بغداد ـ «القدس العربي»: لم يحل نفي السلطات السورية الأنباء التي تحدثت عن اقتحام جماعة جهادية مكتب رجل الدين الشيعي علي السيستاني، في محيط منطقة السيدة زينب، في ريف دمشق، وتهديد العاملين فيه، دون ردود فعل غاضبة في العراق.
وتتمثل الوظيفة الأساسية لمكتب السيستاني في دمشق، بتوزيع المعونات الإغاثية للمسلمين الشيعة من السوريين واللبنانيين الفارين من مناطق الصراع إلى منطقة السيدة زينب، ذات الثقل الشيعي في العاصمة السورية.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن «مجموعة مسلّحة متشددة يقودها شخص يُدعى (أبو عمر الليبي) أقدمت على اقتحام مكتب السيستاني في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، وعبثت بمحتوياته».
وحسب مصادر المرصد، فقد تعرّض المكتب لـ «عملية تكسير ونهب شملت تحطيم الأبواب والدعامات الداخلية، وسرقة مبالغ مالية وجهاز حاسوب، إضافة إلى تحطيم صورة السيستاني».
وأكدت أن «المكتب يُعنى بأدوار إنسانية واجتماعية بحتة، أبرزها رعاية الأيتام ومساعدة المهجرين من الطائفة الشيعية، دون أي صلة له بالأعمال العسكرية أو السياسية».
وأدعت أن «وساطات واتصالات جرت لاحقا أسفرت عن إعادة الأموال والجهاز المسروق، وقدم الفصيل المهاجم اعتذارا رسميا».
وتؤكد مصادر عراقية أن المجموعة المسلحة دخلت المكتب في أثناء «توزيع المساعدات للمستحقين والمعوزين، ما أثار الرعب والهلع بين الموجودين، ثم انسحبت بعد إثارة تخريب في المكان ومصادرة تسجيلات كاميرات المراقبة».
وفق الكاتب والصحافي العراقي، أمين ناصر، فإن الحادثة وقعت على يد «جماعات إرهابية متطرفة منظمة».
وأضاف في مقطع فيديو نشره في صفحته في منصّة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أنه «في الساعة 3:50 عصراً، قامت جماعة أبو عمر الليبي، وهو قيادي في جبهة النصرة بمهاجمة مكتب السيستاني في محيط منطقة السيدة زينب»، مبيناً أن «المهاجمين جلبوا معهم سيارة حمل (بيك أب) عند اقتحامهم المكتب، قبل أن يقوموا بإنزال صور السيستاني وتحطيمها، والإساءة للعاملين في المكتب، مردّدين هتافات طائفية وتحريضية».
ورأى أن «هذه العملية تمثل استفزازاً مدروساً للشيعة، وأنها لا تقتصر على أوامر من الجولاني (في إشارة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع) فقط، بل من جهات دولية».
المرصد قال إن مجموعة يقودها أبو عمر الليبي اقتحمته وعبثت بمحتوياته
وأكد أن «حليم البهبهاني، ممثل السيستاني في دمشق غير موجود في المكتب وهو في الحج الآن، وأن نائبه أحمد العلي قال إننا مهددون وإن هناك من يحاول قتلنا»، لافتاً إلى «تدخل قيادات عراقية عليا على مستوى المرجعيات والسفارة العراقية في دمشق، بالإضافة إلى جهاز المخابرات الوطني، وتواصلوا مع الشرع ووزير الخارجية السورية».
ووفق الصحافي العراقي فإن «الجهة المهاجمة حاولت أيضاً اقتحام مكتب محمد صادق الصدر، والد زعيم (التيار الصدري) مقتدى الصدر»، غير أن المكتب كان مغلقاً.
في مقابل ذلك، نفت وزارة الداخلية السورية الأنباء المتداولة حول اقتحام مكتب السيستاني من قبل مجموعة مسلّحة، ووصفتها بأنها «عارية عن الصحة تماماً».
