بغداد/ تميم الحسن
يحاول "الإطار التنسيقي" تصوير أزمة "قانون الحشد" على أنها مواجهة ندّية مع الولايات المتحدة، إلا أن سياسيين يرون أن هذا النهج قد يقود إلى "خطأ استراتيجي".
ويهاجم مؤيدو تمرير القانون، الذي أصبح جاهزًا للتصويت في البرلمان، ما يصفونه بـ"التدخل الأميركي"، ويتهمون المترددين من حلفائهم بـ"التخاذل"، وسط تصعيد متزامن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المفترضة نهاية العام الحالي، وسعي القوى السياسية لكسب أصوات منتسبي الحشد الشعبي وذويهم.
وفي تطور لافت، نشرت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء الماضي، بيانًا قالت فيه إن الوزير ماركو روبيو تحدث مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشأن الهجمات الأخيرة على منشآت الطاقة، وقانون الحشد.
وأكد البيان أن "الوزير كرر المخاوف الأميركية الجادة بشأن مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي المعروض على مجلس النواب، وأن أي تشريع من هذا النوع سيكرّس النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية المسلحة، مما يقوّض سيادة العراق".
ويستعد البرلمان لتمرير مشروع القانون بهدف منع دمج نحو 300 ألف عنصر من الحشد في المؤسسات الأمنية الرسمية، وتحويل الهيئة إلى "قوة مستقلة" ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.
"استجابة للضغوط"
ردًا على الموقف الأميركي، قال قيس الخزعلي، زعيم حركة "عصائب أهل الحق" وأحد أبرز قادة "الإطار التنسيقي"، إن "التدخل الأميركي السافر في الشأن العراقي لم يعد مجرد تجاوز دبلوماسي".
وأضاف في بيان أن "منع البرلمان من أداء دوره تحت الضغط الأميركي هو تعطيل لمؤسسات الدولة وابتزاز سياسي لا يمكن القبول به"، معتبرًا أن "الاستجابة للضغوط تعني التنازل عن القرار الوطني، والسكوت يعني إعلان وفاة الديمقراطية العراقية رسميًا".
وتواجه مسودة القانون اعتراضات من القوى السنية والكردية، فيما تنص على أن مهام الحشد تشمل "حماية النظام الدستوري والديمقراطي، والدفاع عن وحدة العراق وسلامة أراضيه، ومكافحة الإرهاب".
في السياق ذاته، أصدرت "كتائب حزب الله"، أحد أبرز الفصائل المسلحة، بيانًا حذّرت فيه حكومة السوداني، ملوّحة بانتهاء الاتفاق مع رئيس الوزراء بشأن انسحاب القوات الأميركية بعد شهرين، ومؤكدة أنها لم تلحظ "أي تغيير" على وضع هذه القوات حتى الآن.
وقالت إن "على رئيس الوزراء الالتزام بما تم الاتفاق عليه، وإلا فسيكون لنا رأي آخر".
كما اعتبرت "حركة النجباء" تصريحات روبيو "تدخلًا سافرًا"، مشددة على أن ما جرى في المكالمة "دليل على أحقية المقاومة وضرورة استمرارها لحماية العراق من الانتهاكات".
وتنص المسودة على السماح للحشد "ببناء مؤسسة عسكرية متكاملة من حيث التسليح والتجهيز والتدريب"، إضافة إلى تقديم المشورة للحكومة في قضايا الأمن الوطني، وتأسيس "أكاديمية الحشد الشعبي" التي تمنح شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية.
"خطأ استراتيجي"
يرى الباحث في الشأن السياسي، أحمد الياسري، أن الإصرار على تمرير القانون يمثل "خطأً استراتيجيًا"، قائلًا في حديث لـ(المدى): "الإطار التنسيقي يطرح القانون وكأنه يستثمر الرد الإيراني على إسرائيل لإعادة تنظيم نفسه ضمن منظومة النفوذ الإيراني في العراق".
وأضاف: "فيما توقفت تداعيات انهيارات لبنان وغزة وسوريا عند الحدود العراقية، يرى الإطار أنه قادر على الاستفادة من هذا الواقع لتكريس خطابه".
ويشير الياسري إلى أن الإطار يحاول الجمع بين "الدعاية الانتخابية" و"الندّية مع أميركا"، في مسعى لكسب تأييد جمهور الحشد، لكنه يصف هذه الندّية بأنها "وهمية"، مضيفًا: "أميركا تمسك بخيوط النظام العراقي، من بيع النفط، وتأسيس القوات الأمنية، إلى امتلاك الأجواء، على عكس الوضع في سوريا أو مع حزب الله، وبالتالي فإن فرض العقوبات قد يدمّر الوضع في العراق سريعًا".
ويصف رئيس المركز العربي- الأسترالي للدراسات الاستراتيجية ما يجري بأنه "مشاكسة" للإطار أمام جمهوره، لكن أميركا تعتبره "تحديًا مباشرًا"، لكون الحشد يشكل واجهة للفصائل المرتبطة بإيران.
ويرى أن أي مواجهة مستقبلية مع القوات الأميركية قد تضع الحشد، ومن خلفه الدولة العراقية، في الواجهة: "لأن القانون يكرّس انضمام الفصائل إلى المنظومة الأمنية، بينما في الواقع بعض فصائل الحشد تتبع سياسيًا وأمنيًا للحرس الثوري الإيراني".
ويضيف: "هذا التعارض قد يوقع البرلمان والحكومة في إشكالية كبيرة، والتصويت على القانون بصيغته الحالية سيكون بمثابة توريط للإطار، وهو خطأ استراتيجي قد يدفع ثمنه العراقيون جميعًا".
وكان مكتب رئيس الحكومة أكد أن السوداني دافع خلال حديثه مع روبيو عن التشريع، واعتبره جزءًا من مبادرة أوسع للإصلاح الأمني، مشددًا على أن الهيئة تخضع لسلطة القائد العام وتعمل ككيان أمني رسمي إلى جانب المؤسسات الأمنية والاستخبارية.
"لا مجال للتسويف"
من جهته، يرى القيادي السني أثيل النجيفي أن "الإطار التنسيقي" قد يتراجع في النهاية عن تمرير القانون بسبب الرفض الأميركي.
وقال النجيفي لـ(المدى): "الولايات المتحدة وضعت خلال مكالمة روبيو والسوداني خطوطًا حمراء واضحة بشأن العلاقة مع بغداد، ولا أعتقد أن أسلوب التسويف والمماطلة سيجدي نفعًا هذه المرة".
وأضاف أن "الإطار، أو على الأقل أطرافًا واسعة منه، تدرك أن الصدام مع واشنطن في هذا التوقيت سيكون مكلفًا، لذلك سيحاول العراق الاستجابة للمطالب الأميركية، ولكن بطريقة تُسوَّق داخليًا لتجنب أي صراع شيعي–شيعي".