جذور معركة “شعب كالأسد” مغروسة في قرار ترامب في ولايته الأولى للخروج من الاتفاق النووي الذي تحقق في 2015. صحيح أنه لم يكن اتفاقاً كامل الأوصاف، لكنه سمح بتراجع البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء، وأبعد الوصول إلى مادة مخصبة للقنبلة (بمستوى 90 في المئة)، لمدة (سنة على الأقل).
إن خروج إدارة ترامب من الاتفاق بتشجيع من إسرائيل، التي عارضت تقليدياً أي تسوية مع إيران، وذلك بدون استراتيجية بديلة، أدى بطهران للمضي ببرنامجها النووي. إلى جانب ارتفاع مستوى التخصيب (60 في المئة)، نجحت إيران في تطوير أجيال متقدمة من أجهزة الطرد المركزي (حتى الـ IR6) بشكل سمح لها نظرياً بسرعة تخصيب حتى مستوى 90 في المئة حتى في منشأة صغيرة بشكل سري. حقيقة تحول إيران لتكون دولة عتبة في التخصيب، وجمعت مادة مخصبة بشكل غير مسبوق، تعود بشكل مباشر إلى قرار مغادرة الاتفاق.
صحيح أن لمعركة “شعب كالأسد” إنجازات دراماتيكية في المجال النووي، من تصفية العلماء الذين عملوا في التسلح، مروراً بضرب مواقع التخصيب في نطنز وفوردو، بل تدمير منشأة التحويل في أصفهان، وانتهاء بتدمير مصنع إنتاج أجهزة الطرد المركزي في كرج؛ لكن المعرفة الإيرانية قائمة، وربما بقي جزء من القدرات أيضاً، بما في ذلك أجهزة طرد مركزي لم تهاجم ومادة مخصبة بكمية أكثر من 400 كيلوغرام بمستوى 60 في المئة. هذه الحقيقة تبقي قدرة طهران نظرياً (بل وربما عملي تبعاً للنوايا الإيرانية) على التخصيب إلى مستوى عسكري.
مشكوك أن إنهاء الحرب “المفروض” يسمح لإسرائيل بالمحافظة على إنجازاتها في المعركة دون خطر الانزلاق إلى حرب استنزاف مع إيران، وبالتوازي الصدام مع الإدارة الأمريكية غير المعنية بتجدد معركة بين إسرائيل وإيران، خصوصاً عندما تكون القدرات الإيرانية قد “دمرت تماما” بأداء ترامب.
بالتوازي، لم تغادر إيران ميثاق عدم انتشار السلاح النووي (NPT)، لكن لا يوجد إذن لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى مواقع التخصيب “خوفاً على أمنهم”.
إن ضياع الرقابة على منظومة التخصيب في إيران يصعب جداً فهم ما يجري في مواقع المنظومة والدليل –ظهرت في الأيام الأخيرة أعمال مشبوهة في مواقع مشكوك أن يكون هدفها معروفاً.
لتأكيد اليقين بالنسبة لما يجري في البرنامج النووي الإيراني، بقي خيار اتفاق في مسألة النووي بين إيران والولايات المتحدة. ربما لا يزال ممكناً العمل عليه، رغم المعركة بين إسرائيل وإيران، وشريطة أن يكون ممكناً إيجاد حل لمسألة التخصيب على أراضي إيران، والتي لا تزال إيران ترفض التخلي عنها في هذه اللحظة حتى بعد الحرب.
واضح أن اتفاقاً سياسياً سيلزم برفع العقوبات عن إيران وسيقوي النظام، لكنه بالمقابل سيمنع تحول البرنامج النووي إلى “نموذج كوريا الشمالية” الذي في إطاره تكون الأسرة الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية “فقدت الاتصال” مع عموم برنامج “بيونغ يانغ” (مادة مشعة وتسلح). تذكير: كوريا الشمالية وصلت إلى منتج نووي قبل بضع سنوات من مغادرتها الـ (NPT).
في ضوء دوافع أساسية بإيران لترميم قدراتها في المجال النووي؛ مع معرفة قائمة تحت تصرفها اليوم أيضاً، وإدراكها بأن إسرائيل تسعى لإسقاط النظام، فإن خطر سعي طهران إلى اجتياز النهر في السياق النووي يرتفع بشكل ذي مغزى. هذه الحقيقة، والقدرات التي تبقت لها (وربما أيضاً مع مساعدة من الخارج)، قادرة على دفعها نحو قدرة عسكرية نووية حتى بعد الحرب. الخيار الوحيد لمنع هذا هو العودة للرقابة على منظومة التخصيب (بما في ذلك المادة المخصبة إلى مستوى 60 في المئة) بشكل يكبح قدرة وصولها إلى مستوى تخصيب عسكري 90 في المئة، وبذلك الحفاظ على إنجازات الحرب الإسرائيلية.
معاريف 1/7/2025