الوثيقة | مشاهدة الموضوع - «الإعدامات الميدانية» في الضفة سياسة رسمية لدولة الاحتلال
تغيير حجم الخط     

«الإعدامات الميدانية» في الضفة سياسة رسمية لدولة الاحتلال

القسم الاخباري

مشاركة » الاثنين ديسمبر 22, 2025 8:48 pm

7.jpg
 
رام الله – «القدس العربي»: في صدمة كبيرة عاشتها بلدة قباطية جنوب الضفة الغربية، شاهد الأهالي مقطع فيديو يَظهر فيه الفتى الشهيد ريان أبو معلا (16 عاماً) وهو يسير واضعًا يديه في جيبيه داخل أحد أزقّة البلدة القديمة، فيما كان جنديان إسرائيليان يختبئان بانتظاره.
وبمجرد وصول الفتى إلى موقع اختباء الجنديين، أطلقا النار عليه. وقع ذلك السبت في ساعات ما بعد الظهر.
وحسب شهادة الشاب نور سباعنة، الذي كان يقف قريبًا من المكان، أطلق الجنود ست رصاصات قاتلة بطريقة باردة ومن مسافة قريبة جدًا، وتشير التقديرات إلى أن أربع رصاصات استقرت في جسده.
وسحب جنود الاحتلال الجثة بعد أن منعوا وصول طواقم الإسعاف إليه بهدف إنقاذ حياته، تاركين عائلته في حالة فاجعة، ولا سيما أن الفتى ريان هو شقيق الشهيد نور الدين الذي ارتقى عام 2015.
ولا يُعدّ ما جرى في قباطية حدثًا استثنائيًا في الضفة الغربية، إذ غالبًا ما تبرر سلطات الاحتلال مثل هذه الجرائم بادعاءات إلقاء الحجارة أو محاولة الدهس أو حمل السلاح.
وأصبحت عمليات الإعدام الميداني التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مختلف المناطق ظاهرة متكررة.
وفي مثال آخر وقع جنوب الضفة الغربية، وتحديدًا في قرية الريحية جنوب مدينة الخليل، يوم الخميس الموافق 16 تشرين الأول / أكتوبر من العام الجاري، اقتحمت سيارتا جيب عسكريتان القرية وتوقفتا بالقرب من مدرسة البنات الثانوية في وسطها، حيث كانت مجموعة من الأطفال والصبيان والشبان يلعبون كرة القدم.

باحث في «بتسليم» لـ«القدس العربي»: « تعكس استمرارسياسات الفصل والإبادة

ومع وصول القوة، بدأ الأطفال والصبية بالفرار غربًا والاختباء بين المنازل، إذ اعتاد الجنود خلال الاقتحامات، على إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع وإطلاق النار باتجاه الساحات التي يلعب فيها الأطفال. ويبدو أن بعض الصبية ألقوا حجارة باتجاه السيارتين المدرعتين أثناء مرورهما في الشارع. وواصلت سيارة الجيب الأولى السير، بينما توقفت الثانية، وفرّ الصبية.
خرج أربعة جنود من سيارة الجيب الأولى وبدأوا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه الأطفال، وأطلق أحدهم الرصاص الحي عشوائيًا. تفرق الأطفال في المكان، وتوقف بعضهم على بعد عشرات الأمتار يراقبون ما يجري، وكان الطفل محمد بهجت حلاق (9 سنوات) بينهم. صرخ الأطفال وضحكوا باتجاه الجنود. أطلق أحد الجنود رصاصة واحدة على الأقل أصابت محمد في الورك الأيسر، بينما كان يقف بجانب منزل جده على جانب الطريق المطل على موقع تمركز الجنود.
ويقول أحد شهود العيان في تقرير لمنظمة «بتسيلم» الإسرائيلية المناهضة للاحتلال: «رأيت محمد يمشي بضع خطوات ثم سقط على الأرض. أطلق أحد الجنود قنابل الغاز نحوه لمنع الشبان من الوصول لمساعدته. رأيت الجندي يرقص بفرح ويلوح لأصدقائه بعد إصابة محمد. حاول محمد الزحف قليلًا ثم توقف عن الحركة. حاول أحد الشبان الوصول إليه، لكن الجندي أطلق عليه رصاصتين من الرصاص الحي. حاول مرة أخرى حتى تمكن من الوصول إليه وحمله. ذهبتُ إلى هناك ورأيت رجلًا يحمله وينقله مسافة تقارب 20 مترًا».
نزف محمد بشدة وكان فاقدًا للوعي تمامًا، ووُضع في سيارة أحد السكان وأُخلي من المكان. وفي ساعات المساء من اليوم نفسه، أعلن الأطباء وفاته.
تعكس هاتان الحادثتان ظاهرة متنامية في الضفة الغربية، تُدلّلُ على أن جيش الاحتلال ينفذ عمليات إعدام ميداني دون وجود سبب يستوجب القتل أو حتى إطلاق الرصاص.

