بغداد/ تميم الحسن
رسميًّا، تراجعت الحكومة عن «قانون الحشد» الذي حذَّرت منه واشنطن، فيما تبرز خطة «باء» تحاول أطراف شيعية تمريرها
وأعلن مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، في أول تعليق حكومي بخصوص «أزمة الحشد»، أن قانون الحشد الشعبي قد تم تأجيله
وقال الأعرجي في تصريحات تلفزيونية إن «قانون الحشد الشعبي» الذي كان جاهزًا للتصويت في البرلمان قد تم سحبه
وأضاف أن القانون قد يكون بحاجة إلى ما وصفه بـ«التسويق داخليًّا وخارجيًّا» قبل المضي بالتصويت عليه
وعلى الرغم من أن واشنطن هدَّدت بفرض عقوبات اقتصادية في حال تمرير القانون، فإن الأعرجي قال ضمن التصريح الأخير«لا تسألوا عن السبب»!
وكان من المفترض أن يمنح القانون، الذي قُرئ مرتين في البرلمان، صلاحيات عسكرية لـ«الحشد» قد تفوق وزارة الدفاع
تعليمات بدل القانون!
تقول مصادر سياسية قريبة من «الإطار التنسيقي» إنه بعد فشل المجموعة الشيعية في تمرير «قانون الحشد»، يجري الحديث عن «خطة بديلة»
وتوضح المصادر أنه يتم الاستعاضة عن القانون بأوامر حكومية داخلية استنادًا إلى القانون السابق (الأول) الخاص بالحشد الشعبي الذي صدر عام 2016.
القانون السابق كان مقتضبًا للغاية، ضمَّ مواد فقط، ومرَّ على الرغم من اعتراض نحو نائبًا – أغلبهم سُنَّة – في وقت حرج أمنيًّا، كما خلا التشريع من تفاصيل مهمة
وتشير المصادر إلى أن «الخطة باء» تتضمن قيام القائد العام للقوات المسلحة بإصدار أوامر بإعادة هيكلة الحشد وتوسيع صلاحيات الهيئة
كان تشريع «قانون الحشد» الأول مستندًا إلى أمرٍ ديواني أصدره حيدر العبادي، رئيس الوزراء السابق، لتنظيم هذه المجموعة العسكرية، وذلك قبل أشهر قليلة من تمرير التشريع
أبرز نقطة في «الأمر الديواني» تحدَّثت عن «فك الارتباط السياسي» لمنتسبي هيئة الحشد الشعبي من كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية، و«عدم السماح بالعمل السياسي في صفوفه»لكن ما حدث كان شكليًّا، إذ مازالت هذه الفصائل على الأرض تابعة لقوى سياسية بعضها مشاركة بالحكومة
تشير حادثة مديرية الزراعة في بغداد، في تموز الماضي، إلى استمرار ارتباط فصائل من الحشد بجماعات سياسية، حيث حملت الحكومة مجموعة ضباط في «الحشد» ينتمون إلى «كتائب حزب الله» – أكبر الفصائل المسلحة ولديها تمثيل في البرلمان – مسؤولية اقتحام الدائرة الحكومية
وقبيل تمرير القانون (صُوِّت عليه في تشرين الثاني 2016)، استغرب نواب من قيام العبادي بسحب القانون من السلطة التشريعية لتعديله، لكن في النهاية خرج النص ضعيفًا ومقتضبًاولم يتمكن العبادي من إجراء تعديلات بسبب «ضغط الفصائل»، بحسب سياسيين
كان «العمل السياسي» داخل الهيئة يؤرِّق العبادي الذي فقد السيطرة تمامًا على «الحشد»، خصوصًا بعد انقلاب حليفه السابق فالح الفياض، رئيس الهيئة
وفي صيف 2019، أصدر عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء الأسبق، قبل أشهر قليلة من اندلاع احتجاجات تشرين، أمرًا ديوانيًّا بـ«إعادة هيكلة الحشد»
منح عبد المهدي لنفسه حق تعيين رئيس الهيئة، وهو ما أغضب عددًا من الفصائل وبدت وكأنها تتمرد على القرار، الذي اختفى بعد ذلك حين اشتعلت التظاهرات واستقالت حكومة عبد المهدي في نهاية 2019.
