الوثيقة | مشاهدة الموضوع - العراق: «مكافحة الفساد» كآلية لاستمراره : ايلي عبدو
تغيير حجم الخط     

العراق: «مكافحة الفساد» كآلية لاستمراره : ايلي عبدو

مشاركة » الخميس ديسمبر 01, 2022 1:16 pm

14.jpg
 
ظهر رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في مؤتمر صحافي، محاطا بـ182.7 مليار دينار عراقي (أكثر من 125 مليون دولار)، وهو المبلغ الذي جرى استرداده، كـ«دفعة أولى» من أصل تريليون و681 مليار و270 مليون دينار (الدولار يقابل ألفاً و480 ديناراً)، نُهبت، ضمن ما باتت تعرف محلياً بـ»سرقة القرن»، المتعلقة بأمانات الضرائب.
لكن السوداني، الذي ذكر، في مؤتمره، أسماء موظفين صغار، تورطوا في عملية الفساد هذه، تجنب، الحديث عن متورطين آخرين، حيث لمّحت صحيفة «فايننشال تايمز»، إلى الميليشيات، التي دعمت رئيس الحكومة الحالي، للوصول الى منصبه.
وإغفال المتورطين الكبار، أي داعمي السوداني، يكشف لأي درجة، مسألة «مكافحة الفساد» في العراق يشوبها الكثير من الزيف والتضليل وتوظف لأغراض سياسية، بحيث ينجو الفاعل الحقيقي بفعلته ويقدم الصغار كقرابين، للاستهلاك الإعلامي.

 ارتباط آلية الفساد باستمرار الأحزاب يجعل مكافحته أداة من أدوات المنافسة على السلطة وتسجيل نقاط على الخصم ما يحوّل «مكافحة الفساد» إلى فساد مضاعف

القوى الشيعية الموالية لإيران (الإطار التنسيقي)، التي أوصلت السوداني الى منصبه، بعد تأمين غطاء سني وكردي، تعرف جيداً، أن خصمها مقتدى الصدر، الذي ربح الانتخابات ولم تمكنه من الحكم، يراهن على فشل الحكومة الجديدة، ما يجدد التظاهرات، ويدفع البلاد لانتخابات جديدة، يحصل فيها الصدريون على مقاعد تزيد عن تلك التي حصدوها في الانتخابات الأخيرة، وتعزز شروطهم التفاوضية، من دون امتلاك أي ضمانات أن لا يتكرر سيناريو العام الماضي، بمنع الرابح من الحكم.
خشية «الإطار» من رهانات الصدر، هي ما تدفعه، لاستخدام مسألة «مكافحة الفساد». فهذه الأخيرة، واحدة من العناوين التي غالبا ما يستخدمها الصدر، بشكل شعبوي لتعبئة أتباعه، عدا عن كونها، إحدى القضايا التي دفعت ثوار تشرين للنزول إلى الشوارع وخلق رأي عام ناقم على الطبقة السياسية الحاكمة منذ سقوط نظام صدام حسين. وعليه، «الإطار» يسعى لتوقي رهانات الصدر، وفي الوقت نفسه، تقديم رشوة للشارع الغاضب والفاقد الثقة بالسلطة.
التسيس المزدوج، لمسألة «محاربة الفساد»، لناحية سحب هذه الورقة من الصدر، واستخدامها لمحاولة تعويم قوى «الإطار» ممثلا بالسوداني، عند معارضي السلطة والناقمين عليها، يكشف لأي درجة بات هذا الملف عرضة للاستثمار السياسي، بين قوى، علّة وجودها الرئيسية، الفساد. فالأحزاب المتنافسة على السلطة التي، في غالبيتها، تملك أذرعا عسكرية، لديها لجان اقتصادية يُزرع أعضاؤها في وزارات الدولة للحصول على منافع وعمولات، حسب ما كشفت اللجنة العليا للتحقيق بقضايا الفساد، برئاسة الفريق في وزارة الداخلية أحمد أبو رغيف، والذي منحه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، صلاحيات واسعة، عدا عن تقارير تحدثت عن السيطرة على معابر حدودية ومرافق حكومية.
والغنائم المسلوبة من مؤسسات الدولة، توزع على أنصار الأحزاب – الميليشيات، الذين يُستخدمون كناخبين في السلام النسبي، أو مقاتلين في الحروب، لتكتمل بذلك دائرة الزبائنية السياسية. أي أن الأحزاب الداعمة لـ»بطل» استعراضية استرداد جزء من أموال «صفقة القرن»، أو المعارضة له، هي المستفيدة من الفساد، لتضمن استمرارها، وتزيد عدد مناصريها.
ارتباط آلية الفساد باستمرار الأحزاب، يجعل مكافحته أداة من أدوات المنافسة على السلطة، وتسجيل نقاط على الخصم، ما يحوّل «مكافحة الفساد» إلى فساد مضاعف، مرة بارتكابه، وأخرى، بتزييف مكافحته، إذ المطلوب ليس اعتقال شبكات مدعومة حزبية، بل موظفين صغار، وصناعة استعراض إعلامي لاستخدامه سياسيا.
كل ذلك، يؤكد أن «محاربة الفساد» الجدية، لا تستقيم ما لم يتم ربطها بإشكالية الدولة – الميليشيا، وتغول الثانية على الأولى، واستيلائها على قرارها ومقدراتها. كلما جرى الفصل بين الإثنين انخفض منسوب الفساد، وكلما تطابقا أكثر زاد الفساد. هذه هي المعادلة الصعبة. ما لم نبدأ من هنا سنظل نشاهد السوداني محاطا بأكداس الأموال المستردة، عبر صور التقطها مصوره معدوم الموهبة، فيما الفساد يتجذر أكثر في العراق.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات