لم تتضح تماماً حتى الآن التفاصيل الجوهرية المتعلقة بطبيعة الانتقال نحو “شراكة أمنية دائمة بين العراق والولايات المتحدة”، ولا آلياتها وحدودها وجدولها الزمني بحسب معهد “مركز الامارات للسياسات”.
ولا يستبعد المركز في تقرير، وجود رابط بين إعادة الانتشار والانسحاب، وبين المخاوف من حدوث تصعيد إقليمي جديد بين إسرائيل وإيران، مع ترجيحات بتحول قاعدة “التنف” إلى المركز الرئيسي للقوات الأمريكية في المنطقة بدلاً من عين الأسد التي جرى استبدال القوات التقليدية فيها، بوحدات قتالية نخبوية.
وبحسبه فإن إدارة دونالد ترامب لم توضح حتى الآن موقفها من الاتفاق الذي ابرمته إدارة جو بايدن في العام 2024 مع الحكومة العراقية فيما يتعلق بالانسحاب التدريجي للقوات الامريكية من العراق، مضيفاً أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران، ما تزال تشكك في الانسحاب الأمريكي، وتلفت إلى استمرار التهديدات الأمريكية ورفض واشنطن دعم قانون الحشد الشعبي في مجلس النواب.
ولفت التقرير، إلى أنه من بين التحديثات التي يثيرها الانسحاب الاميركي، تجدد الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، والحاجة إلى تامين إقليم كوردستان ضد هجمات الميليشيات وخطر عودة تنظيم داعش، مبيناً أن القوات الأمريكية في مقابل تقليص وجودها في عين الأسد، فأنها تعيد التمركز في قاعدة الحرير الجوية في إقليم كوردستان وفي وقاعدة “التنف” العسكرية في سوريا.
وبرغم استمرار عمليات إعادة الانتشار واستبدال القوات ميدانياً، فان إدارة ترامب لم تصدر أي بيان علني واضح حول اتفاق الانسحاب والشراكة الأمنية مع العراق، لافتاً إلى أن هذه الضبابية متزامنة مع تصاعد لهجة واشنطن الحادة ضد الميليشيات المسلحة التي ينظر اليها باعتبارها المستفيد المحتمل من الانسحاب الامريكي.
كما ذكر التقرير، بمواعيد الانسحابات وإعادة الانتشار المعلنة والتي أكدتها وزارة الدفاع الأمريكية في 27 أيلول/سبتمبر 2024، قال إن إدارة ترامب لم تدل اي تعليق على الاتفاق المبرم في عهد بايدن، لكنه أشار إلى أن المسؤولين العراقيين أكدوا أن عملية الانسحاب جارية حالياً في قاعدة عين الأسد، حيث يتولى الجيش العراقي السيطرة على اجزاء واسعة من القاعدة البالغة مساحتها نحو 3 كيلومترات مربعة، ويتسلم المعدات والمسؤوليات التشغيلية الأمريكية مع اقتراب موعد التسليم النهائي.
وما تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن التحركات الفعلية للجنود الأمريكيين، خصوصا في ظل تقارير من مصادر عسكرية أمريكية تشير إلى استبدال القوات السابقة في القاعدة، التي كانت مكلفة بتدريب الجيش العراقي، بوحدات قتالية نخبوية، وفقاً للتقرير.
وأضاف أنه في بداية الأمر جرى الترحيب في العراق بالاتفاق باعتباره انجازاً سياسياً يثير رضا طهران والميليشيات الموالية لها، إلا أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك سقوط نظام بشار الاسد في سوريا، وتجدد المخاوف من تنظيم “داعش”، وتصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، دفعت باتجاه تبني مقاربة أكثر حذراً، إذ أن استمرار وجود القوات الأمريكية كان قد لعب دوراً مهماً في ردع أي عمل عسكري إسرائيلي على الأراضي العراقية.
وتابع التقرير، قائلاً: “كنتيجة لذلك، فان بعض القوى داخل الإطار التنسيقي بدأت تدعو إلى تمديد الوجود الأمريكي، اما بسبب الخوف من امتداد الصراع السوري إلى المناطق السنية في العراق، أو رغبة في ترتيب استراتيجي يسمح لها بان تتكيف مع مشهد محلي وإقليمي جديد، يشهد تراجعاً لنفوذ إيران”، لافتاً إلى أن “هناك نقصاً في التواصل الفعال بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية فيما يتعلق بمراجعة اتفاق الانسحاب والترتيبات الامنية في ظل الاضطرابات الاقليمية المتزايدة”.
