قالت صحيفة واشنطن بوست في مقال لكلير باركر وآبي تشيزمان، إن القصف السعودي في اليمن على ما قيل إنه شحنة أسلحة من الإمارات، شكّل تصعيدًا غير مسبوق للاحتكاك بين القوتين الخليجيتين المتنافستين.
ونفّذت السعودية غارة جوية على مدينة المكلا الساحلية في جنوب اليمن فجر الثلاثاء، مستهدفةً ما وصفته بأنه شحنات أسلحة متجهة إلى قوة انفصالية مدعومة من دولة الإمارات، كانت قد تحركت خلال الأسابيع الأخيرة لتعزيز سيطرتها على مزيد من مناطق جنوب اليمن.
ومثّلت الضربة تصعيدًا غير مسبوق في التوتر بين السعودية والإمارات، وهما قوتان ثقيلتان في الخليج تُعدّان ظاهريًا على وفاق في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، إلا أن أهدافهما في ذلك البلد الممزق بالحرب -وفي المنطقة الأوسع- أخذت تتباعد على نحو متزايد.
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان الثلاثاء، في توبيخ حاد لحليفها السابق إن المملكة “تؤكد أن أي تهديد لأمنها الوطني خط أحمر، وأنها لن تتردد في اتخاذ جميع الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة أي تهديد من هذا النوع”.
وقال العميد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إن الضربة جاءت بعد وصول سفينتين انطلقتا من ميناء الفجيرة الإماراتي إلى المكلا خلال عطلة نهاية الأسبوع من دون تصاريح، كما قامتا بإيقاف أجهزة الإرسال الخاصة بتتبع الملاحة.
وأضاف المالكي: “أُغلق الميناء وتم إخلاء جميع العمال والموظفين المحليين”، ثم قام طاقم السفينتين بتفريغ “كمية كبيرة من الأسلحة والمركبات المدرعة”. وقال إن تلك الأسلحة كانت موجهة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في محافظتي حضرموت والمهرة شرقي البلاد، وإن السلطات السعودية حذّرت “مسؤولين رفيعي المستوى في الإمارات” من السماح باستمرار عملية النقل.
وعندما لم يمتثلوا، قال المالكي: “نفّذت قوات التحالف الجوية عملية عسكرية محدودة استهدفت الأسلحة والمركبات القتالية التي تم إنزالها من السفينتين في ميناء المكلا”. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحقق منها موقع “ستوري فل”، دخانًا يتصاعد من هياكل سوداء لعدد من المركبات العسكرية في الميناء.
وفي بيان الثلاثاء، اعترضت وزارة الخارجية الإماراتية على توصيف السعودية لدور الإمارات في اليمن، ورفضت مزاعم بأنها ضغطت على “أي طرف يمني للقيام بعمليات عسكرية” تهدد السعودية أو حدودها.
وأبدى البيان دهشة من الضربة، ونفى أن تكون الشحنة المتجهة إلى اليمن قد تضمنت أسلحة. وقال إن المركبات التي كانت على متن السفن لم تكن موجهة إلى “أي طرف يمني”، بل إلى قوات إماراتية موجودة في اليمن. ولاحقًا، أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية أنها تعتزم سحب ما تبقى من فرقها المعنية بمكافحة الإرهاب من اليمن. وكانت الإمارات قد سحبت معظم قواتها من البلاد عام 2019.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تومي بيغوت، في بيان الثلاثاء، إن وزير الخارجية ماركو روبيو تحدث مع نظيره السعودي بشأن التطورات في اليمن.
وظلت إدارة ترامب في معظمها صامتة مع تصاعد التوتر بين حلفائها الخليجيين خلال الأسابيع الأخيرة. وكان روبيو قد قال يوم الجمعة إن الولايات المتحدة “قلقة من الأحداث الأخيرة في جنوب شرق اليمن”.
وأضاف: “نحث على ضبط النفس ومواصلة الدبلوماسية، بهدف التوصل إلى حل دائم”.
ويأتي هذا التصعيد بعد أن اجتاحت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي محافظتي حضرموت والمهرة في وقت سابق من هذا الشهر، وطردت قوات مدعومة من السعودية في عملية سيطرة على مساحات شاسعة من اليمن المحاذية للسعودية وسلطنة عمان. وقد تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، وهو جزء من مجلس القيادة الرئاسي، وهو تحالف هش من شخصيات سياسية في جنوب اليمن يشكل معًا الهيئة التنفيذية للحكومة المعترف بها دوليًا.
ويتشارك أعضاء المجلس -وداعموهم في الخليج- هدف مواجهة الحوثيين، الحركة المتمردة المدعومة من إيران التي سيطرت على العاصمة صنعاء عام 2014، ما أشعل حربًا أهلية. لكن السعودية تدعم يمنًا موحدًا، في حين يسعى المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات إلى إعادة إنشاء دولة مستقلة في جنوب اليمن كانت قائمة لنحو عقدين قبل توحيدها عام 1990.
وبدا أن الهجوم الخاطف للمجلس الانتقالي هذا الشهر فاجأ السعودية، واستمرت التوترات تتفاقم بينما كانت الرياض تقيّم ردها.