وأكد إعلام الوزارة أن «ما تداوله بعض المنصات بشأن قيام ما يسمى بفصيل (أبو عمر الليبي) المنتمي إلى جبهة النصرة باقتحام مكتب السيستاني والعبث بمحتوياته وسرقتها، لا أساس له من الصحة»، مشيراً إلى أن «الوضع الأمني في منطقة السيدة زينب مستقر وتحت السيطرة الكاملة للقوات السورية».
وأضاف أنه «لم ترد إلى الوزارة أو إلى الجهات الأمنية المختصة أي بلاغات رسمية بشأن تعرض أي من المكاتب الدينية أو المقار في المنطقة لأي اعتداء أو خرق أمني»، داعية وسائل الإعلام والنشطاء إلى «تحري الدقة وتجنب الانجرار خلف الشائعات التي تهدف إلى إثارة الفتنة والتشويش على حالة الاستقرار في المناطق الآمنة».
مع ذلك، أدان النائب العراقي رائد المالكي ما وصفه بـ «الاعتداء الآثم» الذي وقع على مكتب السيستاني، متهماً من وصفها بـ «عناصر موالية للإدارة السورية» بالشروع في الحادث.
وذكر في بيان صحافي أن «من المهم أن يعلم حكام دمشق الجدد أن مرجعية السيد السيستاني تمثل المرجعية العليا للمسلمين الشيعة في العالم اليوم، وأن أي اعتداء على مكاتبها ومؤسساتها يعد اعتداءً على الشيعة جميعا»، مشيراً إلى أن «حفظ التعايش السلمي بين طوائف المسلمين ومذاهبهم في سوريا يتطلب ردع الجهلة والمعتدين المارقين، خاصة من العناصر التكفيرية الأجنبية من أجل تفويت الفرصة على كل عدو متربص بالمسلمين».
كذلك اعتبر النائب فالح الخزعلي أن الاعتداء على مكتب السيستاني في سوريا، يعد دليلا إضافيا على «إرهاب» العصابات متعددة الجنسيات.
وأفاد في تصريحات صحافية بأن «هذه الأعمال العدائية تبرز الطبيعة الإرهابية للمجموعات المسلحة التي تستهدف الرموز الدينية والإنسانية».
وأشار إلى «موقف المرجع السيستاني الإنساني خلال الكارثة التي تعرض لها الشعب السوري جراء الزلزال، حيث أصدر فتوى تسببت بدخول أكثر من 400 شاحنة يوميا لمدة ثلاثة أشهر تحمل مساعدات وإغاثة إلى المتضررين»، مؤكدا أن «هذه المواقف تعكس عظمة المرجعية ودورها الوطني والإنساني في دعم الشعوب».
وقال: «نذكر الشعب السوري بمواقف سماحة المرجع السيستاني التي كانت دوما مع الشعب السوري في المحن، رغم الاعتداءات الإرهابية التي تستهدف رموزه».
أما النائب المستقل حسين السعبري، فانتقد صمت الحكومة السورية عن الحادثة، فيما دعا الجانب العراقي للضغط لوقف أي اعتداءات تطال العراقيين في سوريا.
وقال في بيان صحافي: «ندين ونستنكر بشدة ما قامت به الجماعات التكفيرية من اعتداء على مكتب المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني في مدينة دمشق في سوريا، وسط صمت حكومي من قبل الجانب السوري»، موضحا أنه «في الوقت الذي نشجب فيه هذا الاعتداء، نرى من الضروري أن تقوم الحكومة العراقية بواجبها تجاه مثل هذه القضايا والضغط على الجانب السوري لإيقاف أي اعتداء أو عبث بمكاتب المراجع العظام او ممتلكات العراقيين في سوريا».
وحتى وقت إعداد التقرير، لم يصدر من الجهات الرسمية العراقية أيّ توضيح بشأن الحادث.