غزة – خاص بـ”رأي اليوم” – نادر الصفدي:
يواجه اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الكثير من العقبات والعراقيل التي تُعطل الانتقال للمرحلة الثانية والتي بات ينتظرها سكان غزة على أحر من الجمر، بعد ما يقارب العامين من الحرب الطاحنة والقاسية والتي لا يزالون يعيشون في ويلاتها حتى اللحظة.
إسرائيل برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا يزال يُماطل باتفاق غزة ويضع العراقيل، مرة بسبب آخر جثة إسرائيلي لا تزال في غزة وصعب على المقاومة الحصول عليها وتسليمها، وأخرى حول نزع سلاح حركة “حماس”، وتارة حول شروط جديدة متعلقة بالأمن وغيرها من الملفات المعقدة.
ad
لكن هذه المرة ظهر على السطح خلاف جديد ومتمثل برفض نتنياهو القاطع لمشاركة تركيا في القوة الدولية أو ما أطلق عليها قوة “حفظ السلام” وهي أهم ضمن الخطة الأمريكية المطروحة بشأن غزة، وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة حول أسباب الرفض ونتائجه.
وتُقدّر تركيا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قادر على ممارسة ضغط على نتنياهو، لدفعه إلى الموافقة على وجود قوات تركية ضمن أي قوة متعددة الجنسيات محتملة في قطاع غزة.
وبحسب ما أوردته هيئة البث العام الإسرائيلية (“كان 11”)، مساء الثلاثاء، فإن مسألة تشكيل القوة متعددة الجنسيات في غزة ستشكّل محورًا أساسيًا في لقاء نتنياهو وترامب المرتقب في منتجع مار-آه-لاغو الأسبوع المقبل.
ad
وأفاد التقرير بأن إسرائيل لا تزال تتمسّك بموقف رافض بشكل قاطع لأي دور تركي في غزة، رغم تقديرات سابقة في إسرائيل أشارت إلى احتمال استعداد دول عربية للمشاركة في هذه القوة.
وفي هذا السياق، نقل التقرير عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن “كلما استفزّت إسرائيل أكثر، تراجعت رغبة الدول العربية في العمل معها”، في إشارة إلى تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بشأن إقامة نوى استيطانية شمالي قطاع غزة.
وأضاف المسؤول الأميركي أن تصريحات كاتس أثارت غضبًا في واشنطن، التي عبرت عن غضبها هذا لمكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ما دفع كاتس إلى التراجع عن هذه التصريحات علنًا لاحقًا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة “لا تزال ملتزمة بالكامل بخطة النقاط العشرين للرئيس دونالد ترامب” لوقف الحرب، والتي تتضمن تعهدًا بعدم ضمّ إسرائيل لأي أراضٍ في قطاع غزة.
وفي وقت سابق، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، برهان الدين دوران، إن ما وصفه بـ”النهج الهستيري” لإسرائيل تجاه قوة تركيا ونفوذها لا يمكن وصفه إلا بـ”المثير للسخرية”، مشددا على أن أنقرة ستواصل الوقوف بحزم إلى جانب “كل من ينشد السلام والاستقرار”.
واعتبر أن حديث مسؤولين إسرائيليين عن “أطماع إمبريالية للآخرين” يشكّل “تناقضًا صارخًا” في ظل ما وصفه بـ”ارتكاب واحدة من أكثر عمليات الإبادة الجماعية فظاعة في التاريخ” في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
المحلل السياسي التركي، فراس أوغلو، أكد أن الكيان الإسرائيلي يشعر بالقلق من الوجود التركي في المنطقة بشكل عام، وبالتالي يرفض أي وجود لها على الأرض في قطاع غزة ضمن إطار ما يسمى القوة الدولية في قطاع غزة.
يذكر أن واشنطن تبذل مساع لتشكيل قوة أمنية دولية واردة ضمن خطة من 20 نقطة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، يُفترض أن تتولى الإشراف على مرحلة انتقالية تركز على إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.
وأشار اوغلو، أن الكيان الإسرائيلي يدرك طبيعة العلاقات بين أنقرة وحركة حماس وكل المكونات الفلسطينية بشكل عام، وبالتالي يرفض وجودها ضمن هذه القوة التي تريد “تل أبيب” حصر مهامها بنزع سلاح المقاومة في غزة استكمالاً لأجندتها، وفق “شهاب”.
يذكر أن تقارير عديدة أكدت أن الولايات المتحدة تواجه صعوبات في تأمين التزامات دولية للمشاركة في هذه القوة، إذ تبدي دول عديدة تحفظات، لا سيما في ظل الهدف الإسرائيلي المعلن للمهمة والمتعلق بنزع سلاح حركة حماس في غزة.
وقال أوغلو:” تركيا قوة إقليمية كبرى لا يستطيع الكيان الإسرائيلي مواجهتها على الأرض، ويدرك جيداً أن أنقرة لن تكون في غزة لتنفيذ رؤية (تل أبيب) وتنفيذ مهام تحددها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بل ستكون أقرب لتخفيف معاناة الفلسطينيين وحماية اتفاق وقف الحرب”.
وأكد أن أنقرة لن تقبل بوجود شكلي ضمن هذه القوة، بل ستعمل في حال مشاركتها على قوة مؤثرة على الأرض، ضمن مهام قيادية لتنفيذ بنود الاتفاق ووقف الانتهاكات من أي طرف.
وشدد أوغلو أن النفوذ التركي يقلق الكيان الإسرائيلي في الإقليم بشكل عام، سواء في غزة وسوريا وليبيا وحتى الصومال وغيرها، لأن التوسع الاستراتيجي لانقرة لا ينسجم مع رؤية الكيان الإسرائيلي الأمنية والاقتصادية.
هذا وكشفت مصادر دبلوماسية في “تل أبيب” أن نتنياهو يمكن أن يتراجع عن رفض مشاركة تركيا في قوة الاستقرار الدولية بقطاع غزة، وأشارت المصادر إلى أن نتنياهو يرهن ذلك بعزوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن “خطابه المعادي لإسرائيل”.
وذكرت صحيفة “معاريف” العبرية أن نتنياهو أعد تصورا كاملا لإعادة صياغة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ومن المقرر عرضه على ترامب خلال لقائهما المرتقب في منتجع مار إيه لاغو بفلوريدا.
وتحذر “تل أبيب” من حساسية الخطوة، لا سيما أن تركيا، بمنظور إسرائيلي، وتحت قيادة أردوغان، تعتبر لاعبا إقليميا إشكاليا، وأن موافقة إسرائيل على دخولها إلى غزة يمكن تفسيره بأنه “تراجع عن خط أحمر”.
وبحسب الإعلام العبري، فأن إسرائيل قد توافق إسرائيل على رفع حق النقض (الفيتو) على تركيا في ظل شروط سياسية واضحة: سيُطلب من أردوغان تقديم تفسير علني أو سياسي لسلسلة من التصريحات القاسية المعادية لإسرائيل، بما في ذلك تشبيه نتنياهو بهتلر، فضلًا عن تقديم تغيير معلن في التوجه تجاه إسرائيل، من الخطاب العدائي إلى نهج أكثر ودية.
ويبقى التساؤل.. هل هذا الخلاف مُصطنع؟ وهل سيُعطل اتفاق غزة؟ وماذا عن موقف أردوغان من هذا الابتزاز؟