الوثيقة | مشاهدة الموضوع - العراق يغرق في كارثة مائية… تركيا تقايض الماء بالنفط
تغيير حجم الخط     

العراق يغرق في كارثة مائية… تركيا تقايض الماء بالنفط

القسم الاخباري

مشاركة » الأحد سبتمبر 07, 2025 6:38 pm

1.jpeg
 
بغداد/المسلة: يتدفق الموت الأخضر من صنابير العراقيين، مياه ملوثة بلون الطحالب الكريهة تُحوّل أحلام الشرب النقي إلى كوابيس صحية وبيئية.

وتُغذي هذه الكارثة المائية مخلفات الصرف الصحي، والنفايات الصناعية، والزراعية التي تُلقى بلا رحمة في أنهار دجلة والفرات، لتتحول هذه الأنهار العريقة من مصادر للحياة إلى قبور مائية تنشر الأمراض والدمار.

وتتفاقم الأزمة مع شح الإطلاقات المائية القادمة من تركيا، التي تُمسك بمصير المياه العراقية كورقة ضغط سياسية واقتصادية، فيما تُراكم الحكومات العراقية الخطط المؤقتة التي لا تُجدي نفعاً، وتُلوّح تركيا بمقايضة النفط بالماء، لتُصبح بلاد الرافدين رهينة أزمة مائية تُهدد بجفاف الأرواح قبل الأراضي.

تلوث كارثي يُهدد الصحة العامة

ويُصيب التلوث المائي قلب العراق، حيث تُعاني محافظات الجنوب والفرات الأوسط، مثل البصرة وذي قار وميسان، من وطأة مياه ملوثة بالبراز والنفط والمخلفات الطبية. وتُشير تقارير المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى أن هذه المياه باتت مصدراً رئيسياً لأمراض خطيرة، من الكوليرا والتيفوئيد إلى السرطان، خاصة في البصرة، حيث تُسجل نسب الرصاص في مياه دجلة عشرة أضعاف الحد المسموح به عالمياً.

ويُعاني الأطفال، مثل الطفل سجاد من بغداد، من طفح جلدي وأمراض معدية تُعزى إلى هذه المياه الملوثة، حيث يُعبّر أهالي المناطق المتضررة عن يأسهم: “لا حل لدينا، هذا حالنا”. وتُفاقم المشكلة محطات معالجة الصرف الصحي المتقادمة في بغداد، المصممة لثلاثة ملايين نسمة بينما تتعامل مع ثمانية ملايين الآن، ما يُؤدي إلى تصريف مياه المجاري مباشرة في الأنهار دون معالجة.

ويتسرب التلوث من مصادر متعددة، فالمستشفيات تُلقي مخلفاتها الطبية في الأنهار، والمصانع تُفرغ نفاياتها الكيميائية، بينما تُسهم الأنشطة الزراعية في إضافة السموم عبر مياه البزل المليئة بالأسمدة.

تركيا تُحكم قبضتها

ويزيد من الكارثة شح الإطلاقات المائية من تركيا، التي تُسيطر على منابع دجلة والفرات عبر سدودها العملاقة. وأعلنت أنقرة في يوليو 2025 عن إطلاق 400 متر مكعب في الثانية خلال يوليو وأغسطس، لكن الواقع كشف عن إطلاق 120 متراً مكعباً فقط، ما أدى إلى إفراغ السدود العراقية شبه الكامل لتلبية احتياجات الجنوب ودفع اللسان الملحي في البصرة.

ويُحذر الخبراء من أن هذا الشح، إلى جانب قلة الأمطار وتغير المناخ، يُهدد بجفاف الأهوار والبحيرات، ويُفاقم التلوث بزيادة تركيز الملوثات في المياه الراكدة.

ويُثير إعلان رئيس مجلس النواب محمود المشهداني عن موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على زيادة الإطلاقات إلى 420 متراً مكعباً في الثانية شكوكاً كبيرة. ويُعتبر البعض هذا التصريح مجرد استهلاك إعلامي، خاصة مع تقارير تشير إلى ربط تركيا زيادة الإطلاقات بمشاريع سدود تُنفذها شركاتها، أو حتى بمقايضة النفط بالماء، مما يُضع العراق في موقف تفاوضي صعب.

وتُفاقم هذه السياسات أزمة الأمن المائي، حيث يُؤدي انخفاض مناسيب الأنهار إلى زيادة ملوحة المياه وتعطيل محطات التصفية، خاصة في البصرة، التي تُعاني من مستويات ملوحة تتجاوز المعايير العالمية.

خطط لحظية وفشل حكومي

وتُعاني الخطط العراقية لمعالجة الأزمة من الطابع المؤقت واللحظي، حيث تُركز الحكومة على حلول قصيرة الأمد بدلاً من استراتيجيات طويلة المدى.

وتُشير تقارير ديوان الرقابة الاتحادي إلى إنفاق أكثر من مليار دولار على مشاريع المياه دون تحسين نوعية المياه الصالحة للشرب في بغداد.

وتُواجه محطات التصفية تحديات هائلة بسبب العكورة العالية والطحالب في المياه الخام، خاصة في محافظات النجف وبابل وكربلاء، حيث تُعاني المجمعات المائية من تصاميم غير قادرة على التعامل مع هذا المستوى من التلوث.

وتُحاول السلطات مضاعفة مواد التعقيم، لكن هذه الحلول تُعتبر “جزئية” وغير كافية لمواجهة الكارثة.

وتُثير فكرة مقايضة النفط بالماء جدلاً واسعاً، حيث تُشير تقارير إلى أن تركيا قد تُشترط تنفيذ مشاريع سدود عبر شركاتها أو صفقات نفطية مقابل زيادة الإطلاقات المائية. ويُنظر إلى هذه المقايضة كورقة ضغط اقتصادية تُفاقم التحديات التي تواجه العراق، خاصة في ظل اعتماده شبه الكامل على دجلة والفرات لتلبية احتياجاته المائية. ويُطالب الخبراء بضرورة وضع استراتيجية وطنية شاملة لإدارة المياه، تشمل تحديث محطات التصفية، وفرض عقوبات صارمة على الملوثين، وتفعيل الدبلوماسية المائية لضمان حصص عادلة من دول الجوار

أملٌ ضعيف وسط الجفاف

ويُواجه العراق كارثة مائية تُنذر بتحويل بلاد الرافدين إلى صحراء قاحلة بحلول 2040، مع جفاف أنهاره وتلوث مياهه. وتُظهر الأرقام أن نصف سكان العراق فقط يحصلون على مياه صالحة للشرب، بينما يُجبر الباقون على شراء المياه أو المخاطرة بحياتهم بشرب مياه ملوثة. وتُحاول الحكومة، بدعم من يونيسف، إنشاء محطات معالجة جديدة، مثل محطة مدينة الطب في بغداد، لكن هذه الجهود تظل غير كافية أمام حجم الكارثة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار

cron