ترجمة: حامد أحمد
تناول تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» الأميركية أجواءَ الانتخابات البرلمانية التي سيخوضها العراق الشهر المقبل، مشيرًا إلى أنّها تأتي وسط وضعٍ إقليميٍّ غير مستقرٍّ ولحظاتٍ حسّاسةٍ يعيشها الشرق الأوسط منذ سنوات، في وقتٍ وصف مراقبون الحملةَ الانتخابيةَ الحالية بأنها من بين أكثر الحملات استغلالًا للمال السياسي وموارد الدولة منذ عام 2003، وأنّ مجموعات المرشحين الإصلاحية المنبثقة عن احتجاجات تشرين تواجه صعوباتٍ بسبب نقص التمويل والدعم السياسي.
ويشير التقرير إلى أنّ الانتخابات ستحدّد مسار البلاد في واحدةٍ من أكثر اللحظات حساسيةً التي يشهدها الشرق الأوسط منذ سنوات. ورغم أن وقفَ إطلاق النار في غزة قد خفّف من حدّة التوترات الإقليمية، فإنّ المخاوف لا تزال قائمةً من اندلاع جولةٍ جديدةٍ من الصراع بين إسرائيل وإيران، الجارةِ الشرقية للعراق. وقد تمكّن العراق من البقاء على الحياد خلال الحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران في شهر حزيران/يونيو الماضي.
وفي الوقت نفسه، يذكر التقرير أنّ بغداد تواجه ضغوطًا متزايدةً من واشنطن بشأن وجود فصائل مسلّحةٍ مرتبطةٍ بإيران داخل العراق. وكان رئيسُ الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قد تولّى السلطة عام 2022 بدعمٍ من ائتلاف «الإطار التنسيقي» الذي يضمّ أحزابًا وكتلًا ترتبط بها فصائلُ مسلّحةٌ مواليةٌ لإيران، لكنه سعى منذ ذلك الحين إلى تحقيق توازنٍ في علاقات العراق مع كلٍّ من طهران وواشنطن.
وسيحدّد الاقتراعُ المقرَّر في 11 تشرين الثاني/نوفمبر ما إذا كان السوداني سيحصل على ولايةٍ ثانيةٍ — وهو أمرٌ نادرُ الحدوث بالنسبة لرؤساء الوزراء العراقيين في السابق.
وسيتنافس 7,768 مرشّحًا، من بينهم 2,248 امرأةً، على 329 مقعدًا في البرلمان، موزّعين على كتلٍ سياسيةٍ شيعيةٍ وسنّيةٍ وكرديةٍ قوية، في حين يقاطع رجلُ الدين مقتدى الصدر الانتخابات، الذي كان تيّارُه قد فاز بأكبر عددٍ من المقاعد في انتخابات 2021، لكنه انسحب لاحقًا بعد فشل المفاوضات حول تشكيل الحكومة، ولا يزال يمتنع عن المشاركة في الانتخابات.
وفي مدينة الصدر على أطراف بغداد، رُفعت لافتةٌ كُتب عليها: «كلّنا مقاطعون بأمر القائد السيد مقتدى الصدر. لا لأمريكا، لا لإسرائيل، لا للفساد».
كما أعلن ائتلافُ «النصر»، الذي يقوده رئيسُ الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مقاطعتَه أيضًا، متهمًا العمليةَ الانتخابيةَ بالفساد.
وفي الوقت نفسه، يشير التقريرُ إلى أنّ بعضَ المجموعات الإصلاحية المنبثقة عن احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 المناهضة للحكومة، تشارك في الانتخابات لكنها تواجه صعوباتٍ بسبب الانقسامات الداخلية ونقص التمويل والدعم السياسي.
