أظهرت النتائج الأولية لانتخابات الدورة البرلمانية السادسة في العراق، تصدّر ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني، لكن دون تحقيق فوز كاسح يضمن له تشكيل الحكومة المقبلة بمفرده، ما أعاد إلى الواجهة سؤال التوازنات داخل البيت الشيعي، والتقاطع بين الإرادات الإقليمية والدولية في رسم مستقبل بغداد السياسي.
ورغم أن السوداني (55 عاماً) استطاع تكريس موقعه لاعباً رئيسياً في المعادلة الشيعية، فإن غياب التيار الصدري، وتعدد القوائم الشيعية المتنافسة، وعودة الحراك السني والكوردي بقوة، كل ذلك يجعل مشهد ما بعد الانتخابات أكثر تعقيداً، ويضع البلاد أمام مفترق طرق بين حكومة ولاية ثانية، أو تحالف متوازن جديد تفرضه الحسابات الدقيقة بين القوى التقليدية.
ويرى مراقبون أن المعادلة الانتخابية التي جرت الثلاثاء الماضي بمشاركة تجاوزت 55%، لم تُنتج غالبية مطلقة بحسب ما أعلنته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، أمس الأربعاء، بل أعادت رسم خطوط التماس السياسية بين قوى الإطار التنسيقي (الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في العراق)، وحزب تقدم السني بزعامة محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكوردستاني الكوردي بزعامة مسعود بارزاني.
“استقرار حذر”
ويرى رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، أن ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة لا تعكس وعياً سياسياً متزايداً، بل “رغبة جماعية في تجنب الفوضى والحفاظ على الاستقرار”.
ويشير الياسري إلى أن “الناخبين لم يصوتوا لكتلة قادرة على حسم التنافس أو تشكيل أغلبية مريحة، بل بات الجميع بحاجة إلى التحالف”، وهذا يعود إلى أن الوعي الشعبي لم يكن حاسماً في تمكين الكتل الجديدة، فيما أظهر الوعي الحزبي انقساماً واضحاً بين القوى التقليدية.
ويضيف أن الظرف الإقليمي المتوتر، خصوصاً مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، جعل العراقيين يختارون “الاستقرار بدل المغامرة بالتغيير”، وبالتالي فإن “الكتل الكلاسيكية ستدير المرحلة المقبلة حتى تتضح معالم التوازن الإقليمي والدولي”.
ويحذر الياسري من أن الكتل الخاسرة التي تمتلك أجنحة مسلحة “قد تعقد المشهد البرلماني، خصوصاً إذا شعرت بالإقصاء من المكاسب السياسية”، لذلك ينبغي احتواء هذه القوى بـ”إشراكها جزئياً في السلطة لضمان عدم انزلاق البلاد إلى مواجهة مع الولايات المتحدة أو انخراطها في صراع يخدم أجندات إقليمية”.
وفي ظل هذه الظروف، يلفت إلى أن “الكرة اليوم في ملعب الكتل السياسية التي عليها أن تبني تحالفاتها بحذر في ظل وجود واشنطن وطهران على أبواب القرار العراقي”.
تحديات التشكيل
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر البريطانية، الدكتور هيثم الهيتي، يرى أن نتائج الانتخابات لا تمنح أي طرف تفويضاً كاسحاً، موضحاً أن “ائتلاف الإعمار والتنمية” الذي يقوده السوداني “لم يحصل سوى على 45 مقعداً، رغم التوقعات السابقة التي كانت ترجّح نيله ما بين 70 إلى 100 مقعد”.
ويضيف الهيتي أن هذا يعني “عدم وجود فوز ساحق، بل برلمان مشتّت يضم عشرات الكتل الصغيرة”، ما يجعل “عملية بناء تحالف لتشكيل الحكومة المقبلة مهمة بالغة الصعوبة”.
ويشير إلى أن السوداني، رغم أنه تصدّر النتائج، “يحتاج إلى التحالف مع عدد كبير من الكتل الصغيرة والمتفرقة ذات الرؤى المختلفة”، معتبراً أن “التحدي الحقيقي اليوم هو في القدرة على جمع هذه الأطراف في ائتلاف متماسك قادر على تمرير حكومة قوية”.
“الكتلة الأكبر”
وفي هذا الصدد، يوضح فهد الجبوري، القيادي في تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم، أن “الإطار التنسيقي لم يضع فيتو على أي شخصية، ولم يناقش بعد مسألة رئيس الوزراء المقبل”، وهناك اجتماع مرتقب للإطار خلال اليومين المقبلين “سيحدد معايير اختيار رئيس الحكومة الجديدة”.
