ارتفعت حصيلة القتلى في محافظة السويداء جنوب سوريا إلى 203 أشخاص منذ اندلاع الاشتباكات الأحد بين "فصائل درزية ومسلحين من البدو"، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان، في وقت طلبت فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من إسرائيل وقف هجماتها ضد القوات السورية في الجنوب.
وأوضح المرصد أن القتلى يشملون 92 درزياً، بينهم 21 مدنياً "أُعدموا ميدانياً على يد عناصر حكومية"، إضافة إلى مقتل 93 عنصراً من القوات الحكومية و18 من البدو، وذلك وسط توتر واسع وانتشار مكثف للقوات النظامية في المحافظة.
وفي سياق متصل، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول أمريكي أن إدارة ترمب طالبت إسرائيل وقف غاراتها الجوية على القوات السورية جنوب البلاد، مشيراً إلى أن إسرائيل أبلغت واشنطن بأنها ستتوقف عن تنفيذ الهجمات مساء الثلاثاء، بحسب ما أفاد الصحفي باراك رافيد عبر منصة إكس.
وأظهر مقطع مصوّر انتشر على منصات التواصل الاجتماعي 10 أشخاص على الأقل يرتدون ملابس مدنية مضرجين بالدماء داخل المضافة، طرح بعضهم أرضاً وآخرون على أرائك، وبجانبهم صور لمشايخ دروز ملقاة على الأرض وأثاث مخرّب ومبعثر، وفق ما أفادت وكالة فرانس برس.
وتحدث المرصد عن إعدام مجموعة مسلحة قال إنها تابعة للقوات الحكومية لـ"4 مدنيين دروز بينهم امرأة في مضافة آل مظلومة بقرية الثعلة" في ريف السويداء.
وقال إن "مجموعة مسلّحة تابعة لدوريات الأمن العام، أطلقت النار بشكل مباشر على ثلاثة أشقاء بالقرب من دوّار الباشا شمال مدينة السويداء، أثناء وجودهم برفقة والدتهم، التي شاهدت لحظة إعدامهم ميدانياً".
ولم تعلق السلطات السورية بعد على هذه الاتهامات.
لكن الرئاسة السورية أكدت في بيان، "ضرورة التزام كافة الجهات العامة والخاصة المدنية والعسكرية بمنع أي شكل من أشكال التجاوز أو الانتهاك تحت أي مبرر كان"، وذلك "انطلاقاً من حرص الدولة على صون الحقوق، وحقن الدماء، وسيادة القانون وضمان انتظام مؤسساتها".
وقالت الرئاسة في بيان، إنها "كلفت الجهات الرقابية والتنفيذية المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية الفورية بحق كل من يُثبت تجاوزه أو إساءته مهما كانت رتبته أو موقعه".
ويأتي ذلك، بعدما أعلن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في وقت سابق الثلاثاء، وقفاً تاماً لإطلاق النار في السويداء عقب الاتفاق مع وجهاء المدينة، وذلك بعد ساعات من بدء دخول قواته إليها، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة وقصف إسرائيلي.
وأشارت القوات الحكومية السورية إلى فرض حظر تجول في أنحاء السويداء.
وقالت وزارة الداخلية السورية، مساء الثلاثاء إن قواها الأمنية تمكنت من طرد المجموعات الخارجة عن القانون من مركز مدينة السويداء، وتأمين المدنيين، وإعادة مظاهر الاستقرار إلى المدينة.
ووفق بيان للوزارة، فإن الاتفاق الذي جرى خلال الساعات المبكرة بين الأطراف، "تم خرقه حيث عادت المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون لشنّ اعتداءات غادرة استهدفت عناصر الشرطة والأمن في محاولة لإرباك المشهد الأمني ونسف ما تم التوصل إليه من تفاهمات محلية".
"حركة نزوح كبيرة"استمرار الاشتباكات بين مسلحين دروز وآخرين من البدو في السويداء جنوبي سوريا
وتواصل قوات الأمن الداخلي انتشارها ضمن أحياء مدينة السويداء لـ "حماية الأهالي والممتلكات ومنع وقوع أي تجاوزات، مع استمرار ردها على مصادر إطلاق النار من قبل مجموعات خارجة عن القانون"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن مصدر أمني في المدينة.
واتهم المرصد السوري "عناصر من جهاز الأمن العام باختطاف رجال ونساء من قرية جرين في الريف الغربي للسويداء".
وأفاد المرصد بـ "قيام عناصر تابعة لوزارة الدفاع بعمليات تخريب ممنهجة طالت منازل وممتلكات المدنيين في عدد من قرى وبلدات ريف السويداء".
