من ذلك، تحولت الأنظار والأسئلة الملحة إلى هوية “الأشباح” التي همست في أذنه، ودورها في فرض الانسحاب الفجائي . هذا الحدث يلخص مأساة دولة كالعراق، حيث يُختزل مستقبلها السياسي والاقتصادي في مجرد “قصاصة ورق” تمرر علناً أمام أعين الرأي العام، ومما يثير تساؤلات عميقة حول سيادة القرار ونزاهة العملية الانتخابية. فهل ستبقى هذه “القصاصة الورقية” رمزاً للدولة العميقة وسيطرتها على المجتمع ، وتخديرهم بمقولة ” عبد الزهرة لن يخدم عمر مرة ثانية ” أم ستكون شرارة لثورة شعبية على التحكم الخفي بالمجتمع ومن خلف الكواليس ؟
sabahalbaghdadi@gmail.com
(*) برأينا هناك ملفين مهمين ما يزال يثير اللغط والأقاويل حوله وكان له الدور الأبرز السيد “علاوي” وبحكم رئاسته لوزارة الاتصالات قد حاول جاهدا أن يضع العراق في سلم أولوياته , ولكن الدولة العميقة لن تسمح له بأن يستمر وزير اتهمته بالفساد المالي والإداري ومع أن القضاء العراقي قد برئه من جميع التهم الكيدية التي لفقت له وما يزال يثير هذين الملفين الكثير من علامات الاستفهام وهما الموجودين في صفحته الشخصية :
الملف الأول : ” عندما كشف عن مؤامرة من قبل بعض المسؤولين في وزارة الاتصالات في التنازل عن حق العراق بالحصول على مداره الخاص لقمره الصناعي لصالح إسرائيل بمبلغ مليون دولار.
الملف الثاني: أفشال مشروعه الأمني: طرح مشروعاً امنياً متكاملاً لحماية مدينة بغداد والمدن المهمة من التفجيرات الإرهابية وحماية الحدود العراقية السورية من دخول الإرهابيين من الأراضي السورية إلى العراق في جلسة مجلس الوزراء في بداية عام 2007، ومن خلال شركات عالمية رصينة متخصصة بهذا المجال.
(1)