تريد وزارة الدفاع الأميركية طائرات استطلاع قادرة على اختراق المجال الجوي المحظور وجمع المعلومات الاستخبارية والخروج قبل الكشف
تسعى بعض الدول إلى بناء جيل جديد من الطائرات الأسرع من الصوت (ويكيبيديا)
بعد أكثر من 25 عاماً من تقاعد طائرة الاستطلاع الأميركية البعيدة المدى "إس آر-71 بلاك بيرد" التي كانت الأسرع في العالم، بسرعة ناهزت 3530 كيلومتراً في الساعة، مما جعلها خارج نطاق عمل الصواريخ الأرضية المضادة الطائرات، تسعى بعض الدول جاهدة إلى بناء جيل جديد من الطائرات الأسرع من الصوت، والتي قد تحلق يوماً ما بسرعة تبلغ 10 ماخ (12350 كيلومتراً في الساعة) أو ربما أسرع.
ويتمثل جوهر هذا الجهد في التطور التكنولوجي الناتج من محركات "سكرامجت" التي تعمل بالهيدروجين، وهي محركات ذات احتراق فوق صوتي تعمل في سرعات تبدأ من خمسة ماخ (6175 كيلومتراً في الساعة) ، وقد تعطي المقاتلات مستقبلاً القدرة على قطع المسافة بين واشنطن وبكين والتي تساوي نحو 10 آلاف كيلومتر بسرعة قياسية.
ويشار إلى أن الماخ هو مقياس للسرعة يعتمد على سرعة الصوت، وعندما نقول إن مقاتلة تحلق بسرعة ماخ واحد فهذا يعني أنها تسير بسرعة تساوي سرعة الصوت، والتي تبلغ تقريباً 1235 كيلومتراً في الساعة عند مستوى سطح البحر.
طائرة هيدروجينيةأصبح البحث عن طائرة تفوق سرعتها سرعة الصوت سباقاً عالمياً مدفوعاً بالمنافسة نفسها بين القوى العظمى التي تشكل جزءاً كبيراً من ابتكارات الدفاع اليوم، ولا تقتصر الموجة الأخيرة من البحوث على كبار المقاولين العسكريين، إذ تسعى مجموعة متنامية من الشركات الناشئة في مجال الطيران والفضاء إلى مواجهة التحديات الهائلة للدفع بسرعات تفوق سرعة الصوت، من خلال استخدام الوقود المستدام وتقنيات التصنيع المتقدمة، ومن بين هذه الشركات شركة الفضاء الأسترالية "هايبرسونيكس لونش سيستمز"، وهي شركة تطور طائرات بمحركات "سكرامجت" تعمل بالهيدروجين، وليست مخصصة للأنظمة العسكرية غير المأهولة وحسب بل هدفها أيضاً في نهاية المطاف اقتحام عالم سفر الركاب المدنيين.
ويتماشى عمل الشركة الأسترالية بصورة وثيقة مع أولويات الدفاع الأميركية، وتتعاون اليوم مع "وكالة الفضاء الأميركية" (ناسا) ووحدة الابتكار الدفاعي الأميركية وشركة "كراتوس" الأميركية للمقاولات الدفاعية، لبناء طائرات تجريبية تفوق سرعة الصوت قادرة على الطيران المستدام بسرعة خمسة ماخ فما فوق.
ومن المقرر أن تجري طائرة " DART AE" التجريبية والمجهزة بمحرك "سبارتان سكرامجت" رحلة تجريبية من منشأة "والوبس" للطيران التابعة لـ "ناسا"، وفي حال نجاحها ستمثل أول رحلة فرط صوتية مستدامة باستخدام الهيدروجين الأخضر، وهي نقطة إثبات طال انتظارها لجدوى محرك "سكرامجت".
ويتميز محرك "هايبرسونيكس" بأنه مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بالكامل من سبائك عالية الحرارة، وهو مصمم للعمل بسرعة تراوح بين خمسة و12 ماخ (6175 و14820 كيلومتراً في الساعة)، وهي نطاقات ضرورية لطائرات الاستطلاع المستقبلية ومنصات الهجوم بعيدة المدى.
وتزداد كفاءة محركات "سكرامجت" التي تضغط الهواء الداخل بسرعات تفوق سرعة الصوت قبل إشعال الوقود كلما زادت سرعتها، ونظراً إلى أن الهيدروجين يحترق بصورة نظيفة ويوفر طاقة نوعية عالية للغاية، فإنه يبرز كأحد أكثر أنواع الوقود الواعدة للطيران الأسرع من الصوت.
الطائرات الأسرع من الصوتبتنا نشهد فعلياً سباقاً عالمياً لتطوير محركات تشغل طائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت بأضعاف، فقد أحرزت الصين تقدماً سريعاً في مركبات الانزلاق الأسرع من الصوت، بينما أطلقت روسيا نظام "أفانغارد" للانزلاق المعزز وصاروخ "كينزال" الفرط صوتي الذي يطلق جواً، وتستكشف كثير من الشركات الغربية تطوير طائرات فرط صوتية تعمل بالهيدروجين، وبذلك تصمم شركة "ديستينوس إيروسبيس" الفرنسية طائرة نقل فرط صوتية تعمل بالهيدروجين، ويستكشف برنامج "إنفيكتوس" التابع لـ "وكالة الفضاء الأوروبية" تقنيات الدفع الأسرع من الصوت التي يمكن أن تؤثر في كل من المنصات العسكرية والتجارية.
