بغداد/ تميم الحسن
تلقت أطراف سياسية إشارات باحتمال تأجيل الانتخابات المقبلة، وهو ما قد يكون وراء تحذيرات نوري المالكي الأخيرة.
ويرصد مسؤولون “تراجع حماس” زعامات سياسية تجاه الانتخابات خلال الشهر الأخير، الأمر الذي قد يرتبط بمعلومات عن “حدث كبير” قادم.
وكان “الإطار التنسيقيّ”، الذي يقود الحكومة منذ أكثر من عامين، قد أكد في أكثر من اجتماع على عدم تغيير موعد الانتخابات.
وبحسب قرار حكومي صدر في نيسان الماضي، من المقرر أن تُجرى الانتخابات في 11 تشرين الثاني المقبل بمشاركة نحو 8 آلاف مرشح.
لكن نائباً شيعياً يشكك في إمكانية الالتزام بهذا الموعد، بسبب “مؤشرات ومعلومات” وصلت إلى بعض الأطراف السياسية.
ويفصّل النائب، مشترطاً عدم ذكر اسمه، تلك المعلومات على ثلاثة مستويات:
أولاً: وصول معلومات من دول إقليمية ودولية – لم يُسمِّها – تفيد بأن الانتخابات لن تُجرى في موعدها بسبب “حدث كبير” سيقع في المنطقة.
ثانياً: تطلب أطراف دولية وإقليمية من قوى محلية الدفع باتجاه “تأجيل الانتخابات”.
ثالثاً: وجود إحباطٌ عام لدى أغلب القوى السياسية من أن ما يجري في الإقليم سيؤدي بالنهاية إلى “تأجيل الانتخابات”.
ويتحدث النائب، الذي ينتمي إلى كتلة سياسية شيعية كبيرة، عن احتمال اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل قد تنعكس آثارها على العراق.
ويقول: “قبل شهرين كانت الزعامات السياسية متحمسة للانتخابات؛ تزور مناطق، وتدفع أموالاً لناخبين مفترضين، وتُشكَّل تحالفات لما بعد إعلان النتائج، لكن كل هذا توقف في الأسابيع الأربعة الأخيرة”.
قبل العاصفة
يتوقع مراقبون أن يكون شهر أيلول الحالي “حاسماً” بشأن الوضع الإقليمي واحتمال تجدّد الحرب بين طهران وتل أبيب.
وعلى وقع “طبول الحرب”، حاول محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، الأسبوع الماضي، الحصول عبر سلطنة عمان – التي توصف بـ”بوابة الغرب” – على فرص لـ”نجاة العراق” في حال اندلاع المواجهة.
وفي السياق ذاته، حذر عزت الشابندر، النائب السابق وموفد السوداني إلى سوريا الشهر الماضي، من “عاصفة غير مسبوقة” تستهدف العراق.
وقال الشابندر في تدوينة على منصة “إكس”:
“خذوها من درويش.. العاصفة القادمة وإن جالت ومالت وطافت في كل مكان، فهي عاصفة هائجة مائجة، والعراق غايتها بمسلميه ومسيحييه وعربه وكرده وسنته وشيعته”.
وكان وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري قد توقع في وقت سابق تجدّد الصراع في المنطقة خلال أيلول الحالي، مذكّراً بتوقعه السابق باندلاع حرب بين إيران وإسرائيل، وهو ما تحقق في حزيران الماضي.
خارج السرب
وعلى الرغم من كل هذه التحذيرات، يشدد “الإطار التنسيقيّ” في اجتماعاته الدورية على إجراء الانتخابات في موعدها، باستثناء نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، الذي يطرح رأياً مخالفاً.
المالكي حذر مراراً في الأسبوعين الأخيرين من خطوة “تأجيل الانتخابات” وما قد تسببه من إسقاط للنظام السياسي، من دون أن يكشف عن مبررات واضحة لتلك المخاوف.
ويرى الأكاديمي والباحث خالد العرداوي أن تصريحات المالكي بشأن تأجيل الانتخابات واحتمال تعرض النظام السياسي لمخاطر، لا يمكن الجزم بها بشكل كامل؛ فإما أن تكون مبنية على معلومات دقيقة لدى رئيس الوزراء الأسبق دفعته لإطلاق مثل هذه التصريحات الخطيرة، أو أنها مجرد آراء شخصية.
ويقول العرداوي: “لربما المالكي يستقرأ المشهد باعتبار أن هناك تصعيداً خطيراً متوقعاً بين طهران وواشنطن قد يجرّ العراق إلى التورط، وبالتالي يصبح تأجيل الانتخابات تحصيلاً حاصلاً. أو قد يكون استنتج من خلال ما يسمعه في اجتماعات الإطار التنسيقيّ أن بعض الأطراف تريد التأجيل، فبنى تحذيراته على ذلك”.
وفي أحدث تصريحاته خلال تجمع انتخابي في بغداد، قال المالكي:
“العملية السياسية في العراق ستسقط في حال جرى تأجيل الانتخابات (…) لا تسمعوا مَن يقول إن الانتخابات ستؤجَّل، لن تؤجَّل وستُجرى في موعدها المحدد”.
إضعاف الخصوم
من جانبه، يربط العرداوي بين تحذيرات المالكي والدوافع الانتخابية، معتبراً أنها قد تكون جزءاً من الصراع السياسي ومحاولة لإضعاف فرص الخصوم في الانتخابات المقبلة.
ويضيف: “الموسمُ الانتخابيّ حافلٌ بالشعارات والصراعات، وكل طرف يحاول التأثير على الآخر، وربما تصريحات المالكي تأتي في هذا الإطار”.
وتعود تحذيرات المالكي بخصوص الانتخابات إلى ما قبل نيسان الماضي – أي قبل إعلان موعد الاقتراع – حيث أبدى شكوكاً بشأن تأخر الإعلان عنها.
آنذاك طُرحت دعوات لتشكيل “خلية أزمة حكومية” للتعامل مع أي طارئ قد ينجم عن إغلاق مضيق هرمز، كما هددت طهران.
وتطور الأمر إلى نقاشات حول تشكيل “حكومة طوارئ” وتأجيل الانتخابات، وهو ما أثار غضب قوى في “الإطار التنسيقيّ”.
وقال إياد السماوي، الكاتب المقرب من حكومة السوداني، في تغريدة سابقة على “إكس”:
“العراق سيكون في قلب الحرب، ولن ينجو منها ما لم يُتخذ القرار الصحيح”.
ورأى أن هذا القرار يتمثل في “تشكيل حكومة طوارئ وتأجيل الانتخابات إلى وقت آخر بعد إحلال الأمن والسلام في المنطقة”.
وبحسب العرداوي، فإن تصريحات المالكي “لن تكون الأخيرة”، مرجحاً أن تشهد المرحلة المقبلة مواقف مشابهة من أطراف أخرى خلال الموسم الانتخابيّ.
ويختتم بالقول: “في كل الأحوال ينبغي أن تكون التصريحات السياسية موزونة بمصلحة الشعب العليا، بعيداً عن حسابات الأحزاب والأشخاص، لأن خلاف ذلك سيضر بالمصالح الوطنية”