الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الغارديان: هل تستعد الإمارات للتخلي عن ميليشيا الدعم السريع في السودان؟
تغيير حجم الخط     

الغارديان: هل تستعد الإمارات للتخلي عن ميليشيا الدعم السريع في السودان؟

القسم الاخباري

مشاركة » الأربعاء نوفمبر 05, 2025 4:28 pm

1.jpg
 
لندن- “القدس العربي”:

ذكرت تقارير صحافية أن الإمارات بدأت تعترف بأخطاء سياستها في السودان بعد مجازر الفاشر، في أول إقرار رسمي بانحراف نهجها منذ دعمها لقوات الدعم السريع عقب انقلاب 2021. وأشارت إلى أن تصريحات أنور قرقاش تمثل تحولًا في الموقف الإماراتي وسعيًا للنأي عن ميليشيا حميدتي التي باتت عبئًا سياسيًا وأخلاقيًا على أبو ظبي، وسط ضغوط دولية متزايدة وتخوفات من تأثير علاقاتها الاقتصادية العميقة -خصوصًا في الذهب وموانئ البحر الأحمر- على مستقبل دورها في السودان.

وتقول صحيفة الغارديان إنه للمرة الأولى، تعترف دولة الإمارات العربية المتحدة علنًا بأخطاء في سياستها تجاه السودان، بعد أن تضررت سمعتها الدولية نتيجة دعمها لقوات الدعم السريع، التي ارتكبت مجازر جماعية في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، منذ سيطرتها عليها أواخر الشهر الماضي.

ففي كلمة ألقاها في البحرين، قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي الأبرز في الدولة، إن الإمارات ودولًا أخرى “أخطأت حين لم تفرض عقوبات على منفذي انقلاب 2021”، الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية في السودان وقاده كل من عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي).

“لقد ارتكبنا جميعًا خطأً عندما سمحنا للجنرالين المتحاربين اليوم بإسقاط الحكومة المدنية،” قال قرقاش. “كان ذلك، بالنظر إلى الوراء، خطأً جوهريًا. كان ينبغي أن نقف بحزم ونصف ما حدث بالانقلاب، لكننا لم نفعل”.

يُعدّ هذا التصريح تحولًا لافتًا في الموقف الإماراتي، إذ كانت أبو ظبي قد لعبت منذ سقوط نظام عمر البشير عام 2019 دورًا بارزًا في إضعاف القوى المدنية وتعزيز نفوذ العسكريين، تحت شعار “ضمان الاستقرار”.
من دعم العسكر إلى الاعتراف بالخطأ

بعد انتفاضة 2019، سعت الإمارات والسعودية إلى دعم المجلس العسكري الانتقالي الذي خلف البشير، عبر حزمة مساعدات بلغت 3 مليارات دولار.

لكن حين استعاد المدنيون نفوذهم داخل الحكومة لاحقًا، جُمّد جزء كبير من تلك المساعدات. ويقول يوناس هورنر من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن ذلك القرار “قوّض الحكومة المدنية مباشرة ومهّد الطريق لانقلاب 2021، ثم للحرب الأهلية في 2023”.

“لو دعمت دول الخليج الحكومة المدنية كما وعدت، لكان مصير السودان مختلفًا جذريًا،” يضيف هورنر. واليوم، وبعد أربع سنوات على الانقلاب، تعترف الإمارات للمرة الأولى بأن سياستها انحرفت عن المسار، وأنها مضطرة إلى النأي بنفسها عن الدعم السريع الذي رعته.
تسليح غير معلن ونفي رسمي

تشير تقارير أممية وصحافية متطابقة إلى أن الإمارات سلّحت قوات الدعم السريع سرًّا، رغم نفيها المتكرر.
وفي يناير الماضي، فرضت إدارة بايدن عقوبات على حميدتي وعلى سبع شركات مقرها الإمارات، متهمةً إياها بتمويل الميليشيا.

وكانت جماعات مدنية سودانية قد حذّرت طوال 18 شهرًا من أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر ستؤدي إلى مجازر ذات طابع عرقي، ما وضع مسؤولية خاصة على الإمارات باعتبارها الجهة الأكثر نفوذًا على حميدتي.

