بغداد/ تميم الحسن
تقوم الدوائر الأميركية بـ”تحديث المعلومات” حول عراقيين (شخصيات ومؤسسات) متورطين بدعم إيران، ما يعني إمكانية توسيع قائمة “العقوبات” خاصة بعد الانتخابات القادمة.
ولا يُستبعد أن يكون من بين المتورطين بعقد صفقات مشبوهة لصالح إيران، “موظفون غربيون” عملوا في الإدارات الأميركية السابقة في العراق، بحسب سياسي مطلع.
وتهدد العقوبات الأميركية الجديدة على العراق، التي شملت أشخاصاً ومصارف وشركات، بتعثر الوضعين المالي والتجاري، في حين يُتطلب من بغداد الإسراع بالتواصل مع واشنطن.
ويوم الخميس الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية اتخاذ “إجراءات ضد أفراد وشركات تساعد النظام الإيراني في التهرب من العقوبات الأميركية، وتهريب الأسلحة، والتورط في فساد واسع النطاق في العراق”.
وشملت الإجراءات “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” لعملهما على “تقويض سيادة العراق”، وكذلك كلاً من رئيس اللجنة الأولمبية عقيل مفتن، وشركة “المهندس” التابعة لهيئة الحشد الشعبي ورئاسة الحكومة، إضافة إلى علي غلام، صاحب عدة مصارف.
وكانت (المدى) قد كشفت في نيسان الماضي عن نية واشنطن غلق “69 مصرفاً” في العراق والإبقاء على (4 إلى 6 مصارف فقط) بسبب اتهامات بتورط تلك المؤسسات بدعم إيران.
وبعد الإجراءات الأميركية الأخيرة، دعا عضو الحزب الجمهوري الأميركي، النائب في الكونغرس جو ويلسون، إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى إدراج “فيلق بدر”، وزعيمه هادي العامري، ومصرف الرافدين الحكومي ضمن القائمة المستهدفة بالعقوبات.
في المقابل، اعتبرت “اللجنة الأولمبية” في بيان أن اتهام رئيسها عقيل مفتن بالعقوبات الأميركية “أخبار مغلوطة ومفبركة”، وهددت بملاحقة من يروّج لتلك المعلومات.
كذلك علّق علي غلام، وهو صاحب ثلاثة مصارف ومعاقَب سابقاً من وزارة الخزانة الأميركية، بأن الإجراءات ضده “غير مبررة”، وأن المصارف التابعة له توقفت عن التعامل بالدولار منذ عام 2022.
وعلي غلام هو صاحب أسرع “إطلاق سراح” في العراق، رشّحه للدخول في “موسوعة غينيس”، بحسب النائب ماجد شنكالي.
وقد اعتُقل غلام في مطار بغداد عام 2022 أثناء حملة رئيس الحكومة محمد السوداني لضبط أسعار الدولار، قبل أن يُفرج عنه بعد ساعات قليلة بتدخل “جهات متنفذة”، بحسب ما تسرّب آنذاك.
وكان غلام متهماً بالحصول على تعويضات غير قانونية من مصرف الرافدين وصلت إلى 600 مليون دينار في القضية المعروفة بـ”بوابة عشتار”، فضلاً عن أموال أخرى عبر “مزاد العملة” الذي توقّف العمل به نهاية عام 2024.
ويدير غلام (43 عاماً) ثلاثة مصارف هي: الأنصاري، والقابض، والشرق الأوسط، فيما كان البنك المركزي قد أوقف التعامل بالدولار مع هذه المصارف منذ عام 2022.
وفي عام 2021 كشف عضو لجنة النزاهة البرلمانية السابق كاظم الصيادي، خلال مقابلة تلفزيونية، أن علي غلام يحصل على نحو 90 مليون دولار يومياً عبر مزاد العملة.
صفقات ومخدرات
وعن كواليس العقوبات الأخيرة، يؤكد النائب السابق والسياسي المستقل مثال الآلوسي، أن المؤسسات الأميركية “تُحدّث دائماً المعلومات بخصوص عمليات خلط النفط العراقي بالإيراني أو تهريب النفط والدولار”.
وبيّن الآلوسي أن “هناك مراقبة أميركية دقيقة لملف النفط في العراق والأموال في المصارف”، مشيراً إلى أن المعلومات تكشف عن “مساهمة الأموال والنفط المهرّب من العراق، وبيع المخدرات القادمة من السليمانية ومن حزب الله اللبناني، في دعم واستمرار الجماعات الموالية لإيران وشراء الذمم والشركات والمؤسسات، والمساهمة فيما يعرف بهجوم (7 أكتوبر)”.
وأضاف أن “الأجهزة العراقية لم يكن لها دور في فضح هذه الشبكات لأنها متهمة بالتورط مع هذه الجماعات عبر واجهات سياسية واقتصادية”، لافتاً إلى وجود “شكوك واتهامات لموظفين أميركيين عملوا في العراق في عهد الرئيسين السابقين (بايدن وأوباما)، سهّلوا أو شاركوا أو غضّوا الطرف عمّا فعلته الميليشيات من غسل أموال وتهريب نفط”.
“احذروا بعد الانتخابات”
ودعا الآلوسي، بغداد إلى دراسة “العزلة الدولية” بعد استبعاد العراق من اجتماعات مهمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول “مستقبل غزة” في اجتماعات نيويورك الشهر الماضي.
وقال إن “إبعاد العراق جاء لأنه وإيران جزء من الحرب ومن دعم واستقبال حماس، وأميركا تقول لهم إنكم دول غير رصينة، وهي رسالة واضحة للعراق ليحذر من الغضب الأميركي”.
وحذّر الآلوسي من أن “الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات أكثر صرامة تجاه العراق بعد الانتخابات القادمة”.
والأسبوع الماضي، قال عبد الحسين عبطان، وزير الشباب الأسبق، في مقابلة تلفزيونية، إن “تنفيذ الملاحظات الأميركية تم تأجيله إلى الحكومة العراقية القادمة”.
الدولة العميقة
وفي السياق ذاته، يقول غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، إن “العقوبات الأميركية الأخيرة تهدف إلى تفكيك دولة الفصائل العميقة، وهي دولة إيران في العراق”.
وأضاف أن “إيران تحاول نقل نموذج الحرس الثوري إلى العراق عبر الفصائل، بحيث تكون هذه الجماعات، التي تحصل على أموال من الموازنة السنوية، تملك شركات لتمويل مشاريع إيران وحروبها في المنطقة”.
واعتبر فيصل، الذي يرأس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، أن “بغداد في مأزق لأنها في تحالف وتنسيق إستراتيجي مع أميركا، لكنها في الوقت ذاته ترتبط بالفصائل التي يشارك جزء منها في الحكومة عبر الإطار التنسيقي”.
وأشار إلى أن أحزاب “الإطار التنسيقي” لديها معلومات دقيقة عن شركات الظل وغسل الأموال واستغلال المصارف والتحويلات وتهريب الأسلحة والنفط، وشبكات التجسس التي أنشأتها إيران بالعراق عبر الفصائل المسلحة، مستبعداً قدرة تلك الأطراف على التحرر من الفصائل “لأن قسماً من الإطار التنسيقي مرتبط بإيران ويؤمن بولاية الفقيه والتحالف الإستراتيجي المطلق مع طهران”.
وبيّن فيصل أن “العراق ما زال يمثل لإيران رئة اقتصادية وأمنية”، موضحاً أن “العقوبات الجديدة ستكون مؤثرة على الاقتصاد العراقي وعلى حركة التجارة والمصارف”.