لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً للمعلق إيشان ثارور أكد فيه أن العالم يتعرف على أهوال الفاشر ليس من خلال أدلة ملموسة، بل من خلال الصمت والغياب. فلم تتمكن أي وسيلة إعلامية مستقلة من الوصول إلى المدينة السودانية في ولاية شمال دارفور، التي سقطت أواخر تشرين الأول/أكتوبر بعد أكثر من 500 يوم من الحصار المروع. وتظهر صور الأقمار الصناعية أحياء مدمرة، وأراضي ملطخة بالدماء، وآثار مقابر جماعية، فيما اختفى المرضى الذين كانوا في المستشفيات والعيادات المستهدفة، ووصل الأطفال الفارون إلى مخيمات النازحين دون آبائهم أو أحبائهم.
وأضاف المقال أن عمال الإغاثة ومسؤولي الأمم المتحدة رووا قصصاً عن مجازر واغتصابات واسعة ارتكبتها ميليشيات قوات الدعم السريع، إحدى الفصيلين الرئيسيين المتورطين في الحرب الأهلية السودانية. ومنذ اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023، عززت هذه القوات سيطرتها على دارفور، واستيلاؤها على الفاشر يرسّخ تقسيمًا فعليًا بين شرق السودان وغربه، بينما استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم وسط البلاد.
وأشار ثارور إلى أن الحرب الأهلية أدت إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث نزح نحو 14 مليون شخص، نصفهم أطفال، وانتشرت المجاعة والأمراض مثل الكوليرا، لا سيما في الفاشر ومحيطها، مع لجوء السكان المحاصرين إلى أكل الأعشاب الضارة وعلف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة. كما تمارس قوات الدعم السريع عنفًا ممنهجًا ضد الجماعات العرقية والقبلية غير العربية في دارفور. ويقدر عدد المفقودين بنحو 150,000 شخص، فيما تشير التقديرات إلى أن حوالي 60,000 قُتلوا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الشهر الماضي فقط.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، صرح ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر ييل للأبحاث الإنسانية، لشبكة سي إن إن قائلاً: “نشهد وتيرة قتل لا تضاهيها إلا الإبادة الجماعية في رواندا”، مضيفاً أن الكارثة الحالية قد تتجاوز خلال أسبوع عدد ضحايا غزة خلال عامين.
وأكد المقال أن أصداء العنف الإبادي السابق تتكرر اليوم، حيث تعج وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع يظهر فيها مقاتلو قوات الدعم السريع وهم يتباهون بقتل واغتصاب المدنيين. قبل الفاشر، شهدت الجنينة غرب دارفور مجزرة أودت بحياة حوالي 15,000 شخص من شعب المساليت، فيما استهدفت حملة تطهير عرقي شعبية هذه الجماعة.
وأشار ثارور إلى أن الفاشر لها تاريخ طويل في الإبادة الجماعية، ففي نيسان/أبريل 2003 شنت قوات المتمردين غارات على المدينة، ما مهد لحملة قمع وحشية دعمتها الحكومة السودانية آنذاك. وأوضح توم فليتشر، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، أن ما يحدث اليوم في الفاشر يذكّر بأهوال دارفور قبل عشرين عاماً، لكنه يصطدم برد فعل عالمي من نوع مختلف، قائلاً إنه رد فعل استسلام.
وأشار الكاتب إلى أن المدنيين كانوا متوقعين للكوارث، حيث قالت منظمة العفو الدولية عند اندلاع الحرب في 2023: “لا يزال المدنيون في دارفور تحت رحمة قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم حرب سابقة”. وأضاف أن الجيش السوداني أيضًا متهم بارتكاب فظائع، لا سيما القصف العشوائي للمناطق المدنية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بما فيها غارات بطائرات مسيرة في كردفان جنوب البلاد.
وذكرت مجموعة الأزمات الدولية أن تصاعد جرأة قوات الدعم السريع وترسيخ الجيش السوداني وجوده أوجد مأزقًا سياسيًا عاجزًا عن حله عسكريًا. بعد أن اشترط الجيش انسحاب قوات الدعم السريع من الفاشر كشرط مسبق للمفاوضات، بدا أقل رغبة في الحوار بعد هذه الهزيمة مباشرة، ما يستلزم دبلوماسية عاجلة من “الرباعية” بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة مصر والسعودية والإمارات.
واختتم المقال بما كتبه جاويد عبد المنعم، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: “يتم تمكين الموت والدمار بسبب امتناع العديد من الحكومات عن استخدام نفوذها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف قتل الناس أو منع وصول المساعدات الإنسانية، مكتفية بإصدار بيانات قلق سلبية، بينما تقدم الدعم المالي والسياسي والأسلحة التي تدمر وتشوه وتقتل”.