شراءُ الأصوات والعنفُ السياسي
تتواتر اتهاماتٌ واسعةٌ بالفساد وشراء الأصوات. ووصف المحلّلُ السياسي باسم القزويني هذه الانتخابات بأنها «الأكثر استغلالًا منذ عام 2003 من حيث المال السياسي واستغلال موارد الدولة». وقال أحدُ مسؤولي الحملات، مشترطًا عدم الكشف عن هويّته لأنه يتحدث عن ممارساتٍ غير قانونيةٍ مزعومة، إنّ «جميع المرشحين تقريبًا، بما في ذلك الكتل الكبرى، يوزّعون أموالًا ويشترون بطاقاتِ الناخبين، حيث وصل سعرُ البطاقة إلى نحو 300 ألف دينارٍ عراقي (حوالي 200 دولار)».
وأكدت المفوضيةُ العليا المستقلة للانتخابات التزامَها بإجراء عمليةٍ «عادلةٍ وشفافة»، وقالت في تصريحٍ لوكالة «أسوشييتد برس» إنها «اتخذت إجراءاتٍ صارمةً لمراقبة الإنفاق الانتخابي والحدّ من شراء الأصوات».
وأضافت المفوضيةُ أنّ أيَّ مرشحٍ يثبت تورطُه في انتهاك القوانين أو شراء الأصوات «سيُستبعد فورًا». ومع ذلك، فإنّ الحملة الانتخابية شابها أيضًا عنفٌ سياسي. ففي 15 تشرين الأول/أكتوبر، تم اغتيالُ عضوِ مجلس محافظة بغداد والمرشّحِ عن قضاء الطارمية شمال العاصمة، صفاء المشهداني، بعبوةٍ ناسفةٍ لُصقت بسيارته. وقالت محكمةُ تحقيق الكرخ الأولى، الخميس، إنها اعتقلت شخصين يُشتبه بتورطهما في الجريمة.
وقالت النائبةُ عائشة غزال المساري، عضوُ تحالف «السيادة» الذي كان ينتمي إليه المشهداني، إنّ الجريمة «عملٌ جبانٌ يذكّرنا بأيام الاغتيالات السوداء»، في إشارةٍ إلى سنوات الفراغ الأمني والتناحر الطائفي الذي أعقب الغزو الأميركي للبلد عام 2003.
السعيُ للفوز بولايةٍ ثانية
ويشير التقريرُ إلى أنّ السوداني يحاول تقديمَ نفسه كبراغماتيٍّ يركّز على تحسين الخدمات العامة. وتُظهر استطلاعاتُ الرأي أنّ العراقيين ينظرون بإيجابيةٍ نسبيةٍ إلى الوضع الحالي في البلاد. فقد وجدت مجموعةُ «المستقلة للأبحاث»، التابعةُ لجمعية غالوب الدولية، أنه خلال العامين الماضيين، وللمرة الأولى منذ عام 2004، أكثر من نصف العراقيين يعتقدون أنّ البلاد تسير في الاتجاه الصحيح.
وفي أحدث استطلاعٍ أُجري في أوائل عام 2025، قال 55% من العراقيين الذين شملهم الاستطلاع إنهم يثقون بالحكومة المركزية. ومع ذلك، لم يشغل ولايتين متتاليتين منذ عام 2003 سوى رئيسُ وزراء واحدٌ فقط هو نوري المالكي. وقال إحسان الشمري، أستاذُ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، إنّ منصب رئيس الوزراء «لا يعتمد فقط على نتائج الانتخابات، بل على اتفاقات الكتل السياسية والتفاهمات الإقليمية والدولية لتشكيل الحكومة».
وأضاف أنّ الخلافات التي نشبت مؤخرًا بين السوداني وبعضِ قادة «الإطار التنسيقي» الشيعي الذي أوصله إلى السلطة «قد تعيق فرصَه في الحصول على ولايةٍ ثانية». من جانبٍ آخر، فإنّ كثيرًا من العراقيين لا يعلّقون آمالًا كبيرةً على الانتخابات بغضّ النظر عن نتائجها. سيف علي، أحدُ أهالي بغداد، يقول إنه لا ينوي التصويت بسبب تردّي الخدمات العامة: «ماذا حدث للكهرباء منذ عام 2003 حتى الآن؟ لا شيء. وماذا عن الماء؟ الجفاف وصل إلى بغداد. هذه خدماتٌ أساسية وليست متوفّرة، فما فائدة الانتخابات؟».
عن «أسوشييتد برس»[video][/video]