وقالت «كتائب حزب الله» في بيان وقت إعلان الأمر الديواني إن على الحكومة «طرد الأميركيين»، متجاهلة تمامًا الحديث عن «الهيكلية الجديدة»، الذي جاء في وقت كانت فيه العلاقات متوترة بين طهران وواشنطن
بالمقابل، رفض فصيل الشبك في سهل نينوى تنفيذ قرارات عبد المهدي بالانسحاب من المنطقة، وطلب الفياض آنذاك من الحكومة «شهرين» لتنفيذ القرارولم يُنفَّذ إلا جزئيًّا في زمن حكومة مصطفى الكاظمي، حيث تراجع الفصيل عدة كيلومترات إلى الوراء بعد اتهامات لاحقته بضرب كردستان بالصواريخ
عقبات
ومازالت الخطة البديلة بشأن «أزمة الحشد»، بحسب المصادر، تواجه اعتراضات رئيسية
تتعلق بمدى قانونية إجراء تغييرات في مؤسسة رسمية دون وجود تشريع يغطي كل التفاصيل
شكوك في أن الإجراء – لو طُبِّق فعلاً – قد لا يجنب العراق «غضب واشنطن»
ما تزال هناك مشكلة متعلقة برئيس الهيئة فالح الفياض، الذي تعترض أطراف شيعية على بقائه في منصبه
يقول محمد الغبان، القيادي في منظمة بدر ووزير الداخلية الأسبق، تعليقًا على قضية «قانون الحشد»«واجهنا ضغوطًا أميركية منذ 2017 بعدم تشريع قانون للحشدالتدخل الأميركي بإقرار القانون تجاوز على السيادة»
وأضاف الغبان في مقابلة تلفزيونية قبل أيام«هناك اعتراضات على وجود فالح الفياض في رئاسة الحشد الشعبي»
واعتبرت الخارجية الأميركية أن تمرير قانون الحشد الشعبي «يكرِّس النفوذ الإيراني في العراق»، وفق بيان رسمي، ولوَّحت بفرض «عقوبات اقتصادية» على البلاد، بحسب المتحدث باسم الخارجية مايكل ميتشل
حوار ومصالح
وتبحث بغداد، بالمقابل، عن «لوبي» يساعدها في التواصل مع الولايات المتحدة لتجنيب العراق تداعيات الحرب، وربما تمرير «قانون الحشد»، بحسب مستشار حكومي
وقام رئيس الحكومة محمد السوداني، الأسبوع الماضي، بزيارة استمرت يومين إلى سلطنة عُمان، اعتُبرت ضمن مساعي بغداد لإيجاد «دولة ضمانة» لتفكيك «سلاح الفصائل»
وكان النائب المستقل أمير المعموري قد كشف في وقت سابق أن «الحكومة سحبت قانون الحشد منذ 10 أيام»، مضيفًا في مقابلة تلفزيونية«لم يكن أحد يعلم، ولا حتى رئيس الهيئة فالح الفياض»
وانشغلت «قوى الحشد» لاحقًا بتوزيع «» سفيرًا جديدًا، بدا وكأنه تعويض عن خسارة القانون
لكن بعض الفصائل المقربة من طهران، التي تطلق على نفسها «المقاومة العراقية»، خرجت من «القسمة الجديدة»، وعُوِّضت بـ«مكاسب اقتصادية ومشاريع استثمارية»، بحسب تقارير غربية
وقال قاسم الأعرجي، في المقابلة التلفزيونية الأخيرة، إن الحكومة تتعامل مع الفصائل المسلحة بـ«الحوار»
وترى أطراف شيعية أن هناك مؤامرة ضد العراق، وأن الحشد الشعبي هو الذي سيقف بوجه تلك المؤامرة، بحسب النائب ثائر الجبوري
وقال الجبوري: «التصويت على قانون الحشد مطلب القوى التي تواجه تلك المؤامرات، وسنبقى نتحدى كل التهديدات»
وكان نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، قد حذَّر قبل أيام من «سقوط النظام»
وقال المالكي في خطاب للعراقيين«لا تسمعوا من يقول ستؤجَّل الانتخابات، وإن أُجِّلت ستسقط الديمقراطية والعملية السياسية في العراق»