واتهم هذه العناصر بـ "سرقة محتويات منازل وتكسير أبواب ونوافذ، قبل أن يعمدوا إلى إضرام النيران في بعضها، ما أسفر عن دمار واسع وخسائر مادية جسيمة".
وشوهد رجال يرتدون زياً عسكرياً يحرقون وينهبون منازل ومتاجر ويضرمون النار في متجر خمور، وفق وكالة رويترز.
وقال أحد سكان السويداء، إن المدينة تعرضت لـ "قصف عنيف"، الثلاثاء، رغم وقف إطلاق النار المعلن، وسط مشاهدته تحليق طيران إسرائيلي في أجواء المدينة واستهدافه القوات التي دخلت السويداء.
ووصف الوضع في المدينة عبر تسجيل صوتي أرسله إلى بي بي سي، بـ "الكارثي"، وقال إن القصف الذي يمكن سماعه بالتسجيل، لا يزال مستمراً، موضحا أن إطلاق النار الاثنين والثلاثاء، كان "عشوائياً واستهدف أحياء سكنية ومدنيين" وهو ما دفع "الكثير من سكان المدينة إلى النزوح منها باتجاه الريف رغم حظر التجول المعلن" على حد تعبيره.
وأشار المتحدث الذي يقول إنه موجود في قلب المدينة، إن الأخيرة "استُهدفت بقذائف هاون وأخرى صاروخية".
ولاحقاً، أفادت "سانا" بأن الجيش السوري بدأ بسحب الآليات الثقيلة من السويداء، تمهيداً لتسليم أحياء المدينة لقوى الأمن الداخلي.
وفسر المرصد السوري انسحاب الآليات الثقيلة بأنها "تهدف لاحتواء الغضب الشعبي وتخفيف التوتر، بعد أن وُجهت انتقادات واسعة لاستخدام السلاح الثقيل في أحياء مأهولة بالسكان وتسجيل انتهاكات بحق السكان".
وكان الشيخ الدرزي البارز، حكمت الهجري، رحّب بدخول القوات الحكومية، لكنه سرعان ما دعا إلى "التصدي لهذه الحملة البربرية بكل الوسائل المتاحة". وقال في بيان مصور لاحق "رغم قبولنا بهذا البيان المذل من أجل سلامة أهلنا وأولادنا، قاموا بنكث العهد والوعد واستمر القصف العشوائي للمدنيين العُزّل".
في غضون ذلك، أعلن السياسي الدرزي اللبناني، وئام وهاب، المقرب من حزب الله، "انطلاق جيش التوحيد"، داعياً في تغريدة عبر منصة "إكس"، "الجميع إلى الانضمام والبدء بتنظيم مقاومة مستقلة".
سوريا: هل تتحول السويداء إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية؟وعقب دخول قوات الأمن الداخلي ووزارة الدفاع السورية وانتشارها في شوارع السويداء، شهدت المدينة "موجة نزوح كبيرة" للمدنيين، وفق منصة السويداء 24 المحلية.
وأكد المرصد السوري وجود "حركة نزوح جماعي لعدد كبير من العائلات من المدينة نحو القرى والبلدات الريفية المجاورة" مستنداً في ذلك إلى "تسجيلات مصورة ومقاطع نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي".
وأعادت الاشتباكات بين مسلحين من الدروز من جهة والبدو من جهة أخرى، إلى الواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها السلطات الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع منذ وصولها إلى الحكم بعد إطاحة بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول.
"قتلى وجرحى" في غارات إسرائيليةوالثلاثاء، شنّت إسرائيل غارات على القوّات الحكومية السورية، بعيد دخولها مدينة السويداء التي تقطنها غالبية من الأقلية الدرزية التي تعهدت إسرائيل بحمايتها.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه "هاجم آليات عسكرية تابعة للنظام السوري" في منطقة السويداء، بعد رصد "قوافل من ناقلات الجند المدرعة والدبابات تتحرك نحو المنطقة"، وذلك "بتوجيهات من المستوى السياسي".
وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن القوات هاجمت منذ الاثنين، "آليات مدرعة منها دبابات وناقلات جند مدرعة وقاذفات صاروخية إلى جانب طرقات لعرقلة وصولها إلى المنطقة".
وتحدث الجيش الإسرائيلي عن عبور "عشرات المواطنين الإسرائيلين السياج الحدودي إلى داخل الأراضي السورية في منطقة مجدل شمس"، مشيراً إلى أن قواته تعمل على "إعادتهم بأمان إلى الأراضي الاسرائيلية".