انعكاس للفصل العنصري

وبحسب الباحث الحقوقي في منظمة «بتسيلم» كريم جبران، فإن ذلك يشكل جزءًا من ممارسات القتل في الضفة الغربية، وهو «ظاهرة بالفعل»، تعكس استمرار سياسات منظومة الأبارتهايد (الفصل العنصري) وسياسات الإبادة، واستمرار نزع الإنسانية عن الفلسطيني والتعامل معه ككائن بلا قيمة، وفرض السيطرة بالقوة واعتبار حياته غير ذات قيمة.
ويضيف جبران في حديث خاص لـ»القدس العربي»: «هذه سياسة تعكس أيضًا استمرار غياب المحاسبة والتحريض المتواصل، وتشريع قتل الفلسطيني دون أي عواقب، كما تعكس تقصير المجتمع الدولي في محاسبة المجرمين في منظومة الاستعمار، وتتغذى على التحريض المستمر من السياسيين الإسرائيليين».
ويشدد جبران على وجود حملات تحريض على المواطنين الفلسطينيين في كل مكان، موضحًا أن ما يجري حاليًا يمثل توسعًا ميدانيًا في تنفيذ جرائم القتل، حيث تشير الأرقام منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023 إلى استشهاد نحو ألف فلسطيني، قُتل عدد كبير منهم عبر عمليات إعدام ميداني وباستخدام مفرط للسلاح ودون أي مبرر لاستخدام القوة القاتلة.
وتابع: «كثير من المواد المصورة التي حصلت عليها منظمة «بتسيلم»، وهي جزء بسيط مما جرى، وُثّقت بالصدفة وتُظهر تسجيلات مرئية لعمليات إعدام فلسطينيين، ما يعني أن عددًا كبيرًا من عمليات القتل لم يوثق بصريًا».
وأضاف: «في كثير من الحوادث كان إطلاق النار يتم بطريقة لا تتيح للضحية أي فرصة للنجاة، فأي حركة يقوم بها الفلسطيني تُفسر كتهديد لحياة الجنود، وتُستخدم ادعاءات مثل الدهس أو الطعن، فيما تُظهر التحقيقات أن هذه الاتهامات غير واقعية».
وأكد جبران أن الاحتلال يسعى إلى نقل نموذج غزة إلى الضفة الغربية، حيث يجري التعامل مع الفلسطيني وفق منطق الإبادة، موضحًا أن ما يحدث يشبه الآليات ذاتها التي مورست في قطاع غزة، وإن بدرجة عنف أقل.
وختم بالقول إن الفلسطيني، وفق منظور الاحتلال، يُنظر إليه كتهديد دائم، وأن مجرد وجوده يُعد تهديدًا للمنظومة الاحتلالية.

