بغداد / تميم الحسن
تدفع الاعتراضات والتحذيرات الأمريكية المتصاعدة ضد الفصائل المسلحة، بغداد إلى أحد خيارين اثنين: "دمج" الحشد ضمن المؤسسات الرسمية، أو "تفكيكه".
ورغم أن هذه الحلول قد تبدو غير واقعية، وفقًا للفصائل التي ترفض تسليم السلاح، إلا أن استمرار التحدي قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية وشيكة أو فرض عقوبات على العراق.
ويوم أمس، كشف رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وسط تزايد الانتقادات ضد الفصائل، أن حكومته تمكّنت من إحباط "29" هجومًا على إسرائيل من داخل العراق، خلال الحرب الأخيرة بين طهران وتل أبيب.
كما دافع السوداني، في مقابلة مع وكالة أمريكية، عن قانون الحشد الشعبي، معتبرًا إياه خطوة إصلاحية لهذه المنظومة التي تواجه خلال الشهر الأخير اتهاماتٍ بقصف قواعد عسكرية ومنشآت نفطية واقتحام مبنى حكومي في بغداد.
وكانت "كتائب حزب الله" – أكبر الفصائل المسلحة – المتَّهمة باشتباكات السيّدية، غرب بغداد مطلع الأسبوع الحالي، قد نفت مسؤوليتها عن الحادث الذي تسبب بسقوطِ ضحايا من مدنيينَ وعسكريينَ.
الحل بعد الانتخابات
ويكشف النائب السابق، مثال الآلوسي، عن "وعودٍ" من بغدادَ للإدارةِ الأمريكيةِ بـ"حلّ الحشد" بعد الانتخابات المقبلة.
وبحسب الآلوسي، الذي تحدث لـ(المدى)، فإن سياسيين شيعة، بعضهم في السلطة حاليًا، "وعدوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحل الحشد في حال حصلوا على رئاسة الحكومة المقبلة"، وهي وعودٌ يراها الآلوسي "غير مقنعة لواشنطن".
ويوم الاثنين الماضي، دعت السفارة الأمريكية في بغداد إلى تقديم "الجناة وقادتهم إلى العدالة دون تأخير"، على خلفية حادثة الهجوم على مديرية الزراعة في منطقة السيّدية ببغداد، والتي نُفذت من قبل مسلحين تابعين لألوية داخل الحشد الشعبي، بحسب بيان عسكري رسمي.
خيارات محدودة
في المقابل، يرى إحسان الشمري، وهو باحث وأكاديمي، أن الأحداث المتسارعة في العراق تضع "الإطار التنسيقي" والحكومةَ في موقفٍ محرج، وليس أمامهما خياراتٌ كثيرة.
وقال الشمري لـ(المدى): "الإطار التنسيقي والحكومةَ إما أن تدمجا الحشدَ مع المؤسسات الأمنية، أو أن يُحوِّلا عناصرَهَا إلى مدنيينَ، وهو خيارٌ ترفضُهُ الفصائلُ".
ويعتقد الشمري، الذي يرأس "مركز التفكير السياسي"، أن ما جرى في اشتباكات السيّدية "قد لا يُرضي الإدارة الأمريكية في حال قررت بغداد دمج الحشد"، لأن المجموعة المتورطة بالهجوم تصرفت دون تنسيق، بحسب بيان العمليات المشتركة، "وفي حال دمجهم، قد تتكرر هذه الخروقات"، بحسب قوله.
وتؤكد بغداد، من خلال البيانات والاتصالات مع المسؤولين الأمريكيين، أن الحشد الشعبي "مؤسسة تابعة للقائد العام للقوات المسلحة".
واعتبر الشمري أن حادثة استهداف مديرية الزراعة كانت "استهدافًا للدولة وهيبتها"، وهو "ما أحرج حكومة السوداني والإطار بشكل كبير، وظهر كتمرد على القائد العام".
وأضاف: "البيانات العسكرية الصادرة من العمليات المشتركة أظهرت أن هذه القوى تحركت بمعزل عن السياقات العسكرية والإدارية، وبعيدًا عن الضبط العسكري، وأشارت إلى تداخلٍ عسكريٍ وسياسيٍ، وإمكانيةِ استخدامِ المؤسسات، وحتى الفصائلِ المسلّحةِ ونفوذِها وإرادتها لتثبيت واقعٍ على حسابِ السياقِ الإداري".
وكانت العمليات المشتركة قد أكدت، في بيان صدر يوم الأحد الماضي، أن المهاجمين في حادث مديرية الزراعة ينتمون إلى "اللواء 45 و46" في الحشد الشعبي.
وأشار البيان إلى أن "القائد العام للقوات المسلحة أمر بتشكيل لجنة تحقيقية عليا لمعرفة ملابسات الحادث، وكيفيةِ تحرّكِ القوّةِ المسلّحةِ دون أوامرَ أو موافقاتٍ أصوليةٍ، ومحاولة السيطرة على مبنى حكومي وفتح النار على القطعات الأمنية".
مقدمات لإجراءات خطيرة
جاءت هذه الحادثة بالتزامن مع الرسالة الأمريكية التي نقلها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى السوداني الأسبوع الماضي، والتي شددت على ضرورة منع إقرار "قانون الحشد". وبحسب الشمري، فإن الحادثة قد تُفسَّر على أنها "تحدٍّ مباشر للرسالة الأمريكية".