واستطرد أنه بالرغم من الطلبات المتكررة من بغداد منذ بداية العام، فانه لم يتم تحديد موعد لزيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى واشنطن لمناقشة هذه القضايا، مشيراً إلى اصدار كتائب حزب الله مؤخرا تهديدات ضد الحكومة العراقية والقوات الأمريكية، وسط تحذيرات من تداعيات عدم الالتزام بالجدول الزمني المعلن للانسحاب، وانه برغم انشغال الإدارة الامريكية بأولويات أخرى، إلا أن بالإمكان اجراء مراجعة وتوضيح هذه المسألة، خصوصاً فيما يتعلق بالغموض المتبقي من الفترة السابقة.
ووفقاً للتقرير، فإن من بين القضايا غير المحسومة استخدام عبارة “إنهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة داعش” في البيانات الرسمية الأمريكية لوصف عمل اللجان العسكرية وجداول تنفيذ المهام، وهي عبارة استخدمها السوداني أيضاً، إلا أنه ما يزال من غير الواضح ما اذا كان يشير تحديداً إلى انسحاب القوات الأمريكية، أو إلى أنهاء مهمة التحالف الدولي متعددة الجنسيات ضد “داعش”، بشكل عام.
وطبقاً للتقرير، فبعد زيارة السوداني لواشنطن في نيسان/ابريل 2024، واجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة، لم يتم الكشف عن تفاصيل الانتقال إلى “شراكة أمنية دائمة”، رغم الإعلان عن تواريخ إنهاء مهام قوات التحالف، مؤكداً أنه “منذ تولي ترامب منصبه، لم تجر أي نقاشات علنية حول طبيعة هذه الشراكة، بما في ذلك تشكيل وادوار القوات الأمريكية المتوقع أن تبقى في العراق، كما لم يتم توضيح مهام الجنود الأمريكيين الحاليين الذين كانوا سابقاً مكلفين بتدريب ودعم وحدات الجيش والشرطة المحلية”.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قال الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، إن إقليم كوردستان يعارض بشدة انسحاب القوات الامريكية من العراق، حيث تعزز هذا الموقف بعد الصراع “الإسرائيلي-الإيراني”، بين 13 و24 حزيران/يونيو، والذي أدى إلى هجمات بطائرات مسيرة على الإقليم من قبل جماعات يشتبه بانها موالية لإيران.
ومع ذلك، أشار التقرير، أيضاً إلى أن حكومة إقليم كوردستان لم تصدر حتى الآن موقفاً رسمياً بشأن الانسحاب المخطط للقوات الامريكية من قاعدة حرير في أيلول/سبتمبر 2026، مضيفاً أنه من غير الواضح ما اذا كان هذا التأخير هو فقط اجراء إداري أم أن هناك اتفاقاً منفصلاً يسمح لحكومة الاقليم بطلب استمرار التواجد الأمريكي في قاعدة حرير بشكل منفصل عن اتفاق بغداد مع واشنطن.
ومن النقاط الأخرى التي تحتاج إلى توضيح بحسب التقرير، فهو أن غالبية الجنود الـ 2500 المتمركزين في العراق، يتواجدون في عين الأسد وحرير، وهناك أيضاً قوات اضافية في قاعدة فيكتوريا قرب مطار بغداد لضمان النقل الآمن من وإلى السفارة الأمريكية وبعثات دبلوماسية غربية أخرى، وذلك إلى جانب قوات أمريكية ضمن قيادة العمليات المشتركة في المنطقة الخضراء، تتولى حماية السفارة الأمريكية باستخدام منصات دفاع جوي، مشيراً إلى أن الاتفاق لم يحدد الوضع المستقبلي لهذه القوات.
الميليشيات وإيران
بينما أوضح أن “مخاوف الميليشيات العراقية المرتبطة بإيران، تتزايد ازاء التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة، خصوصاً المؤشرات على تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في القواعد، مضيفاً أن هذه المخاوف لا تتعلق فقط بإعادة التموضع الاستراتيجي، وإنما أيضاً احتمال وقوع عمليات امريكية-اسرائيلية تستهدف قادة الميليشيات وتقلص نفوذها”.
وبين التقرير، أن أكبر هواجس الميليشيات تتعلق باحتمال حدوث انقلاب ضدها من قبل فصائل شيعية اخرى تحت ضغط أمريكي او بدعم من شخصيات بارزة مثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، والزعيم الصدري مقتدى الصدر، لافتاً إلى خطوة غير مسبوقة حيث منعت الإدارة الأمريكية تمرير قانون “الحشد الشعبي” في مجلس النواب العراقي.
كما تناول التقرير، تزايد ما اسماه السخط الشعبي ضد الميليشيات والحشد الشعبي، وتأكيدات السوداني رفض السلاح خارج اطار الدولة، مؤكداً أن “هذا المشهد المتطور يكشف عن اتساع الشرخ داخل الإطار التنسيقي وميليشياته المرتبطة به قبيل الانتخابات النيابية الحاسمة والتي يفترض ان تحدد نتائجها، حجم نفوذ كل طرف في الحكومة المقبلة”.
