تساءلت صحيفة “ذا ناشيونال” عما إذا كانت المنطقة تشهد “بداية نهاية عصر الميليشيات” لصالح فكرة سيطرة الحكومات، وأن بداية هذا التحرك ربما تكون قد انطلقت من العراق، عمداً أو سهواً، في إشارة إلى إدراج الحكومة العراقية حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين مؤخراً على لوائح “الإرهاب” ثم التراجع عن ذلك.
وبداية قالت الصحيفة الصادرة بالإنكليزية في أبو ظبي، إنه “ليس هناك شك بتاتاً في أن الإدراج المفاجئ لحزب الله والحوثيين اليمنيين على قائمة الإرهاب في العراق لم يكن خطأ فنياً، حيث أن أحداً لا يدرج عن طريق الخطأ اثنتين من أهم الجماعات الوكيلة لإيران في سلة التصنيف بالإرهاب”.
وتابعت الصحيفة في تقريرها أن “شيئاً ما يحدث بالتأكيد في بغداد، حيث تحمل كل خطوة تتعلق بالفصائل المسلحة، ثقلها السياسي”، لافتة إلى أن أحد الدبلوماسيين، قال إنه “ما من شيء بهذا الحجم يحدث على الإطلاق من دون وجود مسار سياسي”.
وبحسب التقرير فإن النظريات التي ظهرت تتضمن اعتقاد البعض أن هذه الخطوة كانت بمثابة بالون اختبار، جرى الكشف عنها لمعرفة من سيصاب بالذعر أو يندفع للدفاع عن حزب الله أو الحوثيين، في حين اعتبر آخرون أن الخطوة كانت بمثابة ضربة وقائية تهدف إلى منع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الحصول على ولاية جديدة، في حين أن الفكرة الأكثر جرأة مفادها أن عناصر في جهاز المخابرات العراقي كانت ترسل إلى واشنطن رسالة ودية، وهو موقف سياسي يتخفى خلف الفوضى البيروقراطية.
وبرغم ذلك، قال التقرير إنه كانت هناك رسالة واحدة مفادها أن “تسامح المنطقة مع الميليشيات ينهار”، وأن العراق يصطف أخيراً مع تحول أوسع في الشرق الأوسط، وأن باب مواجهة الجماعات المسلحة غير الحكومية، المغلق منذ فترة طويلة، قد جرى فتحه.
وبعدما لفت التقرير إلى “شبكة الوكلاء” المرتبطة بإيران، رأى أن هذا التحول ليس معزولاً حيث أنه يرتبط برغبة إقليمية متزايدة في كبح جماح القوى الفاعلة المسلحة أو القضاء عليها، سواء من خلال الاندماج التدريجي أو نزع السلاح القسري أو التهميش السياسي، مضيفاً أن حكومات هذه الدول “متعبة”.
وأوضح التقرير أنه “بعد عقود من الميليشيات التي تحدد السياسات الوطنية، وجر الدول إلى الحروب والإفلات من العقاب، فإن القادة والمواطنين وصلوا إلى نقطة الانهيار”، مضيفاً أنه مع تحول الرياح الجيوسياسية والسكان المتململين بشكل متزايد، فإن الدول تسعى إلى استعادة سيطرتها.
وبحسب التقرير، فإن لبنان يُعتبر المثال الأكثر وضوحاً، مشيراً بذلك إلى حزب الله الذي أصبح “ضعيفاً عسكرياً ومكشوفاً سياسياً” ويتزايد الضغط على الحزب للتفاوض على مسار يؤدي في نهاية الأمر إلى تسليم اسلحته أو قبول ترتيب وطني جديد، مضيفاً أن هذا التحول لن يكون سهلاً، إلا أن “العملية قد بدأت بالفعل”.
بالإضافة إلى ذلك هناك غزة حيث تواجه حماس ضغوطاً مشابهة، وهي تسعى إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار مع إسرائيل وتأمين مستقبلها السياسي، ولهذا يتحتم عليها إعادة التفكير في موقفها من السلاح.
أما ما يتعلق بالحوثيين، فقد أشار التقرير إلى أنهم أعربوا منذ فترة طويلة عن رغبتهم في أن يتحولوا إلى قوة سياسية شرعية، معتبراً أن هجماتهم في البحر الأحمر لا تتعلق أساساً بالإيديولوجيا وإنما بسعيهم لكسب النفوذ في أي تسوية مستقبلية.
وذكر التقرير أن “إيران تشعر بأن الأرض تتحرك”، وأن فكرة المواجهة مع إسرائيل والغرب من خلال “الوكلاء” ربما تقترب من نهايتها، وأن البديل قد يكون التحالف مع دول أقوى، مشيراً إلى أن إيران تقوم بتحديث وضعها، وليس التخلي عن اللعبة.
واعتبر التقرير أن سوريا تقدم درساً غير متوقع، حيث تخرج هيئة تحرير الشام التي سيطرت على دمشق قبل عام، من العزلة الدولية إلى فتح الأبواب من الشرق إلى الغرب، حيث أشار زعيمها أحمد الشرع إلى أن الوقت قد حان للدبلوماسية والعمل السياسي.
إلا أن التقرير قال إنه من غير الواضح ما إذا كانت السلطات السورية الجديدة ستنجح، فيما تستمر انتهاكات الحقوق وإخفاقات الحكومة، إلا أن فكرة أن جماعة مسلحة يمكن أن تتجه بسرعة نحو الشرعية السياسية، تعزز الاتجاه الأوسع، وبمقدور الميليشيات أن تشعر بأن عصر الحكم المسلح يتلاشى.
وفيما يتعلق بالعراق، قال التقرير إن مسألة قائمة الإرهاب لم تأت من فراغ، موضحاً أن بعض المسؤولين العراقيين وقادة الأمن وجزء متزايد من الجمهور، باتوا يعتقدون أن بلدهم لا يستطيع المضي قدما بينما تعمل الميليشيات كدولة موازية.
وأضاف التقرير أنه في ظل ممارسة الولايات المتحدة لضغوط متواصلة، فان بغداد قد تقترب أكثر من لحظة من الحساب، موضحاً أن فرصة تفكيك الميليشيات أو تدجينها، لم تكن بمثل هذا الوضوح من قبل.
وتابع التقرير قائلاً أن البعض يعتقد أن هذا الطريق بدأ مع اغتيال قاسم سليماني، الذي وصفه بأنه مهندس إمبراطورية الوكالة التابعة لإيران، بينما يقول آخرون إن المسار بدأ العام الماضي مع مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي رسخت جاذبيته شبكة الوكلاء.
وختم التقرير بالقول إن الشرق الأوسط شيئاً فشيئاً كان يعتقد منذ فترة طويلة أنه مستحيل، وهو بداية نهاية عصر الميليشيات”، مضيفاً أن هذا التحول لن يكون هادئا أو سريعا، إلا أن الاتجاه واضح، وليس هناك شك في أن الدول تستعيد السلطة ببطء، وأن الوكلاء يعيدون ضبط الوضع، بينما تعيد كتابة مسارها.
وخلص إلى القول إن البلدان العربية التي تعاني من الجهات الفاعلة من غير دول قد تتجه نحو مستقبل تشكله الحكومات أكثر، مع دور أقل للميليشيات، مضيفاً أن “العراق ربما يكون، عمداً أم لا، قد أعلن للتو عن الافتتاح الكبير”.