وأضاف: "الإطار التنسيقي يبدو أنه بات تحت ضغط كبير؛ أولًا من الولايات المتحدة التي ترفضُ إقرارَ قانونِ الحشدِ وما يترتّبُ عليه، وثانيًا من الشارع العراقي الغاضبِ من تجاوزات بعض الجماعاتِ وصدامها مع المؤسسة الأمنية ومحاولتها فرض واقع إداري".
وأوضح أن "الحكومة والتحالف الشيعي قررا التريث في طرح قانون الحشد الشعبي للتصويت، رغم أنه قُرئ مرتين في البرلمان، بسبب تصاعد الرفض الأمريكي والغضب الشعبي إزاءَ السلاحِ المنفلتِ، ما أدى إلى ترحيل القانون".
وأشار إلى أن "التريث قد يكون خيارًا مقبولًا بالنسبة للإطار التنسيقي، يمنحه وقتًا إضافيًا لكسب رضا نسبي من واشنطن، ويظهره في صورة الطرف المتجاوب مع الرؤية الأمريكية".
ولفت الشمري إلى أن واشنطن "تمازج بين قانون الحشد والنفوذ الإيراني داخل العراق، وهذه رسالة سلبية ستلتقطها الولايات المتحدة وستبني عليها مواقفها تجاه المعادلة السياسية العراقية الحالية".
ويعتقد الباحث في الشأن السياسي أن "رسالة السفارة الأمريكية الأخيرة لا يجب أن تُقرأ على أنها تحذير دبلوماسي فقط، بل هي جزء من سلسلة تحذيرات قد تمهد لإجراءات مستقبلية قد تطال جماعاتٍ مسلّحةٍ وكياناتٍ وشخصياتٍ وزعماءَ فصائل".
وكان وزير الخارجية الأمريكي قد اعتبر، في اتصاله الأخير مع رئيس الحكومة العراقية، أن تمرير قانون الحشد الشعبي "سيؤدي إلى ترسيخ النفوذ الإيراني، وتعزيز الجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوّض سيادة العراق"، وفقًا للبيان الأمريكي.
وبخلاف خيارَي "دمج الحشد" أو "تفكيكه"، كما افترض الشمري، قد تطرح بغداد "مبادرة جديدة" للسيطرة على السلاح، بما يتوافق مع مسودة القانون المراد تشريعه، والتي يسعى بعض المتشددين داخل الإطار التنسيقي، سواء من السياسيين أو الأجنحة المسلحة، إلى تمريرها. وفي حال تمرير القانون، سيكون هؤلاء قد "حسموا موقفهم بالمواجهة مع الولايات المتحدة، والاصطفاف مع المحور الإيراني"، بحسب الباحث.
وتنفي الحكومة، حتى الآن، وجود خطة لـ"دمج الحشد"، فيما يؤكد السوداني، في المقابلة الأخيرة التي أجرتها معه وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أنه يستخدم "مزيجًا من الضغط السياسي والعسكري لمنع الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران من الانخراط في أي صراع إقليمي".
عقوبات محتملة
في غضون ذلك، يرى مثال الآلوسي، العضو السابق في لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، أن الحديث عن لجوء الولايات المتحدة إلى توجيه ضربات عسكرية إلى العراق "هو تبسيطٌ للأمور، خصوصًا وأن واشنطن سبق أن منعت إسرائيل من إدراج العراق ضمن نطاق الاستهداف".
ويقول الآلوسي إن "الخطر الأكبر هو الأموال العراقية؛ فأمريكا هي الضامن لعدم المساس بالاحتياطي العراقي، الذي يتجاوز 100 مليار دولار، وهي الضامن لانسيابية الدولار واستمرار مبيعات النفط".
واعتبر النائب السابق أن مكالمة وزير الخارجية الأمريكي وبيان السفارة يمثلان "الإنذار الأخير" لبغداد للسيطرة على الفصائل التي "تنفذ سياسة إيرانية، وتهرّب النفط، وتموّل منظمات مسلحة في المنطقة"، على حد وصفه.
وحذّر الآلوسي من "تسويفِ الوعودِ"، معتبرًا أن الإدارة الأمريكية الحالية تختلف عن إدارة الرئيس جو بايدن السابقة، مشيرًا إلى أن ما جرى مؤخرًا في حادثة مديرية الزراعة في بغداد ناتج عن "صراع بين الفصائل على المناطق الغنية التي تربط بغداد بمحافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل".
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت، مساء الاثنين، إلقاء القبض على مدير الزراعة السابق – والذي يُعتقد أنه قيادي في "كتائب حزب الله" – لتورّطه المباشر في الاشتباك المسلح.
في المقابل، نفت "الكتائب" في أول ردٍّ رسمي لها على الحادثة، مسؤوليتها عن الاشتباك، وأكدت أنها "ليست طرفًا في الحادث"، مشيرة إلى أن من تسبّبَ بسقوطِ الضحايا هو "ضابطٌ منفعل" أطلق النار داخل البناية.
وكان حسين مؤنس، القيادي في كتلة حقوق، قد وصف الحادثة أول أمس بأنها "نيرانٌ صديقة"، معترضًا على "التسرّع في إصدار البيانات" بشأن الهجوم.