الوثيقة | مشاهدة الموضوع - ترقب لبدء مهام مبعوث ترامب في العراق: خطوة أمريكية للسيطرة على الاستثمارات… أم التعجيل بنزع سلاح الفصائل؟
تغيير حجم الخط     

ترقب لبدء مهام مبعوث ترامب في العراق: خطوة أمريكية للسيطرة على الاستثمارات… أم التعجيل بنزع سلاح الفصائل؟

مشاركة » الأحد أكتوبر 26, 2025 4:46 am

1.jpg
 
بغداد ـ «القدس العربي»: لم تتضح بعد طبيعة المهمة التي من المقرر أن يضطلع بها مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص إلى العراق، وفيما إذا سيركّز بشكل رئيسي على الملف الاقتصادي وتهيئة الأجواء للشركات الأمريكية للعمل في هذا البلد الغنيّ بالنفط، أم إنه جاء لترجمة الدعوات الأمريكية المتكررة للمسؤولين العراقيين بوجوب إنهاء الفصائل الشيعية المسلحة ونزع سلاحها، على أرض الواقع.

وقبل نحو عام مضى، لم تعيّن الإدارة الأمريكية مسؤولا دبلوماسيا بمنصب سفير في العاصمة بغداد، بعد انتهاء مهام السفيرة السابقة، إلينا رومانوسكي، واكتفت بدبلوماسيين يؤدون مهام «القائم بالأعمال» فقط، ليأتي تعيين سافايا مبعوثا خاصا لترامب في العراق، ليفتح الباب أمام نيّة الإدارة الأمريكية الجديدة في البلاد.
السياسي العراقي، الدكتور ليث شبّر، يرى أن واشنطن لم تجد في التقارير الدبلوماسية القادمة من العراق أيّ جدوى في فهم طبيعة ما يجري في الواقع، فذهبت نحو خيار تعيين سافايا لتكون على اطلاع مباشر على التطورات الاقتصادية والأمنية في البلاد.
وفي إيضاح له، يقول شبّر إنه «منذ البداية، كانت السفارة الأمريكية في بغداد أشبه بالحكومة الموازية للعراق. وحينما تم افتتاح أكبر سفارة في العالم في 2009، والتي تمتد على مساحة تضاهي مساحة الفاتيكان وكأنها دولة مصغرة داخل المنطقة الخضراء (شديدة التحصين وسط بغداد)، وتضم آلاف الموظفين ومئات الخبراء والمستشارين. وفيها أقسامٌ متخصّصة في السياسة، والاقتصاد، والأمن، والطاقة، والتعليم، والإعلام، والاستخبارات، حتى باتت أشبه بمقر لإدارة الدولة أكثر من كونها بعثة دبلوماسية».
وبيّن أنه «منذ تشكيل أول حكومة بعد الاحتلال، كانت السفارة ركنا أساسيا في رسم المشهد السياسي العراقي، فكل الملفات الكبرى- من كتابة الدستور إلى تشكيل الحكومات وتحديد الرئاسات وإدارة الصراعات بين القوى- كانت تمر عبر قنواتها. وكانت بغداد في تلك السنوات تُدار بقدر كبير من التنسيق مع السفارة، وكانت واشنطن ترى في العراق مشروعا سياسيا وأمنيا واقتصاديا طويل الأمد، لكنّ تلك المرحلة بدأت بالانحسار شيئا فشيئا، مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وبالخصوص في ولايته الثانية. فالرجل لم يأتِ من مدرسة الخارجية ولا من مؤسسات الأمن التقليدية، بل من عالم المال والأعمال، حيث تُقاس العلاقات بالأرباح والخسائر لا بالتحالفات والمبادئ».
وأشار إلى أنه «منذ الأيام الأولى لرئاسته (ترامب)، بدا واضحا أنه لا ينظر إلى العراق كدولة ذات سيادة، بل كأزمة أمنية متواصلة، وطبقة سياسية فاسدة خاضعة لنفوذ إيران، وعاجزة عن استثمار ثروتها النفطية أو إدارة مؤسساتها الوطنية»، موضحا إنه «تحت هذه الرؤية، فقدت السفارة مركزها المتقدّم في صناعة القرار الأمريكي تجاه العراق وبقيت بلا سفير يلتقي أسبوعيا بأصحاب القرار وبلا نشاطات حقيقية. ومن الواضح أن ترامب كان يرى أن الدبلوماسية في بغداد لم تعد أداة تأثير فاعلة، بل عبئا إداريا ضخما بلا جدوى. فأطاح بمسار الخارجية في إدارة الملف العراقي، وقلّص دورها التقليدي إلى الحدّ الأدنى. فلم يعد القائم بالأعمال الأمريكي يملك تلك السلطة التي امتلكها أسلافه، بل تحوّل إلى ناقل تقارير لا قيمة لها».
واعتبر شبّر إن تعيين مارك سافايا ممثلا شخصيا للرئيس الأمريكي في العراق هو تتويج لهذا التحوّل. فالمبعوث الرئاسي يعني أن البيت الأبيض لم يعُد يثق بقدرة بالمؤسسات الدبلوماسية على تحقيق الأهداف، وأن العلاقة مع العراق انتقلت من (إدارة الشأن السياسي) إلى (مراقبة الوضع الأمني)، وإدارة الملف الاقتصادي بطريقة مباشرة»، مؤكدا إن «سافايا ليس سفيرا، بل مبعوثا يتعامل مع العراق كملف خاص، وهذه بحدّ ذاتها إشارةٌ إلى تراجع المكانة التي كان يحتلها العراق في الخريطة الأمريكية».