ويقول الجبوري إن “الإطار التنسيقي ككل حصل على نحو 126 مقعداً، فيما حصل ائتلاف الإعمار والتنمية على 45 مقعداً”، ما يجعل الإطار “الكتلة النيابية الأكبر على مستوى المكوّن الشيعي”.
ونتيجة لذلك بحسب الجبوري فإن “الإطار قادر بأريحية على اختيار رئيس الوزراء المقبل، وقد يتم الاتفاق مع السوداني لتجديد ولايته، لكن القرار النهائي سيُترك للجنة التي ستُشكّل داخل الإطار لوضع معايير اختيار رئيس الوزراء المقبل”.
ويؤكد أن “هناك اختلافات في وجهات النظر وملاحظات على أداء الحكومة الحالية، إلا أن تلك الملفات لم تُطرح بعد للنقاش، ومن المتوقع مناقشتها خلال الأيام المقبلة ضمن الحراك السياسي الجاري”.
“الانفصال” عن السوداني
وكان مختار الموسوي، القيادي في منظمة بدر المنضوية بالإطار التنسيقي، قال إن “قوى الإطار التنسيقي ستعلن عن تشكيلها القائمة أو الكتلة النيابية الأكبر وذلك بعد تصديق النتائج الرسمية للانتخابات”.
وبيّن الموسوي، الخميس، أن “قوائم الإطار التنسيقي حصلت على أصوات ومقاعد تمكنها من المضي بالكتلة الأكبر والتي يقع على عاتقها تسمية رئيس الحكومة الجديدة، وليس بالضرورة أن تكون مع إئتلاف الإعمار والتنمية”، من دون الخوض بتفاصيل أكثر.
وفي ذات السياق قال مصدر سياسي، إن “الزعامات السياسية والحزبية في الإطار التنسيقي ناقشت آلية تشكيل الحكومة بعد انتهاء الانتخابات والمصادقة الرسمية على نتائجها”.
وكشف المصدر أن “هناك اتفاقاً على أن أي من زعامات القوائم الرئيسة التي تفوز بأعلى الأصوات والمقاعد النيابية لايحق لها الانفصال عن الإطار التنسيقي كما أن عدد المقاعد لن يحدد هوية رئيس الحكومة بل ما تتفق عليه القوى وفق ضوابط مهنية وقبول إقليمي ودولي وغيرها من الضوابط”.
وأكد المصدر السياسي، أن “رئيس الوزراء القادم سيقدم من داخل الإطار التنسيقي وليس من خارجه”.
وكان مصدرا كشف عن كواليس اجتماع عقدته قوى التنسيقي مساء أمس الأربعاء عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات النيابية، وقد ناقش المجتمعون بعض المحاور التي تختص بالانتخابات، وتوزيع المهام بحسب الوزن الانتخابي والسياسي.
وأوضح المصدر أن الإطار “وضع الخطوط العامة والخاصة للعملية السياسية في البلاد، وبما لا تتجاوز التوقيتات الدستورية، بل إنه يحرص على استكمال المنظومة الحكومية قبل المواعيد المحددة”، لافتا إلى أن قضية رئاسة الحكومة ستحسم قريبا، ولاسيما ان النتائج الاولية كشفت عن الأوزان السياسية والنيابية لقوى الإطار وائتلاف إدارة الدول بالمجمل”.
هذا لم يستبعد المصدر منح السوداني ولاية ثانية ما لم تتحرك إحدى القوى الفاعلة بالضد من ذلك في اشارة لموقف زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، مردفا بالقول إن “أغلب قوى الإطار حضرت الاجتماع باستثناء رئيس الحكومة العراقية الحالية”.
وبيّن، أن هوية رئيس الحكومة المقبلة سيتم تحديدها بعد المصادقة القانونية على نتائج الانتخابات”.
واختتم حديثه بالقول، إن “الاجتماع ناقش ايضا محور التفاهم مع المقاطعين للانتخابات (التيار الوطني الشيعي بزعامة مقتدى الصدر) ودورهم في المرحلة المقبلة، ومعرفة موقفهم من الولاية الثانية”.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، مساء أمس الأربعاء، أن تحالف “الإعمار والتنمية” بزعامة محمد شياع السوداني سجل تقدماً كبيراً في النتائج الأولية، محققاً 1,317,346 صوتاً في 12 محافظة من أصل 18، وجاء ثانياً حزب تقدم برئاسة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وثالثاً ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وفيما يخص قوى الإطار التنسيقي الشيعي فقد حصد تحالف الإعمار والتنمية للسوداني، 45 مقعداً برلمانياً، تلاه ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي بـ30 مقعداً، وكتلة “صادقون” بزعامة قيس الخزعلي بـ26 مقعداً، فيما نالت “بدر” بزعامة هادي العامري 19 مقعداً، و”قوى الدولة” بزعامة عمار الحكيم 18 مقعداً.