بغداد / تميم الحسن
في 22 حزيران 2025، طلب رئيس مجلس محافظة بغداد، عمار الحمداني، إقالة مدير زراعة العاصمة، إياد كاظم، متَّهماً إيّاه بـ"ارتكاب مخالفات" و"قلة الخبرة". لم يلفت هذا الخبر حينها الكثير من الانتباه، لكن بعد شهر فقط، أُقيل كاظم فعلاً، ليتحوّل هذا القرار إلى شرارة أكبر خرق أمني تشهده العاصمة منذ ثلاث سنوات.
في اجتماع عاجل عُقد مساء الأحد، بعد ساعات من الهجوم المسلّح على مديرية الزراعة، رفض "الإطار التنسيقي"، الذي يقود الحكومة منذ أكثر من عامين، استخدام السلاح خارج مظلة الدولة، ووصف الحادث بـ"الاعتداء" و"الخروج عن القانون"، بحضور رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني.
وكان العشرات من المسلّحين التابعين لألوية في"الحشد الشعبي" قد اقتحموا صباح الأحد مبنى مديرية الزراعة جنوب غربي بغداد، مطلقين النار داخل المبنى، احتجاجاً على إقالة المدير السابق. وأسفر الهجوم عن سقوط أكثر من 10 قتلى وجرحى من العسكريين والمدنيين، فيما أعلنت السلطات لاحقاً اعتقال 14 متهماً ينتمون إلى اللواءين 45 و46 التابعين للحشد الشعبي، بحسب بيانات رسمية.
ما قبل العاصفة
قبل أسبوعين من الحادث، كشف النائب كاظم الشمري، في مؤتمر صحفي عُقد داخل مبنى المحافظة، عن "عصابات مسلّحة تستولي على أراضٍ زراعية في قضاء المدائن"، بحضور شقيقه عضو المجلس، باسم الشمري، ومدير الزراعة السابق، إياد كاظم.
وأشار الشمري، في تدوينات ومقابلات تلفزيونية، إلى أن تلك العصابات تمتلك سيارات من نوع "تاهو"، وتقوم بفرض سيطرتها على الأراضي الزراعية، متهماً إيّاها بمحاولة إجراء "تغيير ديموغرافي".
وبعد أيام من المؤتمر، أصدر نائب محافظ بغداد، علي الزيدان، بتاريخ 23 تموز الجاري، قراراً بإعفاء إياد كاظم، وتكليف أسامة حسن سلّومي خلفاً له. وكان الحمداني، رئيس مجلس المحافظة، قد أوصى بإقالة كاظم قبل ذلك بشهر، مستنداً إلى تقارير رسمية من لجنة الزراعة والأهوار والمياه النيابية، تؤكّد ارتكابه مخالفات، وعدم امتلاكه المؤهلات اللازمة لشغل المنصب.
أراضٍ تُروى بالدم
تداولت مصادر سياسية، غير مؤكّدة، أن إياد كاظم ينتمي إلى "فصيل مسلح "، ويشغل موقعاً سابقاً في "التعبئة الثقافية" التابعة للحركة، التي تتبع لها اللواءان المتورطان في حادث الزراعة.
وتشير المعلومات إلى أن الاشتباك المسلّح جاء نتيجة صراع على الأراضي بين هذين اللواءين ولواء آخر يتبع فصيلاً داخل الحشد، يستعد للمشاركة في الانتخابات المقبلة.
النائب السابق، مشعان الجبوري، تحدّث عن "معلومات خطيرة" في هذا الملف، قائلاً في مقابلة تلفزيونية: "بعض أراضي حزام بغداد تُنتزع بالقوة، والدافع ليس ديموغرافياً، بل استثماري بحت".
وتوقّع الجبوري إطلاق سراح المعتقلين في حادث مديرية الزراعة، متسائلاً: "إذا لم نتمكن من عزل مدير عام، فكيف سنحصر السلاح؟"
"مظلّة الدولة"
نشرت وزارة الداخلية، الأحد، صوراً للمتورّطين الـ14 في الهجوم على مديرية الزراعة، فيما فتحت الحكومة تحقيقاً في الحادث، الذي يُعدّ الثالث من نوعه خلال شهر واحد.
من جانبها، أكّدت هيئة الحشد الشعبي، في أول تعليق لها، أنها "لن تتساهل مطلقاً مع أي فرد يتجاوز الأوامر أو يخالف السياقات الأمنية"، مشددة على أن "الحشد يعمل تحت مظلة الدولة، وأي تصرّف خارج هذا الإطار يُعدّ خرقاً للقانون".
رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، قال في بيان عقب اجتماع أمني طارئ: "لا أحد فوق القانون، ويجب محاسبة المرتكبين وفق القوانين النافذة، وليس من حق أي جهة أن تحلّ محل الدولة أو سلطاتها".
وكانت الاشتباكات قد استمرّت لنحو ساعتين داخل ومحيط مبنى المديرية في منطقة السيدية ببغداد، حيث اشتبك نحو 35 مسلّحاً يستقلون 5 سيارات رباعية الدفع مع قوات حماية المبنى، قبل وصول تعزيزات أمنية.
"نيران صديقة"
اعتبر النائب، حسين مؤنس، رئيس كتلة "حقوق" التابعة، أن ما حدث هو "نيران صديقة".
وقال مؤنس في تدوينة: "الحادث مُدان بالكامل، ومن غير المقبول الوقوع في خطأ الاشتباك بين نيران صديقة، وهو ما يدفع إلى ترصين العمل الأمني وتوسعة التنسيق بين التشكيلات".
ودعا إلى "عدم فسح المجال للمتصيدين في الماء العكر، الذين يستغلون البيانات الرسمية التي تصدر أحياناً على عجل قبل انتهاء التحقيقات".
هل الفصائل جزء من الحشد؟
تُعدّ هذه المرة الأولى، منذ تسلُّم "الإطار التنسيقي" السلطة أواخر عام 2022، التي يُكشف فيها عن تورّط قوات من الحشد الشعبي في خروقات أمنية، في وقت تتعرض فيه الحكومة لضغوط أميركية بشأن وضع تلك القوات.
وأكّد السوداني، في 27 تموز الجاري، أن "حصر السلاح بيد الدولة أصبح مرتكزاً أساسياً لدولة قوية"، خلال مشاركته في حفل استذكار ثورة العشرين في محافظة بابل.
وقبلها بخمسة أيام، أبلغ السوداني وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، خلال اتصال هاتفي، بأن "الحشد هو مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل ضمن صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة"، في سياق الحديث عن "قانون الحشد" و"هجمات المسيّرات" التي استهدفت إقليم كردستان.
وفي تطور لاحق، قدّمت السفارة الأميركية في بغداد تعازيها لعوائل الضحايا الذين سقطوا خلال الهجوم على مديرية الزراعة، متهمة بشكل مباشر "فصائل مسلحة " بالوقوف وراء الحادث.
وقالت السفارة في بيان رسمي: "نتقدّم بأحرّ التعازي لعائلات الضحايا الذين قُتلوا على يد كتائب حزب الله، وهي منظمة إرهابية مصنّفة من قبل الولايات المتحدة، وتندرج ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، وذلك في 27 تموز/يوليو، في إحدى دوائر وزارة الزراعة ببغداد".
وأضاف البيان: "نشعر بالحزن لفقدان الأرواح، ومن بينهم عنصر في الشرطة الاتحادية ومدني بريء، كما نتمنى الشفاء العاجل للمصابين".
ودعت السفارة الأميركية الحكومة العراقية إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة لتقديم الجناة وقادتهم إلى العدالة"، مشدّدة على أن "المساءلة تمثّل حجر الأساس في ترسيخ سيادة القانون ومنع تكرار مثل هذه الأعمال العنيفة".