ورأى التقرير، أن الضغط الأمريكي المستمر سياسياً وامنياً واقتصادياً على قوى “الإطار التنسيقي” والفصائل المسلحة وشبكاتها الاقتصادية المرتبطة بها، بما في ذلك العقوبات واحتمال التدخل العسكري، عمق الانقسامات الداخلية، مضيفاً أن هذه التوترات تتفاقم بفعل الضغط الإيراني لدفع العراق نحو الانخراط في صراع محتمل مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولهذا، فان من غير المستبعد أن يتسع الشرخ السياسي والميليشياوي في المرحلة المقبلة.
سيناريوهات الانسحاب
وقال التقرير، أن السيناريو الأول هو انسحاب كامل وفق الجداول المعلنة، لافتاً إلى أن نقل المواقع والمعدات من قاعدة عين الأسد إلى السيطرة العراقية يعزز مصداقية هذا السيناريو.
وتحدث بالقول إنه سبق لواشنطن ان نفذت عمليات مشابهة، بما في ذلك اخلاء الدبلوماسيين وكبار القادة العسكريين والمعدات من هذه القاعدة الى قاعدة حرير في أربيل وقاعدة “التنف”، العسكرية خلال المواجهة الأخيرة بين إيران واسرائيل، معتبراً أن انسحاباً كاملاً كهذا، سيسمح لواشنطن بالتعامل مع الجماعات المسلحة في العراق من دون وجود عبء حماية قواتها.
ومع ذلك، رأى التقرير، أن هذا السيناريو يبدو غير مرجح بسبب توقيته، الذي لا يتماشى مع احتمال اندلاع صراع عسكري يشمل إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، مبيناً أنه “في حال استخدمت إيران الأراضي العراقية لخوض مواجهة مع إسرائيل، فانه قد يواجه عزلة دبلوماسية واقتصادية، ما يدفعه أكثر نحو محور إيران”.
ولفت إلى أن “ضمان أمن إقليم كوردستان ضد هجمات الميليشيات ومنع عودة نشاط داعش في المناطق السنية، خصوصا في ظل وسط الاضطراب المستمر في سوريا، سيشكل تحديات كبير.
اما السيناريو الثاني، بحسب تقرير المعهد الإماراتي، فهو يتعلق بتقليص القوات وإعادة هيكلة المهام، حيث أوضح أن بالنظر الى التحديات السابقة، فان هذا السيناريو يبدو اكثر احتمالا.
وتابع قائلاً أنه في ظل المعطيات الحالية، فان واشنطن وبغداد ستؤجلان مهمة تحديد “الشراكة الأمنية الدائمة”، وستختاران بدلا من ذلك القيام بمشاورات موسعة وعميقة، مستطرداً بالقول: “وفق هذا السيناريو، فان قاعدة التنف في سوريا، الواقعة على بعد نحو 150 كيلومتراً من قاعدة عين الاسد، ستصبح القاعدة الرئيسية للقوات الأمريكية، وأن وحدات نخبوية ستبقى في معسكرات صغيرة داخل عين الاسد، وكذلك في قاعدة فيكتوريا قرب السفارة الأمريكية”.
وأضاف التقرير، أن “وجود مؤشرات على ان مطار حرير في اربيل الذي لا يشهد نشاطاً عسكرياً حالياً، سيشهد وصول معدات دفاع جوي ومروحيات اضافية، ربما ضمن خطة لتقليص عدد الجنود الامريكيين هناك في 2026.
ووفق التقرير، فإن ما يدعم هذا السيناريو، هو ميل الإدارة الأمريكية الحالية إلى تخفيض وجود القوات الأمريكية في الخارج، بما في ذلك تقليص القواعد العسكرية عالمياً، مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والكوادر القتالية عالية التدريب.
وخلص إلى القول إن التزايد الأخير في نشاط الميليشيات المسلحة في العراق، يرتبط بـ 3 عوامل رئيسة، هي تزايد التكهنات بشأن صراع عسكري محتمل بين اسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وايران من جهة اخرى، كما يرتبط بالانتخابات العراقية التي ستحدد شكل الحكومة القادمة وتقيس حجم النفوذ الايراني، في حين ان العامال الثالث فهو تنفيذ المرحلة الاولى من اتفاق انهاء مهمة التحالف الدولي ضد داعش، بما في ذلك انسحاب قوات التحالف من قاعدة عين الاسد في الانبار هذا الشهر، والاسئلة الاوسع حول مستقبل الوجود العسكري الامريكي في العراق.
وختم التقرير، حديثه بالإشارة إلى أن إيران تراقب الانسحاب الامريكي عن كثب، مركزة على إدارة انشطة القوى الشيعية المختلفة للحفاظ على وحدتها ومنع تفككها، في ظل توقعها لاحتمال استئناف الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة، مع استعداد حلفائها الاقليميين لدعمها ميدانياً.