وفي السياق، دعا وزير الشتات الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، إلى "اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع بشكل فوري"، وذلك في أعقاب تطورات الأوضاع الأخيرة في سوريا.
وكتب شيكلي عبر منصة إكس، "لا ينبغي لنا أن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة نظام الإرهاب الإسلامي المتمثل في تنظيم القاعدة"، على حد تعبيره. وشدد على ضرورة "محاربة نظام الإرهاب في سوريا"، على حد وصفه.
وأتى ذلك، بعدما وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس في بيان مشترك، "بتوجيه ضربة فورية لقوات النظام والأسلحة التي أُدخلت إلى منطقة السويداء في جبل الدروز في سوريا بهدف تنفيذ عمليات ضد الدروز".
وتحدثت وكالة الأنباء السورية عن غارات طالت مدينة السويداء وأطراف مدينة إزرع في ريف درعا في جنوب سوريا.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الطيران الإسرائيلي نفذ "سلسلة غارات جوية استهدفت آليات وأرتالاً عسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في مدينة السويداء ومحيطها" ما أسفر عن سقوط "قتلى وجرحى".
وأدانت وزارة الخارجية السورية ما وصفته بـ "العدوان الإسرائيلي الغادر" الذي استهدف مناطق داخل الأراضي السورية وأسفر عن مقتل عدد من القوات المسلحة السورية ومدنيين.
واعتبرت الوزارة في بيان، الهجوم "انتهاكاً صارخاً لسيادة" سوريا و"خرقاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
وفيما أكدت دمشق "تمسكها الراسخ بحقها المشروع في الدفاع عن أراضيها وشعبها بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي"، شددت على "حرصها على حماية جميع أبنائها دون استثناء وفي مقدمتهم أهلنا من أبناء الطائفة الدرزية"، وفق البيان.
واعتبر المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس برّاك أن الاشتباكات الأخيرة في جنوب سوريا "مقلقة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن العمل جار من أجل "التهدئة".
وقال براك في منشور على منصة إكس، "نحن منخرطون بشكل فعّال مع جميع المكوّنات في سوريا بهدف التوجّه نحو التهدئة"، مضيفاً "الاشتباكات الأخيرة في السويداء مقلقة لجميع الأطراف، ونحن نحاول الوصول إلى نتيجة سلمية وشاملة للدروز، والقبائل البدوية، والحكومة السورية، والقوات الإسرائيلية".
وأحصى المرصد السوري، منذ مطلع العام الحالي، 64 مرة قامت خلالها إسرائيل باستهداف الأراضي السورية، منها 55 جوية و10 برية، أدت تلك الضربات إلى إصابة وتدمير نحو 95 هدفاً بين ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات.
وسياسياً، أعربت السعودية عن "ارتياحها حيال ما اتخذته الحكومة السورية من إجراءات لتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم الأهلي وتحقيق سيادة الدولة ومؤسساتها على كامل الأراضي السورية بما يحفظ وحدة سوريا وأمنها ويحقق تطلعات الشعب السوري".
وأدانت وزارة الخارجية السعودية استمرار الاعتداءات الإسرائيلية التي وصفتها بالسافرة على الأراضي السورية والتدخل في شؤونها الداخلية وزعزعة أمنها واستقرارها، فيما اعتبرته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واتفاق فض الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل عام 1974.
وجددت المملكة دعوتها للمجتمع الدولي للوقوف إلى جانب سوريا ومساندتها في هذه المرحلة والوقوف أمام هذه الاعتداءات والانتهاكات المتواصلة على سوريا.
استمرار الاشتباكات بين مسلحين دروز وآخرين من البدو في السويداء جنوبي سوريا
وتأتي أعمال العنف هذه، بعد نحو شهرين من مواجهات قرب دمشق بين مسلحين دروز وقوات الأمن أسفرت عن مقتل 119 شخصاً. وعلى إثرها، أبرم ممثلون للحكومة السورية وأعيان دروز اتفاقات تهدئة لاحتواء التصعيد، تولى بموجبها مسلحون دروز إدارة الأمن في المنطقة.
وتُقدّر أعداد الدروز في منطقة الشرق الأوسط بأكثر من مليون، تتركّز غالبيتهم في مناطق جبلية في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية والأردن.
ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد حيث تعد محافظة السويداء معقلهم، كما يتواجدون في مدينتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، ولهم حضور محدود في إدلب، في شمال غرب البلاد.