وفي أواخر الأسبوع الماضي، استهدفت السعودية منطقة في حضرموت كانت قوات المجلس الانتقالي تحاول التقدم فيها، فيما وصفت وسائل إعلام موالية للسعودية ذلك بأنه “قصف تحذيري”. وفي السبت، هدّد المالكي بأن التحالف الذي تقوده السعودية سيتدخل ما لم ينسحب المجلس الانتقالي من الأراضي التي استولى عليها.
وقال أحمد ناجي، كبير محللي اليمن في “مجموعة الأزمات الدولية”، في مقابلة هاتفية بعد لقائه الأسبوع الماضي مسؤولين سعوديين ويمنيين في الرياض، إن الجهود الدبلوماسية الأخيرة لاحتواء الأزمة فشلت.
وأضاف أن البيان السعودي الثلاثاء، الذي اتهمت فيه الرياض الحكومة الإماراتية مباشرة بالوقوف وراء هجوم المجلس الانتقالي، كان أشد تحذير يوجَّه إلى الإمارات من المملكة حتى الآن.
وقال البيان: “إن الخطوات التي اتخذتها الإمارات تُعد خطيرة للغاية، وغير منسجمة مع المبادئ التي تأسس عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولا تخدم هدف التحالف المتمثل في تحقيق الأمن والاستقرار لليمن”، في إشارة إلى التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
كما أيّدت وزارة الخارجية السعودية الثلاثاء دعوة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى خروج القوات الإماراتية من البلاد خلال 24 ساعة، وطالبت الإمارات “بوقف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف داخل اليمن”.
وألغى الرئيس رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي المدعوم من الرياض، اتفاقًا دفاعيًا مشتركًا مع الإمارات، وأعلن حالة طوارئ لمدة 90 يومًا في اليمن، وفرض حظرًا جويًا وبحريًا وبريًا على جميع الموانئ والمعابر الحدودية لمدة 72 ساعة. كما دعا جميع القوات في حضرموت والمهرة إلى الانسحاب وتسليم مواقعها لقوة مدعومة من السعودية.
وأدان أربعة أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي خطوات العليمي بإلغاء الاتفاق الدفاعي وطرد القوات الإماراتية من البلاد. وقال هشام الجابري، رئيس أركان أحد أعضاء المجلس، فرج سالمين البحسني، في رسالة نصية إنه يتوقع أن تُسرّع ضربة الثلاثاء جهود المجلس الانتقالي لإعلان دولة مستقلة في جنوب اليمن.
وبحسب فريع المسلمِي، الباحث في “تشاتام هاوس” بلندن، فإن الشرخ الناشئ بين السعودية والإمارات ستكون له تبعات كبيرة على المنطقة.
وقال: “إنها دول قوية. لديها أسلحة. ليس لديها برلمانات. لا توجد وسيلة لمساءلتها، ولديها غرور كبير. لم يسبق للسعودية والإمارات أن استهدفت إحداهما الأخرى بهذا الشكل. هذا أمر خطير جدًا”.
وقال آدم بارون، زميل شؤون الأمن المستقبلي في مؤسسة “نيو أمريكا” بواشنطن، إن السعودية والإمارات “تشتركان في تقارب استراتيجي وثيق مع الولايات المتحدة”، لكن “استراتيجياتهما الإقليمية الخاصة باتت تتصادم على نحو متزايد”.
وأضاف في مقابلة هاتفية: “رأينا هذا في اليمن، والسودان، والصومال. ورأيناه في البحر الأحمر، والآن نرى -وإن كان بشكل غير حتمي، ولا يزال محدودًا نسبيًا حتى الآن- اشتعال هذه التوترات”.
وقال بارون إن اختلاف الاستراتيجيات الإقليمية برز علنًا على أكثر من جبهة في الأسابيع الأخيرة، مشيرًا إلى تطورات في السودان والصومال. وذكر أن الرئيس دونالد ترامب قال الشهر الماضي إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان طلب من واشنطن العمل على إيجاد حل للنزاع في السودان، حيث تدعم الرياض والإمارات طرفين متعارضين.
كما قال بارون إن اعتراف إسرائيل الرسمي الأسبوع الماضي بأرض الصومال، وهي منطقة أعلنت انفصالها عن الصومال قبل أكثر من ثلاثة عقود، قد يكون حفّز الرياض على إعادة موازنة ديناميات القوة. وتحتفظ الإمارات بوجود عسكري هناك، وامتنعت عن المشاركة في بيان لجامعة الدول العربية أدان خطوة إسرائيل.
وقال المسلمِي إن الدول العربية، وكذلك المجتمع الدولي على نطاق أوسع، من المرجح أن تقف إلى جانب السعودية في اليمن.
وأشار إلى بوادر دعم مبكرة تمثلت في بيان صدر الثلاثاء عن أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أعرب فيه عن “قلق بالغ إزاء التطورات المتسارعة والخطيرة”، بما في ذلك “فشل” المجلس الانتقالي في الاستجابة لمطالب الحكومة المدعومة من السعودية.
كما دعت سلطنة عمان، التي تشترك بحدود مع محافظة المهرة في جنوب شرق اليمن، يوم الثلاثاء إلى خفض التصعيد والحوار لحل الأزمة.
وفي اليمن، قال المسلمِي إن المواطنين العاديين سيدفعون الثمن بينما تلاحق القوى الإقليمية أهدافها الخاصة.
وأضاف: “سيظل اليمنيون عالقين في الوسط بين أعداء، والأسوأ من ذلك، بين أصدقاء”.