بغداد/المسلة: يدخل المشرق العربي نهاية عام 2025 وهو يقف على تخوم لحظة إعادة تشكيل كبرى، حيث تتقاطع الجغرافيا مع السيادة، وتتزاحم مشاريع النفوذ مع هشاشة الدول، في ثلاث ساحات متجاورة ترسم مجتمعة ملامح المستقبل الإقليمي. وتبدو غزة وشرق سوريا وجنوب لبنان، رغم اختلاف مساراتها، وكأنها مختبر واحد مفتوح لإعادة تعريف معنى الدولة والقوة والإرادة في ربع قرن عربي جديد.
وفي غزة، ينكشف المشهد بوصفه معركة وجود لا إدارة أزمة. وتتحرك ترتيبات دولية لما بعد الحرب، تتقدمها فكرة “قوة استقرار” برعاية أميركية، لكنها تصطدم بوقائع ميدانية صلبة، أبرزها بقاء الاحتلال في أكثر من نصف مساحة القطاع، واستمرار الغارات، وتعطيل إعادة الإعمار.
وتظهر القوة الدولية المقترحة كوجود أمني يعمل داخل الفضاء الإسرائيلي لا خارجه، ما يجعلها أقرب إلى آلية ضبط مؤقتة للصراع لا جسرا لسلام دائم، في ظل انعدام أفق سياسي حقيقي للفلسطينيين وتوسع الاحتلال في الضفة وتكريس منطق نفي السيادة.
وإلى الشرق، تتحول سوريا إلى ساحة اختبار من نوع مختلف، حيث تتقدم الدولة الجديدة بخطوات محسوبة نحو إعادة توحيد الجغرافيا. ويبرز ملف “قسد” بوصفه العقدة الأهم، مع اقتراب استحقاق دمجها في مؤسسات الدولة وفق اتفاق مارس 2025.
وتتعزز فرص هذا المسار بتراجع الدعم الأميركي، وتحول أولويات واشنطن، ودعم إقليمي متزايد لدمشق، لا سيما من أنقرة. غير أن هذا الحسم يبدو مرجحا أن يأتي تدريجيا، عبر تطبيق جزئي يوازن بين تثبيت السيادة وتجنب انفجار أمني، في مرحلة لا تحتمل عودة الفوضى.
ونحو الغرب، يواجه لبنان سؤالا وجوديا حول احتكار القوة. وتضغط التسويات الدولية لنزع سلاح حزب الله، بدءا من الجنوب، وسط ضعف بنيوي في قدرات الدولة، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية، واحتلال نقاط حدودية.
ويتحول النقاش من كونه مسألة داخلية إلى صراع سيادة مفتوح، حيث يبدو الجيش مطالبا بملء فراغ لم تُهيأ له أدواته بعد، فيما تفرض إسرائيل وقائع ميدانية تجعل من نزع السلاح مخاطرة بتفريغ الجنوب من أي قدرة ردع.
وتتجاور الساحات الثلاث بأسئلة مختلفة، لكنها تلتقي عند حقيقة واحدة: أن المشرق العربي يدخل مرحلة إعادة صياغة قسرية، تتحدد فيها خرائط النفوذ بميزان القوة لا بحدود الدول.