وأضاف أن «في عهد ترامب، لم تُوجَّه حتى الآن دعوةٌ رسمية لرئيس الوزراء لزيارة واشنطن. كما أن ترامب نفسه، رغم زياراته المتكرّرة للشرق الأوسط ولدول عربية عديدة، لم يزر بغداد رسميا قط. وكأنه لم يرَ في الحكومة العراقية ولا قيادات المشهد السياسي شريكا استراتيجيا، بل نتاجا لنظام فشل في كلّ شيء، من إدارة الاقتصاد إلى ضبط الأمن والسيادة».
والأكثر مفارقة، حسب شبّر، هي إن «ترامب نفسه عبّر غير مرّة عن إعجابه بالنظام السابق، لا حبا بصدام حسين بل لأنه، كما قال، (كان يعرف كيف يتعامل مع الإرهابيين دون تردّد). وهو تصريح يكشف بوضوح نظرته الواقعية الخشنة إلى الشرق الأوسط: إذ يفضّل النظام القوي على النظام الهشّ، والدولة الصارمة على الديمقراطية المشوّهة. وهذه المفارقة الكبرى أن من أسقطوا النظام السابق وموّلوا قيام النظام الحالي، هم أنفسهم من يرون اليوم فشله، ويعبّرون عنه بطرق مختلفة».
ورغم ذلك، يرى السياسي العراقي أن «أفول السفارة الأمريكية في بغداد لا يعني نهاية العلاقة بين البلدين، بل إشارة لمرحلة جديدة مختلفة عن تلك التي رافقت النظام السياسي منذ تأسيسه. لكنه أيضا يضع العراق أمام سؤال مصيري: هل يستطيع أن يملأ الفراغ الذي تركه تراجع النفوذ الأمريكي بمشروع وطني متماسك ومستقل؟ أم أن هذا الفراغ سيتحوّل إلى ساحة لتنازع القوى الإقليمية والدولية؟».
واعتبر أن «ما فعله ترامب لم يكن مجرد تقليص لحجم السفارة، بل إعادة تعريف للعلاقة مع العراق. فقد نقلها من دائرة (الرعاية) إلى دائرة (المصلحة). ومهما اختلفنا حول طريقته، فإن الرسالة كانت واضحة: على العراق أن يثبت أنه دولةٌ قادرةٌ على إدارة البلاد بلا وصاية أو تبعية».
وختم قائلا: «أفول السفارة هو عنوان مرحلة جديدة في العلاقة بين بغداد وواشنطن، مرحلة لا تقوم على النفوذ ولا على التبعية، بل على اختبار السيادة. فإمّا أن يستعيد العراق دوره بقراره، أو يظلّ ساحة لقرارات الآخرين».
أما مدير «مركز الإعلام العراقي» في واشنطن، نزار حيدر، فلم يذهب بعيدا عن رأي شبّر في أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع العراق كأزمة وليست دولة ذات سيادة، بعد إرسال مبعوث خاص إلى بغداد بدلا من تعيين سفير رسمي.
وذكر حيدر في تصريحات لمواقع إخبارية محلية، إن إرسال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبعوثا خاصا إلى بغداد يمثّل «تجاوزا للأعراف الدبلوماسية»، وهو ما يعكس تعامله مع العراق على غرار تعامله مع «ملفات سوريا ولبنان وفلسطين».
وأوضح أن «مارك سافايا لا يشغل أي منصب دبلوماسي رسمي ولا يعد من صناع القرار في واشنطن، بل إن مهامه السابقة كانت ذات طابع تجاري، ما يؤكد أن إرساله كان بهدف السيطرة على ملف النفط والاستثمارات وليس لتعزيز العلاقات الثنائية أو التمثيل الدبلوماسي».
وأشار حيدر إلى أن «اختيار سافايا جاء عقب تصريح مثير للجدل لترامب خلال قمة شرم الشيخ، قال فيه إن العراق يسبح على بحر من النفط لكنه لا يعرف كيف يستثمره، وهو ما يعكس توجها نحو نقل ملف الاستثمار من الحكومة العراقية إلى الشركات الأمريكية».
وأضاف: «سافايا لا يمتلك الخبرة أو الخلفية في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، ومهمته الرئيسية في العراق تتمثل في الهيمنة على النفط والغاز والاستثمارات والأموال العراقية، لا سيما بعد نجاحه في إبرام صفقات تجارية مع السعودية والإمارات وقطر».
وانتقد حيدر «مباركة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لهذه الخطوة خلال مشاركته في قمة شرم الشيخ»، معتبرا:» ذلك تخليا عن السيادة العراقية لصالح المصالح الأمريكية».
ويرتبط حدث تعيين المبعوث الأمريكي الجديد، باتصال هاتفي جرى بين وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، حثّ فيه الأخير على أهمية «نزع سلاح الفصائل» حسب البيان الأمريكي، والذي لم تتطرق له الحكومة العراقية.
ومن المطروح أيضا أن تكون المهمة الأخرى للمبعوث الأمريكي الجديد إلى العراق، هي الإسهام في إتمام هذا الملف، غير إن السياسي العراقي، عزّت الشابندر، أكد إن «مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق يُعد صديقا للفصائل ويعرف تفاصيل الملف العراقي»، مرجّحا أن «مقاربته ستعتمد التهدئة والحوار بدل الضغوط المباشرة».
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى أحدث خبر

cron