غياب المحاسبة

وحول نجاح التوثيق وأهميته، شدّد جبران على وجود عدة أسباب تدفع إلى الاستمرار في توثيق ما يجري في الضفة الغربية، ويرى في ذلك عملاً مهمًا رغم غياب أي أفق حالي للمحاسبة، في ظل منظومة احتلال صُممت لانتهاك حياة الفلسطينيين، وتُبدي تساهلًا منهجيًا مع القتلة.
وأوضح أن النقطة الثانية في أهمية التوثيق تتمثل في أن المحاسبة، وإن كانت معطلة في الوقت الراهن على المستوى الدولي، فإنها ستتحقق لاحقًا، ما يجعل توثيق الجرائم أساسًا لا غنى عنه لكشف طبيعة المنظومة القائمة على التمييز والإبادة، والتي ترتكب انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين.
ويرى جبران أن الإعدامات الميدانية هي نتاج سياسة ممنهجة، وهدفها المركزي تنفيذ تطهير عرقي، لا سيما في مناطق «ج»، وهو نهج تكثّف بعد السابع من تشرين الأول / أكتوبر، حين تصاعدت شهية الاحتلال الإسرائيلي لقتل الفلسطينيين بشكل مباشر.
ويصف جبران السياسات القاتلة للاحتلال بأنها «محاولات إخضاع عنيفة عبر المزيد من العنف»، هدفها تكريس منظومة الاحتلال والتمييز، وهي منظومة بُنيت عبر سنوات طويلة لترسيخ السيطرة العسكرية وتعميقها.
ويضيف: «سياسات القتل ترتبط بسياسات أوسع تجعل الحياة الفلسطينية غير محمية، وتسهم في خلق واقع طارد عبر الاقتحامات المتكررة، والضغط الاقتصادي، وتقييد الحركة، ما يؤدي إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني وتقويض مقومات صموده».
وختم جبران بالقول: «السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم يقع في الضفة الغربية، لكن العنف اليومي المُمارَس فيها يخلق خوفًا حقيقيًا من انزلاق سريع وخطير قد يصل إلى مستوى الإبادة تحت ذرائع متعددة، وهو احتمال قائم في ظل المنظومة السائدة، إذ يمكن نقل نموذج العنف المستخدم في غزة إلى أي مكان في الضفة الغربية».
وتشير المعطيات إلى أن الاحتلال قتل خلال الشهر الجاري 15 فلسطينيًا في الضفة الغربية، ثمانية منهم دون سن 18 عامًا. ويعلق المحلل السياسي عدي جعارة لـ»القدس العربي» بالقول: «منذ بداية شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي وحتى اليوم، ارتقى 38 شهيدًا في الضفة الغربية، أكثر من 50 في المئة منهم أطفال».
وأضاف: «منذ بداية العام، بلغ عدد الشهداء في الضفة نحو 270، قرابة 60 منهم أطفال دون سن 18 عامًا. فما الذي ينفذه الاحتلال بحق الأطفال في الضفة، في ظل تصاعد هذا المنحى خلال الأسابيع الأخيرة؟»
ويؤكد المحامي والحقوقي المقدسي معين عودة أن عمليات الإعدام الميداني بحق الفلسطينيين ليست جديدة، إلا أن الجديد يتمثل في وتيرتها المتصاعدة. ويربط عودة هذا التصعيد بسببين رئيسيين؛ الأول يتعلق بالوضع الأمني الميداني المتدهور، وحالة الخوف غير المبررة لدى الجنود، بل وحتى لدى المدنيين الإسرائيليين، من أي فلسطيني يقترب منهم بأي شكل، ما يجعل الضغط على الزناد مسألة سهلة، ويؤدي إلى القتل أو ما يسميه الاحتلال «التحييد». أما السبب الثاني، فيرتبط بالمناخ السياسي العام في إسرائيل، والحكومة اليمينية المتطرفة، وفي مقدمتها إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، الذي وزّع عشرات آلاف قطع السلاح على المدنيين الإسرائيليين، ويبارك باستمرار أي عملية إطلاق نار ضد الفلسطينيين، بغض النظر عن الأسباب أو النتائج. كما يشير عودة إلى دور بتسلئيل سموتريتش، من خلال موقعه وزيرًا للمالية وعضوًا في وزارة الأمن، وسيطرته على «الإدارة المدنية»، وتأثيره الواسع على القوات في الميدان، ونقل أفكاره وأيديولوجياته إليها، وهو ما ينعكس على عقلية الجنود وسهولة استخدام السلاح ضد الفلسطينيين.
ويرى عودة أن ذلك يترافق مع غياب شبه كامل لأي تحقيقات جدية من الجيش والشرطة الإسرائيليين في هذه الأحداث، حيث تُعتمد الرواية الإسرائيلية فورًا بزعم أن الفلسطيني حاول تنفيذ دهس أو طعن، وتنتهي المسألة عند هذا الحد. وحول آثار الإعدامات الميدانية، يقول عودة: «لها تبعات خطيرة للغاية، فهي تخلق حالة خوف واسعة من الحركة والتنقل، وتوسع دائرة الرعب في المناطق القريبة من التجمعات الفلسطينية المحاذية للمستوطنات أو القواعد العسكرية».
وأضاف: «هناك تصعيد يومي مفتوح على كل الاحتمالات، ومن الواضح أن هذه العمليات ستتواصل، خاصة في ظل تغطية إعلامية إسرائيلية منحازة بالكامل لقتل الفلسطينيين».
ويتساءل عودة: «ما الذي يمكن فعله قانونيًا لوقف هذه الجرائم؟»، ويقترح في الحد الأدنى ضرورة توقف الفلسطينيين عن تبني الرواية الإسرائيلية، مؤكدًا أن كل ما يجري هو إعدام ميداني ما لم يثبت العكس.
كما يدعو إلى مراكمة الضغط الدبلوماسي، والتركيز على البعد الإنساني ونقله إلى الرأي العام العالمي، في ظل اتساع موجة التضامن الدولي، والاستمرار في التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار