بغداد/ تميم الحسن
ما تزال مهمة مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق، مُحيّرة، رغم أنه تحدث صراحة عن “كبح الفصائل”، لكن اللغز بقي في تعريف من هي تلك الفصائل.
كذلك، هناك قراءات ومعلومات متضاربة تفيد بأن المبعوث الجديد سيعيد سيناريو حدث قبل خمسة عشر عامًا، حين تدخلت واشنطن لصالح رئيس وزراء ومنحته فرصة ثانية.
وفي أول بيان وُصف بأنه “رسمي” منذ تعيينه الشهر الماضي مبعوثًا خاصًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق، أشاد مارك سافايا، وهو من أصول عراقية مسيحية، بخطوات الحكومة العراقية خلال السنوات الثلاث الماضية، معتبِرًا أنها تسير بالبلاد في “المسار الصحيح سياسيًا واقتصاديًا”. وأكد أن العراق بدأ يستعيد سيادته عبر “تقليص التدخلات الخارجية، وجمع السلاح بيد الدولة، وفتح الأسواق أمام الشركات الدولية”.
وشدد سافايا على أن واشنطن “لن تقبل بوجود جماعات مسلحة خارج سلطة الدولة”، وأن استقرار العراق يتطلب “قوات أمن موحدة تحت راية واحدة”، داعيًا إلى “تحييد تأثير إيران ووكلائها” وتعزيز التعاون بين بغداد وأربيل لتحقيق الأمن والنمو الاقتصادي.
وأكد أن العراق “بلد محوري في الشرق الأوسط”، ويجب أن يؤدي دوره في “تعزيز السلام والاستقرار”، مشيرًا إلى أن مهمته تتمثل في “دعم سيادة العراق وازدهاره وتعميق الشراكة مع الولايات المتحدة”.
ورحبت الحكومة العراقية بالمقابل بتصريحات سافايا دون التطرّق إلى ملف “الفصائل” والدور الإيراني، وعدّها المتحدث باسمها باسم العوادي تعبيرًا عن “رؤية إيجابية وفهم متزايد داخل الإدارة الأمريكية للمشهد العراقي”. وأشار إلى أن واشنطن أبدت في الآونة الأخيرة إشادات متكررة بأداء الحكومة، معتبرًا ذلك “نتيجة عمل متراكم لترسيخ استقلالية القرار الوطني وتحقيق توازن في السياسة الخارجية”.
وأكد العوادي للوكالة الرسمية أن “سياسة العراق الخارجية تُبنى على أساس المصلحة الوطنية”، وأن “تعزيز العلاقات مع الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، يمثل أولوية في إطار تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي” التي جرى التأكيد عليها خلال زيارة رئيس الوزراء الأخيرة إلى واشنطن.
وكانت قد أحاطت بالمبعوث الجديد، قبل وصوله إلى بغداد، العديد من الروايات حول مهامه المستقبلية، وكان أكثرها إثارة تلك التي أشارت إلى احتمال تدخله في تشكيل الحكومة المقبلة.
وبغض النظر عن مدى صحة أو مبالغة هذه الأنباء المتداولة في الأوساط السياسية، جاء سافايا في توقيت حساس، إذ تم تعيينه قبيل الانتخابات، وارتبط اسمه بقضية غامضة تتعلق بالإفراج عن ما يُعرف بـ”الجاسوسة الإسرائيلية” إليزابيت تسوركوف في بغداد.
مهمة رومانوسكي التي لم تكتمل
محمد نعناع، الأكاديمي والمتخصص بالشأن السياسي، يرى أن أقرب الروايات الواقعية حول مهام مارك سافايا في العراق تفيد بأنه “جاء لإنجاز مهمة فشلت بها السفيرة السابقة ألينا رومانوسكي”.
وأضاف أن “السفيرة الأمريكية السابقة كانت نشطة جدًا، لكنها اصطدمت بقوة الفصائل والإطار التنسيقي”، مشيرًا إلى أنها كانت تسعى لفصل حكومة السوداني أو أي حكومة عراقية أخرى عن التأثير المباشر للإطار التنسيقي ووضعها ضمن سياق مؤسسي مستقل.
ويؤكد نعناع أن سافايا يقوم حاليًا بهذا الدور بشكل مباشر، وأن الأمور ستتضح أكثر بعد الانتخابات، موضحًا أن “الأمريكان يريدون حكومة عراقية بغضّ النظر عن خلفيتها، حتى لو كان رئيس الوزراء شيعيًا، لكن هناك شرطين رئيسيين”:
1 – أن تكون الحكومة القادمة منفصلة عن الإطار التنسيقي وتحكم قوى الإطار.
2 – أن تساعد في تنفيذ العقوبات على إيران، خاصة في قضايا الدولار والكهرباء، لأن الولايات المتحدة لا ترغب حاليًا في الانخراط في حرب مباشرة ضد إيران، لذلك يجب الحد من نفوذ طهران في العراق، الذي اعتبره “نفوذًا متعاظمًا”.
ويخلص الباحث إلى القول: “إذا بدأ الآن فصل الحكومة الحالية أو القادمة وحاضنتها عن الإطار، فسيكون التأثير بعد الانتخابات مباشرًا على معادلة السلطة المقبلة”.
وكانت (المدى) قد كشفت في وقت سابق عن احتمال تشكل تحالف شيعي واسع يضم أطرافًا من المكونات الثلاثة الرئيسة في العراق بعد الانتخابات التشريعية بدعم من المبعوث الأمريكي الجديد، مدفوعًا بتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.
ومن المقرر إجراء الانتخابات الأسبوع المقبل، في ظل انقسامات كبيرة داخل “الإطار التنسيقي” أدّت إلى ظهور نحو 12 قائمة منفصلة.
الولاية الثانية.. وسلاح الحشد
بموازاة ذلك، يرى المحلل السياسي وائل الركابي أن “بيان سافايا الأخير يعكس الواقعية الأمريكية-الترامبية، مع تكرار نفس المفردات”.
وأضاف أن البيان ركّز على العلاقة الأمريكية-العراقية واشتمل على “قدر من التفاؤل”، مؤكدًا أن “أمريكا لن تضحّي بالعراق كدولة محورية في المنطقة، وأنها جاءت بعد 2003 لتضمن عدم ترك العراق”.
وينتقد الركابي التركيز على موضوع السلاح في البيان، مشيرًا إلى أن “الكلام يكون مقبولًا إذا تعلّق بدمج الفصائل، لكنه مرفوض إذا اقتصر على سلاح الحشد واعتباره منفلتًا، لأن الحشد مؤسسة أمنية مرتبطة بالقائد العام، وأي حديث عنه يُعدّ تدخلًا في الشؤون العراقية”.
ويعتقد الركابي أن هذه التصريحات “ربما لا تخاطب الحكومة الحالية، ولا تمنحها ولاية ثانية، لكنها لا تمنع أيضًا إمكانية منح الحكومة المقبلة فرصة ثانية”.
وفي ذات السياق، نفى عقيل عباس، وهو أكاديمي مهتم بقضايا العلاقات العراقية-الأمريكية، أن يتدخل مبعوث ترامب باختيار أسماء وزراء الحكومة المقبلة كما يتم تداوله.
وأضاف في فيديو نشره على حسابه في “يوتيوب” أن “واشنطن توقفت عن التدخل في تحديد شكل الحكومات العراقية منذ آخر تدخل لجوزيف بايدن في عهد باراك أوباما، حين دعم تولي نوري المالكي رئاسة حكومته الثانية بدلًا من الفائز الأول إياد علاوي