غداد/ تميم الحسن
منح المرجع الأعلى علي السيستاني، وفق محللين، الضوء الأخضر لـ«مقاطعي الانتخابات»، بعد بيان منسوب له تحدث فيه عن أن المشاركة في الانتخابات تكون «حسب القناعة».
وهذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها المرجعية عن الانتخابات – إذا صحّ البيان – دون أن تشجع صراحة على المشاركة كما جرت العادة في البيانات السابقة، إذ ربطت المشاركة بـ«مصلحة الناخب» واختيار المرشح «الصالح الأمين».
وكانت مرجعية النجف قد بدأت منذ منتصف عام 2010 بعدم استقبال أي سياسي عراقي، باستثناء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي استقبلته بعد إعلانه «الاعتزال» في صيف 2022.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، وعدد من النواب الحاليين والسابقين – أبرزهم مصطفى سند وعبد الهادي الحكيم – أمس على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، نصّ ردٍّ منسوب لمرجعية النجف على سؤال أحد أتباع السيستاني حول الموقف من المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وجاء في الردّ، المنشور بتاريخ 18 تشرين الأول الحالي (أول أمس السبت):
«الجواب العام بشأن حكم المشاركة في الانتخابات هو الآتي: حسب قناعة المواطن، فإن وجد أن المشاركة أوفق بمصلحة العراق، فليشارك بانتخاب المرشح الصالح الأمين».
في المقابل، نشرت بعض المنصات الإخبارية أنباءً عن «نفي المنشور»، دون أن تُظهر وثيقة أو بيانًا رسميًا من مكتب السيستاني يؤكد أو ينفي ما نُسب إليه.
وبالاطلاع على الموقع الإلكتروني الرسمي للمرجع الأعلى، لا يظهر أي بيان بهذا الخصوص، إذ إن آخر بيان منشور مؤرّخ في 1 تشرين الأول الحالي، ويتعلق بتقديم الشكر والتقدير لمن قدّموا التعازي في وفاة عقيلة السيستاني.
تحوّل في موقف النجف
يقول إحسان الشمّري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، إن ثبوت صحة الرسالة وصدورها عن السيستاني يُعدّ «تحولًا كبيرًا في موقف المرجع الشيعي الأول»، باعتباره كان راعيًا للعملية السياسية وداعمًا للقوى الشيعية الأولى التي خاضت انتخابات 2005.
وأضاف لـ(المدى): «لكن الآن، وبحكم تراكم التجارب وسوء الإدارة والفساد، وامتناع السيستاني عن استقبال السياسيين، يبدو أنه لا يريد أن يكون (وليًّا فقيهًا) في توجيه الناس نحو قوائم محددة أو دعم العملية السياسية، بل يضع المسؤولية على عاتق الناخبين أكثر من عاتقه أو مسؤوليته».
وبحسب المواقع الإخبارية، فإن آخر استقبال سياسي في مرجعية النجف كان لإياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق، في حزيران 2010.
حماية المقاطعين
يرى الشمّري، الذي يرأس أيضًا مركز التفكير السياسي، أن رأي السيستاني الأخير «قطع الطريق على بعض القوى السياسية التي وصلت إلى حدّ تكفير واتهام كل من يعلن مقاطعة الانتخابات»، موضحًا أن «المرجع الأعلى أراد – إذا ثبت هذا الرأي – تحصين موقف المقاطعين».
وأضاف أن النجف تدرك أن أي دعوة للمشاركة بخلاف قناعات 80% من الناس المقاطعين «قد تثير جدلًا حول موقف المرجعية، لذلك أراد السيستاني حماية المقاطعين والتأكيد على أن لهم الحق في موقفهم ولا يجوز الطعن بهم».
وحول مصطلح «الصالح المخلص» الذي ورد في الرد، يوضح الشمّري أنه «يعكس عدم قناعة المرجعية بمعظم الموجودين، لأن القوى السياسية الحالية أسهمت في تفشي الفساد وسوء الإدارة وانهيار الدولة، لذا ركّز السيستاني على المصطلح باعتباره معيارًا انتخابيًا مضادًا للقوى التقليدية».
ويعارض مقتدى الصدر الانتخابات المقبلة، إذ دعا أنصاره إلى عدم الترشح أو المشاركة في الاقتراع.
وكان الصدر، خلافًا لبقية السياسيين، أكثر من زار السيستاني، لكن بعد اعتزاله عام 2022، زار المرجعية ثلاث مرات خلال عام 2025 عقب إعلانه «المقاطعة».
وجاءت زياراته متزامنة مع أحداث سياسية مهمة: الأولى في آذار بعد إعلانه المقاطعة، والثانية في تموز حين كرر الموقف بسبب «الفساد»، والأخيرة قبل أقل من أسبوع، حيث تسربت أنباء – نفتها أوساطه – عن أنه أبلغ المرجعية بتحضير تظاهرات في 25 تشرين الأول الحالي.
الطريق الوحيد
من جانبه، يقول الباحث السياسي وائل الركابي إن المرجعية أكدت في جميع خطبها السابقة أن الانتخابات هي «السبيل الوحيد للإصلاح والتغيير».
وأضاف لـ(المدى): «سواء صدر بيان جديد أم لم يصدر، فإن المرجعية لا تحتاج لتكرار موقفها باستمرار، فهي ليست كالساسة الذين يتحدثون كثيرًا دون التزام».
وأشار الركابي إلى أن المرجعية تقدّم نصائح ولا تفرض على أحد، لكنها تركز دائمًا على «الاختيار الواعي والصحيح»، داعيةً إلى تجنب التصويت لجهات «لن تحصل على مقاعد أو غير نزيهة».
وكان آخر حديث للمرجعية عن الانتخابات – وفق موقعها الرسمي – في أيلول 2021، قبل شهر من الانتخابات الأخيرة، حيث قالت حينها إنها «تشجّع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة». وهو ما لم يُذكر في الردّ الأخير المنسوب إلى مكتب السيستاني.