بعد أربعة أيام من إجراء الانتخابات التشريعية في العراق لاختيار أعضار البرلمان لدورته السادسة، بدأ حراك القوى السياسية لتشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة، لتعود إلى الواجهة الأسئلة الجوهرية حول المعايير الأساسية التي يجب أن تتوفر في رئيس الوزراء المقبل لضمان قيادة مستقرة، وحول الأولويات العاجلة التي ينبغي أن يبدأ بتنفيذها فور تسلمه المنصب.
وفي ظل تشابك التحديات الداخلية وارتفاع حساسية الملفات الإقليمية والدولية، باتت مهمة اختيار رئيس الوزراء الجديد أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، فالصراع السياسي داخل البيت الشيعي والتنافس الأميركي–الإيراني، جميعها تجعل منصب رئاسة الحكومة المقبلة رهناً بمعادلات دقيقة وشروط متعددة تتجاوز الأطر الحزبية التقليدية.
ويبدو أن اختيار رئيس الوزراء المقبل سيُبنى – بحسب مراقبين – على ثلاثة مسارات متداخلة، الأول التوافق الداخلي وثوابت البيت الشيعي، حيث تمثل الهوية السياسية ودور الحشد الشعبي والوجود الأجنبي محددات لا يمكن لأي مرشح إغفالها.
والمسار الثاني يتعلق بالتوازن بين واشنطن وطهران، إذ لا يمكن لأي حكومة تجاهل تأثير الولايات المتحدة، ولا تجاوز الثقل الإيراني داخل الإطار التنسيقي الذي يجمع القوى الشيعية الحاكمة في البلاد، وثالثاً أن يكون رئيس وزراء اقتصادي وخبير بالتقشف والإصلاحات الهيكلية في ظل أزمة أسعار النفط وشح المياه.
“ليست نزهة”
وعن تفاصيل هذه المسارات والتحديات، يرى عقيل الرديني، المتحدث باسم ائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، أن مواصفات رئيس الوزراء المقبل يجب أن تكون استثنائية وصعبة، نظراً لطبيعة التحديات “الخطيرة” التي تنتظر البلاد.
ويؤكد الرديني أن أخطر ما يواجه الحكومة المقبلة هو تراجع أسعار النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، ما يجعل من الصعب تغطية الرواتب والموازنة الاستثمارية ونفقات الدولة.
ويضيف أن “العراق مقبل على مرحلة تقشف قاسية، ما يتطلب منع التعيينات وفرض ضرائب لضمان استمرار عمل الدولة.”
ويشير إلى أن أزمة المياه بلغت مستوى غير مسبوق، إذ يشهد نهرا دجلة والفرات تراجعاً خطيراً “لأول مرة في تاريخ العراق”، ما ينذر بكارثة زراعية وبيئية، وربما يقتصر الاستهلاك على مياه الشرب فقط.
لذلك، يشدد الرديني على أن رئيس الوزراء يجب أن يمتلك رؤية اقتصادية بحتة، إلى جانب شبكة علاقات دولية فعالة، وخاصة مع تركيا لحل ملف المياه، إضافة إلى القدرة على ترشيق الوزارات وتقليل النفقات وإقناع الشارع بضرورة القرارات الصعبة.
وفي ظل هذه الظروف يؤكد أن “رئاسة الوزراء المقبلة ليست ذهاباً إلى نزهة، بل أنها مرحلة خطيرة تحتاج رجلاً حاذقاً لإنقاذ البلاد”.
النفوذ الخارجي
أما من جانب التأثير الخارجي، فيرى الكاتب والباحث السياسي عمر الناصر، أن فصل الحكومة العراقية تماماً عن التأثير الأميركي أمر شبه مستحيل، لأسباب ترتبط بالوجود العسكري والأمني للولايات المتحدة، وبالاقتصاد العراقي المعتمد على الدولار والاحتياطي الفيدرالي.
ويقول الناصر إن “واشنطن قد لا تختار رئيس الوزراء، لكنها تؤثر في نوعية الحكومة وسياساتها الأمنية والاقتصادية.”
ويلفت إلى أن الإطار التنسيقي يمتلك القدرة البرلمانية والتحالفية لتشكيل الحكومة نظرياً، إلا أن شروط واشنطن – التي ظهرت بوصول المبعوث الأميركي مارك سافايا – تتعلق خصوصاً بملف الفصائل المسلحة، ما يجعل أي حكومة جديدة مضطرة لأخذ هذه المحددات بالحسبان.
