في خطوة احدثت هزة في الأوساط السياسية العراقية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيين مارك سافايا، رجل الأعمال العراقي الأصل المقيم في ميشيغان، مبعوثاً خاصاً له إلى العراق.
هذا الإعلان، الذي جاء عبر منصة «تروث سوشيال»، لم يكن مجرد إشادة بمساهمات انتخابية، بل إشارة إلى تحول محتمل في استراتيجية واشنطن تجاه بغداد، حيث يتداخل التراث الشخصي مع الطموحات الجيوسياسية في قلب الشرق الأوسط المتوتر.
ويأتي التعيين في وقت تعصف المنطقة توترات داخلية عراقية وإقليمية، مما يجعل هذه الخطوة تبدو كقنبلة موقوتة في غرفة الاجتماعات الدبلوماسية. لكن الخطوة في كل الاحوال هي تحريك للملف العراقي.
واعتبرت تحليلات ان هذا الخليط بين التراث العراقي والولاء السياسي الأمريكي يجعل سافايا شخصية غير تقليدية تماماً لمنصب دبلوماسي، فبدلاً من الدبلوماسيين المهنيين، يبدو ترامب يفضل «اللاعبين الخارجيين» الذين يجمعون بين الشبكات الشخصية والطموحات الاقتصادية,
لكن غياب الخبرة الحكومية الرسمية لدى سافايا يثير تساؤلات حول قدرته على التنقل في متاهات الدبلوماسية العراقية المعقدة.
في منشوره على «تروث سوشيال»، لم يقتصر ترامب على الإعلان عن التعيين، بل رسم لوحة كاملة لدور سافايا: «فهم مارك العميق للعلاقات العراقية الأمريكية، وعلاقاته في المنطقة، سيساعد في تعزيز مصالح الشعب الأمريكي».
هذه الكلمات ليست مجرد إطراء، بل إشارة إلى أن واشنطن تراهن على شبكات سافايا الخفية لإعادة رسم خريطة النفوذ في العراق، خاصة في ظل التوترات الإيرانية المتزايدة.
ترامب، الذي سبق أن تحدث في قمة شرم الشيخ عن «الثروة النفطية الهائلة في العراق التي لا يعرفون كيفية استثمارها»، يبدو أنه يرسل رسالة مباشرة: العراق ليس مجرد حليف عسكري، بل فرصة اقتصادية هائلة يجب استغلالها قبل فوات الأوان.
وواضح ان سافايا كان يعمل في الخفاء، ينسج خيوطاً دقيقة في نسيج السياسة العراقية، و أبرز هذه الجهود كان دوره المحوري في إطلاق سراح الباحثة الروسية الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، التي احتجزتها كتائب حزب الله لمدة 903 يوماً ابتداءً من عام 2023، قبل تحريرها مؤخراً دون مقابل.
هذا الإنجاز، الذي لم يلفت الأنظار حينها بسبب عدم شهرة سافايا، يكشف عن قدرته على بناء جسور مباشرة مع أطراف عراقية متنوعة، بما في ذلك الفصائل التي تسعى واشنطن إلى تقليص دورها.
وفي بغداد، أثار التعيين موجة من الجدل الذي يعكس الشقاق السياسي العميق، كما انتشرت التكهنات المثيرة فمن جهة، رحب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالخطوة، واصفاً إياها بـ»المهمة»، خاصة مع أصول سافايا العراقية التي «تضمن فهماً لطبيعة الوطن الأم». كما اعتبر السياسي مشعان الجبوري أنها «تؤكد عودة العراق إلى أجندة واشنطن المباشرة»، في إشارة إلى إحياء الاهتمام الأمريكي بالبلاد بعد سنوات من الانسحاب التدريجي للقوات.
لكن الجانب الآخر من الرأي العراقي يرى في التعيين مؤشراً إلى «أمر مريب»، كما وصفه الصحافي فلاح المشعل، الذي استغرب إرسال مبعوث خاص بدلاً من تعزيز دور السفير التقليدي. «المبعوث الخاص يأتي في أوقات الأزمات أو الحروب، أو لنقل رسائل محددة خارج الجهاز الدبلوماسي».
وقال مصدر سياسي ان ترامب قد يخطط للتدخل في الانتخابات العراقية المرتقبة لصالح مرشحين موالين لواشنطن، أو حتى للضغط على استثمار الثروات النفطية الهائلة.
وانقسم الرأي بين فريق يرى في سافايا مفتاحاً لإنهاء سيطرة الميليشيات والنفوذ الإيراني وآخرين يعتبرونه مجرد تكريماً انتخابياً لخدمات سافايا في حملة ميشيغان، دون أن يحدث فارقاً حقيقياً في الواقع العراقي المعقد.
هذا الانقسام ليس مجرد خلاف رأي، بل انعكاس للتوترات الداخلية في العراق، حيث تتصارع الفصائل على النفوذ، وتتربص إيران بالحدود، مما يجعل تعيين سافايا كرصاصة في مسدس محمل بكل الاحتمالات.
مع تعيين سافايا، يبدو أن إدارة ترامب ترسم خطوطاً جديدة لسياستها في الشرق الأوسط، حيث يأتي هذا الدور في سياق انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من العراق، مع التركيز على مواجهة إيران وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
وقد يساهم سافايا، بفضل شبكاته، في مفاوضات حول نزع سلاح الميليشيات أو منع تهريب النفط، مما يعزز من موقف واشنطن في المنطقة