وفي الولايات المتحدة تطور شركة "هايبريون إيروسبيس" مفهوم "هايبرلاينر"، وهو عبارة عن طائرة فرط صوتية مصممة لنقل الركاب والبضائع على السواء بهدف تقليل أوقات الرحلات بصورة كبيرة، أما شركة "هايبرسونيكس" فتتميز بسعيها إلى دمج تطبيقات الإطلاق العسكرية والتجارية والفضائية في منظومة دفع واحدة. وطائرتها "DART AE" تجريبية تكنولوجية للاستخدام مرة واحدة، ومصممة للوصول إلى سرعة سبعة ماخ (8645 كيلومتراً في الساعة)، أما منصة "VISR" الأكبر حجماً للشركة، والتي لا تزال قيد التطوير، فهي مصممة لتكون طائرة تفوق سرعة الصوت متعددة المهمات وقابلة لإعادة الاستخدام لمهمات الدفاع، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخبارية والاختبار السريع للأنظمة التي تفوق سرعة الصوت، إذ تريد وزارة الدفاع الأميركية طائرات استطلاع قادرة على اختراق المجال الجوي المحظور وجمع المعلومات الاستخبارية والخروج قبل الكشف، وهي قدرات يمكن أن توفرها منصة فرط صوتية تعمل بالهيدروجين.
التحديات الموجودةلا يزال الهيدروجين بحد ذاته يشكل تحدياً إذ يتطلب نقله وتخزينه أنظمة تبريد معقدة، كما أن البنية التحتية العالمية للهيدروجين لا تزال محدودة، وانطلاقاً من ذلك تعمل شركات أميركية عدة، بما في ذلك شركة" H2 Clipper Inc"، على تطوير مفاهيم لنقل الهيدروجين بكفاءة، حتى إنها تقترح استخدام مناطيد حاملة للهيدروجين لتزويد مرافق الطيران النائية، والعام الماضي اختارت وزارة الدفاع البريطانية شركة "هايبرسونيكس" للمساعدة في تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويذكرنا هذا التمويل بالعصور السابقة في تاريخ الطيران عندما قادت الاستثمارات العسكرية تقنيات أعادت في نهاية المطاف تشكيل السفر التجاري.
ومع ذلك لا يزال السفر بالركاب بسرعة تفوق سرعة الصوت هدفاً بعيد المنال خلال الوقت الحالي، ولا تزال تحديات السلامة والتنظيم وإدارة الحرارة هائلة، لذا ستنضج الأسلحة فرط الصوتية وطائرات الاستطلاع ومركبات الإطلاق الفضائية أولاً، فيما ستتطلب رحلات الركاب بسرعة خمسة ماخ أو أكثر جيلاً جديداً كلياً من المواد، وأنظمة حماية حرارية متطورة، وبروتوكولات الاستجابة للطوارئ.
ما هي أسرع طائرات العالم؟تعتبر طائرة "نورث أميركان إكس-15"، البحثية التي عُملت بمحرك صاروخي وبصورة مشتركة بين "وكالة الفضاء الأميركية" والقوات الجوية الأميركية بين عامي 1959و 1968 أسرع طائرة مقاتلة أنتجت في التاريخ، بسرعة قصوى قياسية بلغت 6.72 ماخ (8299.2 كيلومتر/ساعة)، أي أكثر من ستة أضعاف سرعة الصوت، بينما كانت طائرة "ناسا إكس-43" أسرع طائرة بنيت على الإطلاق، إذ بلغت سرعتها القصوى 9.6 ماخ (11856 كيلومتراً في الساعة)، ولكنها كانت تجريبية من دون طيار.
وتصنف مقاتلة "ميغ-31" الروسية اليوم كأسرع مقاتلة في العالم بسرعة تبلغ 2.83 ماخ (3 آلاف كيلومتر في الساعة)، وتعد من الجيل الرابع وتعمل حالياً في الخدمة لدى القوات الجوية الروسية، وعددها في الخدمة 128.
وفي الولايات المتحدة توصف مقاتلة "أف-15 إيغل" التي طورت عام 1969 بأنها حجر الزاوية في الهيمنة الجوية الأميركية بفضل سرعتها البالغة 2.5 ماخ (3087.5 كيلومتر في الساعة)، ولا تزال واحدة من أكثر الطائرات موثوقية على الإطلاق، فيما تعد مقاتلة "أف-22 رابتور" التي صممتها شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية واحدة من أكثر الطائرات المقاتلة ابتكاراً خلال الـ 30 عاماً الماضية، وبسعر 350 مليون دولار للطائرة الواحدة تتميز هذه المقاتلة بقدرة عالية على المناورة والتخفي، وهي سريعة بما يكفي لإدراجها في هذه القائمة، إذ تصل سرعتها إلى 2 ماخ (2470 كيلومتراً في الساعة).
ومن جهة أخرى تعتبر مقاتلة "شنيانغ جيه-11" الأسرع في الصين بسرعة تصل إلى 2.35 ماخ (2902.25 كيلومتراً في الساعة)، وفي فرنسا تدرج مقاتلة "داسو ميراج-2000" التي دخلت الخدمة عام 1984 ضمن الأسرع في العالم، إذ تصل سرعتها إلى 2.2 ماخ (2717 كيلومتراً في الساعة)، مما يجعلها طائرة فائقة الأداء في فئتها.