ويرى الناصر أن قدرة الإطار على تشكيل الحكومة تبقى مرهونة بعدم حدوث انشقاقات داخلية أو تغيرات مفاجئة، مؤكداً أن الإطار قادر على بناء تحالفات ديناميكية مع القوى السنية والكوردية، لكنه في النهاية لا يستطيع تجاوز الخطوط الحمراء الأميركية في الملفات الحساسة.
محددات البيت الشيعي
من جانبه، يعتقد الباحث السياسي أبو ميثاق اليساري أن قبول أي مرشح لرئاسة الوزراء داخل الإطار التنسيقي يمر عبر مجموعة محددات أساسية، وصفها بأنها “ثوابت لا يمكن تجاوزها”.
ويشرح اليساري أن أول هذه المحددات هو الحفاظ على الهوية السياسية الشيعية ورأسها التنفيذي، أما الثاني فيتعلق بالحشد الشعبي عبر ضمان حقوقه وبنية قواته ورفض دمجه أو حلّه.
أما المحدد الوطني الأبرز، بحسب اليساري، فهو السعي إلى إخراج الوجود العسكري الأجنبي بالكامل من العراق، وبالتالي “من يتصدى للمنصب عليه مراعاة هذه الشروط بدقة للحصول على الحظوة داخل الإطار.”
تدخلات متزايدة
بدوره، يؤكد الباحث السياسي عبد القادر النايل أن الصراع على تشكيل الحكومة بدأ فور إعلان النتائج، مشيراً إلى أن إيران تدعم المسار الذي يقوده زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لتجميع كتلة قد تصل إلى 130 نائباً ضمن الإطار التنسيقي، مع السعي للتحالف مع الكتل الكوردية والسنية وبعض مقاعد الكوتا لتشكيل تحالف قد يبلغ 210 مقاعد، ودفع رئيس الوزراء الحالي ورئيس تحالف الإعمار والتنمية محمد شياع السوداني وتحالفه نحو المعارضة.
ويشير النايل إلى أن واشنطن أعلنت رفضها هيمنة “المالكي والفصائل المسلحة” على الحكومة المقبلة، ما دفع السوداني للتوجه إلى أربيل (لم تُحدد موعد الزيارة رسمياً بعد) للتفاوض مع القوى الكوردية، في حين يتحرك زعيم حزب تقدم محمد الحلبوسي لتجميع كتلة سنية تقطع الطريق على مشروع المالكي.
ويضيف أن المشهد ازداد تعقيداً بعد تصريحات رئيس مجلس القضاء فائق زيدان حول وجود دعاوى ضد السوداني، من بينها “قضية التجسس على السياسيين”، وهو ما اعتبره النايل “استهدافاً مبكراً” قد يعطل تشكيل الحكومة.
ويتوقع في نهاية حديثه أن التأخير في تشكيل الحكومة مسألة شبه حتمية، مرجحاً أن يكون الحسم عبر التدخل الأميركي المباشر في حال استمرار التدخل الإيراني في مفاوضات التحالفات السياسية.
انتخابات الدورة السادسة
وأجرى العراق يومي التاسع والحادي عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري الاقتراع بشقيه الخاص والعام في انتخابات مجلس النواب للدورة النيابية السادسة، ضمن ممارسة ديمقراطية في العملية السياسية التي نشأت بعد العام 2003، حيث جرى إسقاط نظام البعث السابق على أيدي قوات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، الأربعاء الماضي، النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، التي شهدت إقبالاً بنسبة 56.11% لاختيار 329 نائباً.
وأشارت إلى أن تحالف “الإعمار والتنمية” بزعامة محمد شياع السوداني سجل تقدماً كبيراً في النتائج الأولية، محققاً 1,317,346 صوتاً في 12 محافظة من أصل 18، وجاء ثانياً حزب تقدم برئاسة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وثالثاً ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وفيما يخص قوى الإطار التنسيقي الشيعي فقد حصد تحالف الإعمار والتنمية للسوداني، 45 مقعداً برلمانياً، تلاه ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي بـ30 مقعداً، وكتلة “صادقون” بزعامة قيس الخزعلي بـ26 مقعداً، فيما نالت “بدر” بزعامة هادي العامري 19 مقعداً، و”قوى الدولة” بزعامة عمار الحكيم 18 مقعداً.