بغداد/ تميم الحسن
مخاوف “تمدد الفصائل” في العراق بعد الانسحاب الأميركي القريب، توازي المخاوف من عودة “داعش”، بل وتفوقها أحياناً، بحسب سياسيين وقيادات شيعية.
ومن المفترض أن تنسحب القوات الأميركية من وسط وغرب البلاد نهاية أيلول الحالي، بالتزامن مع احتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة.
يقول مثال الآلوسي، النائب السابق، إن “انسحاب القوات الأميركية قد يطلق يد الفصائل الموالية لإيران”، مشيراً إلى أن واشنطن تصنف جميع الجماعات المسلحة في العراق (خارج الأطر العسكرية والأمنية الرسمية) بأنها تابعة لطهران.
ويضيف الآلوسي: “من السذاجة أن يتصور أحد في السلطة بالعراق أن أميركا ستنسحب؛ فالعراق دولة استراتيجية بالنسبة لواشنطن، وهي بانتظار معادلة سياسية جديدة تمثل مصالح العراق لا مصالح دول أخرى”.
وكانت واشنطن قد بدأت مطلع أيلول الحالي تسريع وتيرة انسحابها من قاعدة “عين الأسد” غربي الأنبار، ومن “فكتوريا” في بغداد، نحو معسكرات في أربيل.
لحظة الحقيقة
في السياق ذاته، يرصد بهاء الأعرجي، نائب رئيس الوزراء الأسبق والمقرب من رئيس الحكومة، مفارقة لافتة تتعلق بـ”مخاوف شيعية” رافقت بدء الانسحاب الأميركي فعلياً.
ويقول الأعرجي، الذي انضم مؤخراً إلى تحالف محمد شياع السوداني (الإعمار والتنمية): “إن من ينادون بإخراج القوات الأميركية اليوم هم أنفسهم خائفون من تمدد الفصائل”.
وجدير بالذكر أن مصطلح “الفصائل” يُستخدم رسمياً للإشارة إلى الجماعات المسلحة خارج “الحشد الشعبي”.
ويصف الأعرجي هذه الجماعات التي تخشى الانسحاب بأنها “مدافعة عن الفصائل”، رغم ترددها في قرار إجلاء القوات الأميركية.
وفي أيلول 2024، كشف وزير الدفاع ثابت العباسي عن اتفاق ينص على إنهاء مهمة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على مرحلتين: الأولى من 2024 إلى 2025، والثانية تنتهي في 2026.
لكن الباحث السياسي أحمد الياسري يرى أن “قرار الانسحاب الأميركي يخص مرحلة سابقة ويجب إعادة النظر فيه”، مضيفاً: “بغداد فاوضت على الانسحاب قبل أحداث 7 أكتوبر، واليوم الأوضاع تغيرت، وقد يهدد القرار النظام السياسي في العراق”.
يُذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أطلقا في 2024 مفاوضات استمرت أشهراً لرسم ملامح العلاقة العسكرية المقبلة بين البلدين، بهدف تقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق.
“الحكومة تسيطر على الفصائل”
بالمقابل، تقلل الحكومة من مخاوف “تمدد الفصائل” بعد الانسحاب الأميركي، مؤكدة أن تلك الجماعات “تحت السيطرة”.
ويقول خالد اليعقوبي، مستشار رئيس الوزراء للسياسات الأمنية: “أطراف من الحشد الشعبي تجتمع مع عناصر أميركية في اجتماعات أمنية”، مشيراً في تصريحات تلفزيونية إلى أن الحكومة “مسيطرة على الفصائل المسلحة”، والدليل هو ضبطها خلال التوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل.
ولا يستبعد اليعقوبي أن تكون “إسرائيل” وراء استهداف حقول النفط والرادارات في العراق، خلافاً لاتهامات توجه عادة إلى “الفصائل”.
وكانت الحكومة قد أعلنت في آذار الماضي عن بدء حوار سياسي مع عدد من الفصائل من أجل “نزع السلاح”، لكن نتائج الحوار لم تُعرف حتى الآن.
وردت “الفصائل”، التي تطلق على نفسها “المقاومة الإسلامية العراقية”، برفض نزع السلاح باعتباره “وديعة الإمام المهدي”.
“عودة داعش”
وحول الأحداث الأخيرة المرتبطة بالهجمات على حقول النفط في كردستان في تموز الماضي، يؤكد مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني متحدثاً عن الفصائل المتهمة بتلك الحوادث: “لا نتهم كل تشكيلات الحشد الشعبي، بل بعض المجموعات المحددة، ولا أريد ذكر التفاصيل”.
وحذر بارزاني، في لقاء مع تلفزيون فرنسي، من أن خروج القوات الأميركية من العراق “قد يعيد تنظيم داعش”.
وقال: “لا شك أنه عند انسحاب القوات الأميركية والتحالف الدولي سيتكرر سيناريو 2014، وسيظهر داعش من جديد. ولا أظن أن هناك انسحاباً كاملاً، فقد قلنا للإدارة الأميركية مراراً إن بلادنا بحاجة إلى وجود القوات الأميركية والتحالف الدولي، لأن خطر داعش ما زال قائماً، وهذه هي سياستنا”.
وتحذر تقارير غربية من أن المشهد في العراق أكثر خطورة مما كان عليه قبل 14 عاماً (انسحاب الأميركيين الأول في 2011)، في ظل وجود جماعات متطرفة في سوريا قد تستغل أي فراغ أمني لتهديد الداخل العراقي.
وأشار تقرير لشبكة “فوربس” الأميركية إلى أن انسحاب القوات الأميركية إلى إقليم كردستان جاء بعد تعهّد سياسيين عراقيين لواشنطن بعدم تمرير “قانون الحشد الشعبي”.
وفي أيار الماضي كشف نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، عن “التريث في موعد انسحاب القوات الأميركية من العراق بسبب أحداث سوريا”. ولم تصدر الحكومة تعليقاً على ذلك.
وأضاف المالكي في لقاء متلفز—قبل أن يبدأ سلسلة تحذيراته الأخيرة من “انقلاب سياسي”—أن “الأحداث في سوريا أثارت مخاوف بشأن مخيم الهول والتهديدات الإرهابية القادمة من هناك”.
وتابع: “ستُعطى فرصة لوجود القوات الأميركية في العراق لدعم القوات العراقية كقوة احتياطية في حال تطور الوضع الأمني، خصوصاً إذا أُطلق سراح الإرهابيين من مخيم الهول وسجون قسد. المنطقة مرشحة لتحركات خطيرة، وسنكون بحاجة إلى قوات التحالف”.
وختم المالكي بالقول: “إذا وجدت الحكومة العراقية نفسها بحاجة إلى القوات الأميركية، فيجب أن يكون ذلك وفق شروط محددة وبقرار مدروس يستند إلى تقدير الأجهزة الأمنية المختصة”.