ورغم إدانة أبوظبي للمجازر، حاولت إلقاء اللوم على الجيش السوداني، معتبرةً نفسها ضحية “حملات تضليل تقودها تيارات إسلامية داخل الجيش ومنظمات غربية معادية للإمارات”.

لكن حقوقيين مثل ياسمين أحمد من هيومن رايتس ووتش أكدوا أن اختبار صدق الموقف الإماراتي سيكون في مدى تعاونها مع لجنة الأمم المتحدة لحظر السلاح على السودان.
تشابك المصالح الاقتصادية والسياسية

ترتبط الإمارات بالسودان بعلاقات اقتصادية عميقة تعود لعقود، إذ تنظر إليه كمصدرٍ حيويٍّ للغذاء والمعادن وموقعٍ استراتيجي على البحر الأحمر.

ففي عام 2022، استثمرت موانئ أبو ظبي نحو 6 مليارات دولار في مشروع ميناء أبو عمامة شمال بورتسودان، قبل أن يُلغيه البرهان لاحقًا، ما دفع أبو ظبي إلى الحرص على حماية مصالحها في أي تسوية سياسية قادمة.

أما الذهب السوداني فيبقى المورد الأهم. وبحسب بيانات عام 2024، بلغت الصادرات الرسمية من الذهب إلى الإمارات 1.52 مليار دولار -أي نحو 97% من مجمل صادرات السودان الرسمية. لكن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير، إذ يُهرَّب نحو 90% من إنتاج السودان بقيمة تقدَّر بـ13.4 مليار دولار سنويًا- عبر دول الجوار وصولًا إلى الإمارات.

وترتبط عائلة حميدتي بالإمارات بعلاقات تجارية مباشرة، إذ تملك عبر شركة الجنيد مناجم ذهب ضخمة في دارفور.
كما أرسل حميدتي آلاف المقاتلين إلى اليمن دعمًا للتحالف الذي تقوده الرياض وأبوظبي، ما عزّز الروابط السياسية والعسكرية.

وبجانب المصالح الاقتصادية، تتحكم في سياسة الإمارات حسابات أيديولوجية، إذ ترى في الإسلام السياسي -وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين- تهديدًا وجوديًا يجب احتواؤه. ومن هذا المنطلق، اعتبرت أن دعم حميدتي وسيلة فعالة لتقويض الإسلاميين المرتبطين بالبشير.
اختبار ما بعد الفاشر

بعد أن أصبحت مجازر الدعم السريع عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا، تواجه الإمارات اليوم ضغطًا متزايدًا للانخراط في حل الأزمة السودانية. تعتقد واشنطن أن مفتاح التسوية يكمن في تفاهم إماراتي- مصري يضغط على الطرفين المتحاربين -الدعم السريع والجيش- للوصول إلى وقفٍ شامل لإطلاق النار.

وفي سبتمبر، وقّعت الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات بيانًا مشتركًا حدّد إطارًا لهدنة إنسانية تمتد ثلاثة أشهر، تليها مرحلة انتقالية مدنية خلال تسعة أشهر. وجاء في البيان أن “مستقبل الحكم في السودان يقرّره الشعب السوداني عبر عملية انتقالية شاملة لا تهيمن عليها أي جهة مسلحة”.

لكن الفقرة الختامية عكست الخط الأحمر الإماراتي التقليدي: “لا يمكن أن يُحدَّد مستقبل السودان من قبل جماعات متطرفة عنيفة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين”.
إلى أين تتجه أبو ظبي؟

يبقى السؤال: هل تستطيع الإمارات حقًا فك ارتباطها بالدعم السريع؟
الجواب سيتوقف على ما إذا كانت ترى في حميدتي شريكًا لا غنى عنه لتحقيق مصالحها الاقتصادية ومحاربة الإسلاميين، أم عبئًا يهدد صورتها كقوةٍ “مستقرة وعقلانية”.

كما قال كيمرون هدسون، المسؤول الأمريكي السابق عن ملف السودان: “ما نراه من الإمارات هو إنكار كامل لأي دور لها. ما لم نتفق على الوقائع الأساسية لما يجري ومن يقف وراءه، فلن نقترب من الحل”.

المرحلة المقبلة ستُظهر ما إذا كانت أبو ظبي ستنتقل من الإنكار إلى الفعل، ومن التمويل والإنكار إلى المساءلة والمصالحة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار

cron